رسالة زوكربيرغ عن المجتمع المثالي جعلت من وادي السيليكون منفصلا عن الواقع، وأظهرت كيف يمكن لشخص أن يكون على حد السواء، ذكيا بطريقة مذهلة وساذجا بشكل مثير للدهشة.
تحت صورة لمارك زوكربيرغ وهو يُرضع عجلا بزجاجة حليب، وبعد أيام من احتفاله باقتراب عدد سكان جمهوريته غير الأفلاطونية
إلى ملياري مستخدم، طالب الكاتب جون نوتون، مؤسس فيسبوك بمحاولة العيش في العالم الحقيقي!
الصورة حقيقية بلا شك، الحقل والعجل الصغير والحليب، وحتى مارك، لكن اللاحقيقي هو المضمون الكامن في الرسالة الأخيرة
لمؤسس فيسبوك، عندما يرفع من درجة إيمانه في علاج علل العالم وتمكين المجتمع عبر موقع التواصل، أنه توق جميل بلا شك،
لكنه أبعد من حلم، لأن زوكربيرغ يمتلك فكرة خافتة عن المجتمع الحقيقي وهو يعيش حياة مثالية في الواقع وتحت سطوة حياة رقمية،
إنه المرشد الأعلى لفيسبوك! مع كل ما يُذكر به هذا المنصب من تخلف ديني وسلطوي وقمعي وتوسعي ليس في إيران وحدها.
إذا كانت فكرة الإنترنت وجدت في ربط العالم من أجل إطلاق سراح العالم، وفق تعبير أريك شميدت الرئيس التنفيذي لشركة غوغل،
فإن رسالة زوكربيرغ الأخيرة عن رحلة فيسبوك لبناء المجتمع العالمي، بدت وكأنها تكرار لرسالة تاريخية لأحد القديسين إلى أتباعه.
يتساءل زوكربيرغ بلغة تقترب من حب الحكمة عن النقاش المعتاد بشأن المنتجات وتحديث الأعمال في فيسبوك، قبل أن يطلق الكلام
الأخطر والأبعد من الحلم الأفلاطوني، عما إذا كان بمقدور التواصل الرقمي بناء العالم الذي نريد!
وقال مؤسس فيسبوك “إن فرصتنا الكبرى هي الآن عالمية، في نشر الرخاء والحرية وتعزيز السلام والتفاهم، وانتشال الناس من الفقر
وتطوير التعليم. ومثل ذلك يكلف تحديات ويحتاج إلى استجابات دولية في إنهاء الإرهاب ومكافحة تغير المناخ ومنع الأوبئة”.
ويرى زوكربيرغ أن التقدم يتطلب عمل الإنسانية معا ليس فقط كدول، ولكن كمجتمع عالمي، زاعما أن فيسبوك يمتلك مثل هذه الفرصة
لبناء مجتمع عالمي.
مثل هذا الكلام كان قد أطلقه بطريقة ما نابليون بونابرت في حلمه العالمي، وأعاده أدولف هتلر في مسعى لإخضاع قارة، لكن
السياسيين الكبار التواقين للظفر بالمستقبل، هم كذابون كبار! وبما أن مارك زوكربيرغ مازال حذرا في خطواته المقتربة من السياسة،
فإننا لا يمكن أن نصنفه كذلك.
لكن رسالة زوكربيرغ تعنيني وتعنيك، كما تعني الملايين من الفقراء من مستخدمي فيسبوك في شتى بقاع العالم، وحتى أولئك من غير
الأعضاء في الجمهورية الافتراضية، لأنهم على الأقل يمتلكون فكرة ما عن هذا الموقع الذي يريد تغيير العالم.
وهذا على ما يبدو إن “المرشد الأعلى لفيسبوك” وموظفيه مطالبون بتحمل المهمة الشاقة المتمثلة في بناء مجتمع عالمي.
لكن، في الواقع، وبما أن زوكربيرغ يتكلم في رؤية طوباوية عن البشرية جمعاء، لا يوجد أي اختبار لبناء مثل هذا المجتمع، ولأن
الجمهورية افتراضية لا توجد فرصة للتفاوض.
يتساءل جون نوتون أستاذ التحليل التكنولوجي ومؤلف كتاب “من غوتنبرغ إلى زوكربيرغ: ما تحتاج معرفته عن الإنترنت” عما إذا كان
زوكربيرغ يدرك ما يعنيه حقا إلى المجتمع بوصفه المرشد الأعلى لفيسبوك، لأن كل الدلائل القريبة منه تشير إلى أنه يمتلك فكرة خافتة
عن ماهية المجتمع الحقيقي، تتعدى بقليل الفهم الذي يشير إلى مجموعة أشخاص لا يتوافقون على كل شيء “في أي قرية من العالم”،
ولكنهم ابتكروا طرقا للتقدم والقيام بما يحتاجون إليه بشكل جماعي.
يرى الناقد نيكولاس كار أن فكرة بناء مجتمع على نطاق كوكبي لا تبدو مثيرة للجدل من الوهلة الأولى، وهي أمر عملي وضروري
وجيد تماما، لكنه يعتبر زوكربيرغ مثل وادي السيليكون فقاعة تكنولوجية، خارج السياسة، خارج التاريخ.
والآن وقد كُسر التاريخ من خلال فقاعة تكنولوجية أسمها فيسبوك تسببت في اضطراب الخوارزميات، علينا إعادة التاريخ مرة أخرى
إلى سكته، ويجب أن تكون الحتمية التكنولوجية مرادفة للحتمية التاريخية، وفق كار الذي استنتج أن رسالة زوكربيرغ جعلت من وادي
السيليكون منفصلا عن الواقع، وأظهرت كيف يمكن لشخص أن يكون على حد السواء، ذكيا بطريقة مذهلة وساذجا بشكل مثير
للدهشة.
ليصل إلى القول إن مارك زوكربيرغ ليس شخصا شريرا، لكنه لا يعرف سوى القليل عن العالم الذي يعيش فيه البشر.
سبق وأن قام زوكربيرغ مع زوجته برحلة لاستكشاف جميع أنحاء الولايات المتحدة لمعرفة ما إذا كان هذا العالم الواقعي المحير منفتحا
على بعضه مثل العالم الافتراضي الذي يديره على فيسبوك.
لكن رسالته الأخيرة إلى ما يقرب ملياري مستخدم يعتقد أنهم يقدمون الولاء لجمهوريته الافتراضية أثبتت أنه يعرف القليل عن العالم
الحقيقي، وكان من الأفضل الشروع في معرفته أكثر.
من المؤسف القول إن التعصب والقسوة والحرب وقصر النظر والكراهية الدينية والقومية، التي تكتنف أحوال العالم، انتقلت بطريقة أو
بأخرى إلى الشبكات الاجتماعية، إن لم تكن سببا غير مقصود في زيادة انتشارها. صار الناس يعرفون أنفسهم على فيسبوك -ويا
للخيبة- بما يكرهون!
نقلا عن العرب