يعيش أبناء العراق عموماً وأبناء الوسط والجنوب خصوصاً هذه الايام حالة من القلق والاضطراب النفسي جراء ما حصل في محافظة الموصل وبعض المدن الأخرى مما يعز على النفس ذلك, فلا تغفوا لنا عين لا في ليل ولا في نهار ونحن نرى أبناء العراق أسارا بيد مجموعة من المتعجرفين والنتنين والمرتزقة مما يطلق عليهم أسم “داعش” العفن سلطنا الله عليهم في أسرع وقت ممكن انه على كل شيء قدير.
ولكننا وبطبيعة التزامنا بإحكامنا الدينية لا نستطيع ان نفعل فعل من دون ان تأمرنا المرجعية الدينية في ذلك وفعلا فسرعان ما توالت علينا بيانات واستفتاءات المرجعيات والعلماء في العراق وخارجة التي جاءت تحذر من الخطر والمؤامرة التي يمر بها العراق اليوم وأوجبت مؤازرة القوات الأمنية والتكاتف والتعاون فيما بيننا من أجل الحفاظ على امن البلاد والدفاع عن أرضه ومقدساته وشعبه وان من يسقط في المعركة فهو شهيد وأجره على الله.
ولكن مع اندفاع الناس والجماهير المتلهفة للقيام بواجبها اتجاه وطنها ومقدساتها نتخوف من فقد السيطرة على عواطف ومشاعر الناس مما يولد لنا خروقات في بعض المناطق أو القيام بتشكيلات مسلحة مجهولة الهوية والتنظيم مما تعود بنا إلى أحداث 2006م وما رافقتها من تداعيات سلبية كثيرة,
إلا إننا نجد في بيان سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي ما يزيل عنا كل ذلك الخوف والقلق وهو يؤسس لبنا دولة متكاملة من جميع النواحي والاتجاهات ويغلق الباب أمام كل من يُريد ان يركب تلك الموجة للحصول على منافع دنيوية او سياسية.
فقد اصدر سماحته بياناً عالج فيه الأوضاع الجارية وذكر فيه أسباب وتداعيات تلك الهجمة وما هو المطلوب علينا فعله, مما يشعرك بالاطمئنان لوجود مثل هكذه عقلية تحمل وتستوعب كل الإحداث الجارية في المنطقة وتضع لها الحلول الناجعة وليس ببعيد علينا خطابه دام ظله في أحداث مصر وأحداث التظاهرات التي اُسس لها على مواقع التواصل الاجتماعي وكيف انه قنن وكشف لنا الطريق عن تلك الأحداث الغامضة ومن المستفيد منها وما هو الهدف الأساس منها ومن يقف وراءها ومن يدعمها.
والذي يطلع على بيانه في أحداث الموصل يجد فيه عدة نقاط منها:
1- عنون سماحته البيان تحت عنوان “رُبَّ ضارةٌ نافعةٌ.. سقوط الموصل” للإشارة إلى إن الضرر الذي لحق بنا جراء سقوط الموصل سوف يولد لنا منافع كثيرة منها توحد الخطاب الديني والسياسي والتوجه نحو معرفة العدو والخطر المحدق بناء, وفعلاً حصل ذلك ولمسنا ثماره في أيام قلائل فسرعان ما توجه القادة السياسين إلى التنازل وترك الخلافات جانبا واخذوا يتباحثون الأوضاع الجارية بموضوعية عالية, وتوحدت مواقف أبناء البلد بكل أشكاله وألوانه من أجل الدفاع عن ارض الوطن.
2- التذكير بالأخطاء السابقة التي لم تعالجاها الحكومة، بل تتركها تتسع مما تولد أخطاء ومشاكل اكبر منها مما يصعب إيجاد الحلول لها، والأمثلة على ذلك كثيرة من أمثال محاسبة المقصرين والسُراق والفشل في إنجاح المشاريع الحيوية.
3- التذكير بان سبب نقص الخدمات وتعطيل مشاريع التنمية والصراعات السياسية على المناصب ولد لدى عموم الناس اليأس والإحباط من قيادات وزعامات السلطة الحالية مما جعل لعصابات الظلام سهولة السيطرة على المدن، لان المواطن ضاق ذرعا من الوجوه السياسية الفاشلة والمتآمرة على البلد والتي لا هم لها سوى المكاسب والمصالح الضيقة.
4- التوضيح بان الأخطاء المتراكمة للسلطة الحاكمة وعدم المهنية للقادة الأمنيين هي السبب وراء سيطرة تلك الجماعات على محافظة الموصل، مما لا يخفى على المتابع البصير ضعف وضحالة بعض القيادات الأمنية وسهولة الحصول على رتب ومناصب في الأجهزة الأمنية لكتل أو جهات سياسية تحت اطر وعناوين مختلقة.
5- وذكر أيضاً بان تخلي اغلب الكتل السياسية الحاكمة وغير الحاكمة عن أخلاقيات المهنة وعدم الشعور بمسؤولية المواقع التي أتمنهم الشعب عليها، كان السبب وراء سيطرة الجماعات الإرهابية على تلك المدن ولو إنهم اتحدوا وتآزروا على نصرة البلد وعملوا من اجل شعبه لما وصل بنا الحال إلى ماهو عليه اليوم من التردي في جميع قطاعات الدولة.
6- دفاعه دام ظله عن بطولة أفراد الجيش العراقي وما يحمله الجندي من شجاعة وحب للوطن مما يجعل منه ان يفدي نفسه من اجل الحفاظ على امن الناس ويذّكر سماحته بالمواقف البطولية لبعض الأجهزة الأمنية الذين احتضنوا بعض الإرهابيين وتفجروا معهم وتطايرت أجزائهم الطيبة على الأرض كل ذلك فداءً ودفاعاً عن الوطن.
7- التذكير بأنه لابد من وضع حلول إستراتيجية لإنهاء أزمة العراق كلها بحيث يطمئن لها الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته وأعراقه، وهو مستعد دام ظله إلى أن يبدي استعداده لرسم خارطة واضحة المعالم تلك الإستراتيجية التي تؤمن لكل العراقيين وبجميع اتجاهاتهم وألوانهم العيش بسلام وآمان تحت سقف العراق الواحد المتحد أرضا وشعباً إذا ما طلبوا منه الزعماء السياسيون ذلك وعملوا على إنقاذ العراق من الهاوية التي يمر بها.
8- إشراك الجميع من علماء ورجال دين وقادة سياسيين وزعماء عشائر وأبناء الشعب كله بالمهمة الملقات على عاتقة من وجوب التصدي للدفاع عن ارض الوطن والحفاظ على وحدة شعبه وأرضه وصد الهجمات الإرهابية التي تحاول ان تعصف بالبلد وتجره إلى الهاوية وان المسؤولية لا تُقصر على طائفة أو فئة أو مجموعة دون أخرى.
9- طمأنة الناس واستعادة ثقتها بقدرة وجاهزية أبناء قواتنا المسلحة على فرض الأمن في ربوع الوطن بكامله شريطة تعاوننا معه والوقوف إلى جانبه في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها.
10- سد الباب أمام الفوضى التي ربما تحصل بسبب زعزعة الأوضاع الأمنية والموقف الواضح من إنكار تشكيل مجاميع مسلحة او مليشيات والدعوة إلى تشكيل جيش رديف يساند قواتنا الأمنية تشرف على تجهيزه وإعداده الدولة ضمن الشروط المطلوبة ولابد ان يكون هذا الجيش صاحب عقيدة ومتحمس للدفاع عن مقدساته وأرضه وشعبة ولابد من إشراف قادة مهنيون عليه كما ولابد من ان يخضع هذه الجيش إلى أعلى مستويات من التدريب ويزود بمعدات متطورة تكون مهمته الحفاظ على المقدسات والمشاريع الحيوية في البلاد ومساند للقوات الأمنية في عملياتها اتجاه التصدي للزمر والأوكار الاربهابية.
11- في دعوته إلى تشكيل جيش رديف للقوات الأمنية فان سماحته يؤسس إلى بناء قواعد الدولة الحديثة والمتقدمة التي تأخذ مؤسساتها زمام المباركة ويكون الهدف منها هو الحفاظ على جميع أطياف الشعب العراقي مما يجعلهم يشرعون في الأمان والاطمئنان في وجود ذلك الجيش, وان سماحته يترفع عن الأنانية او ألجهتيه في ذلك فهو قادر على ان يؤسس جيش يكون تابع له او لمؤسسته السياسية يُعد بالآلاف وفي عموم محافظات العراق ويحسب النصر والغلبة له لا انه دام ظله لا يريد أن يؤسس إلى مثل هكذا أفكار وتوجهات بل انه يريد ان يؤصل ويقعد ويشيد أركان دولة تحفظ للجميع العيش الكريم ولا تميز بين أبنائها على حساب جهة أو طائفة دون أخرى.
12- لم يغفل سماحته عن المدد والقدرة الإلهية في نصرة المؤمنين وأهمية الارتباط الروحي بين الفرد وربه فقد دعا سماحته في ختام البيان إلى إن يتوجه المؤمنون إلى قراءة دعاء أهل الثغور لنصرة إخوانهم ومجاهديهم في ساحلات القتال، وهو من أدعية الإمام زين العابدين عليه السلام الذي كان يدعو به لنصرة المسلمين في حربهم مع الأعداء.
13- وختاما دعاء سماحته إلى المجاهدين بالغلبة والى الشهداء بالفوز بالجنة والى الجرحى بالشفاء العاجل ولم يغفل سماحته عن ذكر العوائل التي تعرضت إلى التهجير وترك منازلهم من الدعاء لهم بالرجوع إلى أوطانهم وديارهم سالمين أمنين وان يحسرهم الله تعالى بعينه التي لا تنام انه نعم المولى ونعم النصير.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين