فقد العالم الاسلامي, في 27 ربيع الأول 1390 هـ , 2/6/1970, علما للدين والفقه والسياسة, انه الامام السيد محسن الحكيم , حكيم النسب واللقب والتفكير والقرار.
صاحب رؤية اجتماعية وسياسية, توحد المذاهب وتزيل الخلافات, باجتهاده الفقهي اطل على منظومة القيم الانسانية, وزرعها بين الأفراد والمجتمعات, حارب الجهل والتعصب رافضا الخضوع للطغاة, تعامل مع الفكر بالنظر إلى القول وليس صاحبه, وافر العلم والحكمة والثقافة العالية في كل مجالات.
كان الإمام ينظر للمرجعية كمؤسسة عملية تكاملية بين المرجع والحوزة والامة.. وفهم اسلامي لكل واحد منها، لتصحيح دورها في التكامل والارتباط والاداء، لتحقيق الأهداف المرجوة.
سعى لتطوير جهاز المرجعية، وعمل لتكريسها لخدمة الإسلام، وانفتاح الحوزة على العلوم الاخرى، ليتاح للحوزوي قيادة الأمة في كل مجال، من خلال نظام جديد الادارة والعمل.
كان الامام الحكيم عارفا بخطة الاحتلال وسياسته الخبيثة “فرق تسد” للسيطرة على العراق، فاتخذ سياسة مضادة، من خلال مشاركة جميع مناسبات وحوادث الآخرين.
جعل الشريعة الإطار الوحيد لا دارة الاختلافات في مختلف المجالات, وحارب الأفكار المنحرفة، من خلال دفع طلبته للكتابة وفضحها، كمؤلفات الصدر الأول التي كانت بطلب منه.. عمل لتحصين الأمة ودفعها للتنور من خلال إنشاء سلسلة مكتبات.
سعى بقوة للحفاظ على استقلالية الحوزة العلمية, ومن ابرز المواقف رفضه مبلغا ضخما من المشير عبد الحكيم عامر نائب عبد الناصر, التي كانت بعنوان التبرع للحوزة العلمية, والتأكيد على قوة مقام المرجعية واستقلالها من الفرض على سلطة بالمجيئ لبيت المرجع, كما حدث في حادثة زيارة الملك، حينما أبلغ أن الملك يريد اللقاء به في الصحن الحيدري، للنظر في طلباته بمرأى ومسمع الناس، فالتقاه وعرض عليه بعض المطالب، ثم عاد الملك للزيارة بعد عام، وابلغ برغبة الملك ثانية، فرفض لقاءه قائلا ان الملك يأتي ليتفرج على زخرف الحضرة ولست جزءا منها.. وافقت على اللقاء به في المرة الاولى، لاحتمال ان يكون صادقا في دعواه، لكن مرت سنة على مطالبنا دون ان ينظر بها أحد!
كان يؤمن بضرورة التواصل مع الاحداث السياسية، من اجل توعية المجتمع والتصدي لأي مؤامرة ضده.
عندما سأل السيد الحكيم عن رأيه في السياسة ودور العلماء فيها فأجاب:
“إذا كان معنى السياسة هو اصلاح امور الناس، بحسب الاصول العقلانية الصحيحة، والعمل على تحقيق رفاهيتهم، كما هو المعنى الصحيح للسياسة، فان الإسلام كله هو هذا وليس هو غير السياسة، وليس للعلماء وظيفة غير هذه، وأما إذا كان المقصود من السياسة معنى اخر فان هذا شيء غريب عن الإسلام”
اهتمام الإمام الحكيم شمل قضايا العالمين العربي والاسلامي، فشارك بثورة العشرين، ودعم فلسطين بالحقوق الشرعية، وجميع الحركات التوعوية الاسلامية، وغيرها كثير.
وظهر عمق التأثير الكبير للإمام الحكيم وعظم مكانته، ليس في العراق فقط وانما في جميع بلدان العالمين العربي والاسلامي، عند رحيله تم إعلان الحداد في البلدان العربية والاسلامية، وتواردت برقيات التعازي من رؤساء وملوك الدول العربية، وأقيمت مجالس العزاء اربعين يوما في العراق، بمشاركة شخصيات كبيرة من الاديان الاخرى في تشيع الامام الحكيم.
كان رجلا تجاوز المحلية والإقليمية، فوصل للعالم ونشر صورة مشرقة مشرفة.