باستعراضنا أيام المقاومة الشعبية 1959، والحرس القومي 1963، وفدائيي صدام 1979، وبعد اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم، واحتراق عبدالسلام عارف، وطرد أحمد حسن البكر، وشنق صدام حسين، وتدمير دولة الخليفة البغدادي، وضرب نوري المالكي بالحجارة والأحذية، كان متوقعا أن يكون العراقيون قد فهموا الدرس، وأدركوا فداحة أثمان التسلط على الدولة بالمليشيات، والاستقواء بالاحتلالات، والاختلاسات، واستغلال فتاوى المرجعيات، واقتنعوا بأن لا شيء يحفظ كرامة المواطن ويفتح له أبواب المستقبل المزدهر القوي العزيز أكثر من التعايش والتراضي والتداول السلمي للسلطة ومنع المعممين من أن يُصبحوا أوصياء على السياسيين والعلماء والخبراء. لكن كل هذه التمنيات تبخرت وخابت كل تلك الظنون.
ففي زمن الفوضى الحالي والتخابر مع مخابرات الدول الصديقة والشقيقة، ورغم اعترافات الفاسدين بفسادهم، على شاشات الفضائيات، وبرغم جميع الملفات التي دأبت لجنة النزاهة على إعلانها، ما زالت المرجعية لا تعرف بالضبط مَن الفاسدون ومَن غيرُ الفاسدين، وما زالت لا تعلم بأن فتواها التي أرادت بها اجتثاث داعش وتحرير الوطن من موبقاتها تحولت إلى ولأدة لداعش جديدة واحتلال جديد، وأصبحت الحاضنة الحانية على حرس ثوري عراقي تآخى مع الحرس ثوري إيراني ليدوس على الدولة العراقية، وعلى الحكومة، وعلى الجيش، وربما على المرجعية ذاتها في قادم الأيام، وليقاتل بدماء شبابه وبأموال الخزينة العراقية المدينة، لا دفاعا عن العراق ولا حتى عن المرجعية، بل عن نظام الولي الفقيه، وعن امبراطوريةٍ فارسية في غير زمنها وغير مكانها.
ومن أكثر من خمس عشرة سنة ونحن نكتب ونهتف ونخطب ونجادل السياسيين العراقيين بالتي هي أحسن، وندعوهم الى “الالتزام بالعهود وإعطاء الناس حقوقهم وتقديمها على مصالحهم الشخصية لينالوا خير الدنيا والاخرة”، تماما كما تفضل وكيل المرجع بقوله في خطبة الجمعة الأخيرة.
وإذا كنا، نحن أبطال حروب الكلمات المتقاطعة، لا نفعل سوى مقاتلة الفاتحين والمحتلين والمختلسيين بالمقالات والتعليقات ورسوم الكاريتير، فنحن معذورون، لأننا عجزة، لا مال لدينا ولا سلطة ولا سلاح. ولكن ما بال المرجعية تقلدنا في عجزنا، وتنهج مثلنا بنهج (إياكِ أعني واسمعي ياجارة)، وهي التي تستطيع، لو رأت منكرا، أن تغيره بيدها، وإن لم تستطع فبلسانها وفتاواها الصريحة الحازمة الحاسمة، وليس بقلبها، غمزا ولمزا، وهو أضعف الإيمان.
ففي آخر تجلياته الأسبوعية الوعظية الناعمة التي ينوب فيها عن المرجع الأعلى السيد السيستاني قال ممثل المرجعية في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي إن “هنالك شكلين من الشخصية الانسانية، هناك الانسان الذي إذا كان له حق على غيره حكَمَ بهذا الحق، واذا كان الحق لغيره على نفسه لم يحكم بالحق، بل بالباطل”.
ثم التمس الشيخ الكربلائي المخاطَبين المقصودين فقال “عليكم أن تفوا بالعهود، حيث إن هناك من يخشى الناس، ولا يخشى الله سبحانه وتعالى”.
وكأن المرجعية لم تسمع، بعدُ، رئيسَ هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وهو يعلن “أن الحشد الشعبي هو ذراع الدولة العراقية، وأن الجيش العراقي أصبح الآن في حال إسناد للحشد”.
وكأنها أيضا لم تسمع رئيس الوزراء، حيدر العبادي، وهو يعترف بصعوبة القضاء على الفساد، ويقول، في مقابلة مع مجلة تايم الامريكية، رداً على سؤال بشأن الفساد، “الناس يدعونني لوضع الفاسدين في السجن، من أين نبدأ”؟.
وكأنها، أيضا، لم تسمع بأن العبادي أصدر مرسوماً يقضي بأن يحصل مقاتلو الحشد الشعبي على رواتب تتساوى مع ما يتقاضاه (أقرانُهم) من أفراد الجيش، كما ستُطبق عليهم قوانين الخدمة العسكرية، وسُيقبل منتسبوه في الكليات والمعاهد العسكرية.
وكأنها لم تقرأ أن لجنة النزاهة البرلمانية أعلنت عن اختفاء عدد من ملفات الفساد بعلم وزراء، وعن أن هناك ضغوطاتٍ على النزاهة وعلى القضاء من أجل عدم فتح تلك الملفات”.
وكأنها أيضا لم تسمع ولم تقرأ أن نوري المالكي أعلن أنه “لا مانع لديه من تولي هادي العامري رئاسة الوزراء”، حتى وهو الذي سئل: لو قامت حرب بين العراق وإيران فمع من تحارب؟ فردَّ على الفور وبحماس: مع إيران طبعا دون أي شك.
فهل بعد كل ذلك يعتب علينا أحدٌ إذا ما حمدنا الله على أننا لن نعيش حتى يأتي اليوم الذي نرى فيه ما فعلته المرجعية بهذا الوطن السليب، وبشعبه الصامت العجيب، ثم نترحم على أيام نوري المالكي وحيدر العبادي ومشعان الجبوري مثما نترحم اليوم على أيام صدام حسين؟؟.