بقدر ما تمثل المرجعية الرشيدة بالنجف الأشرف ثقلا دينيا كبيرا وعلامة بارزة وعنوان عريض وكبير ومقدس لدى عموم المسلمين والشيعة منهم على وجه الخصوص، لتاريخها الطويل الذي يمتد لأكثر من 700 سنة فهي تمثل ثقلا أجتماعيا كبيرا أيضا، حيث يعتبر زعمائها وكبار علمائها ومجتهديها مراجع لدى الكثير من الناس وتحديدا الشيعة العراقيين، حيث يرجعون أليهم في الأستفسار والسؤال عن الكثير من أمور حياتهم التي تحتاج الى شيء من الأجتهاد. وعلى الرغم من ثقلها الديني الكبير وأهميتها ورمزيتها الدينية العالية ألا أن الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1920 ولغاية 2003 وتحديدا فترة النظام السابق (1968 – 2003)، لم تعرها وتوليها أهتماما كبيرا، بل جعلتها بعيدة كل البعد عن كل ما يجري في البلاد من أحداث أن كانت سياسية او غير ذلك، وتحديدا أبان حكم النظام السابق حيث تم تحجيم المرجعية بشكل كامل!. من بعد سقوط النظام السابق والأحتلال الأمريكي للعراق برزت المرجعية بشكل لافت وكبير وأتجهت أليها وعليها الأنظار من الداخل والخارج حيث أصبحت العنوان الأبرز والاهم للحدث السياسي الكبير الذي وقع ،وصارت مزارا لكل قادة ورؤوساء العالم وممثلي المنظمات الأنسانية والدولية، بعد أن أصبحت هي صاحبة الحل والعقد ومرجع الرأي السديد والرشيد في كل الأمور، خاصة فترة الفوضى وأعمال الفرهود والتخريب التي عمت البلاد أثناء دخول القوات الأمريكية للعراق، وكان لها الدور الحاسم في تخفيف غلواء الحرب الطائفية التي حدثت ومن ثم ايقافها. ومما يؤسف له أن الطبقة السياسية وأحزابها وزعاماتها، أستغلت المرجعية! لمنافعها الحزبية والسياسية والشخصية والفئوية الضيقة، بعيدا عن مصلحة الوطن والشعب، فنسبوا أليها وقالوا عنها ما لم تقل من أجل مصالحهم الشخصية ومصالح أحزابهم. وبعد الأنتباهة المتأخرة! للمرجعية لذلك الأستغلال من قبل الطبقة السياسية لها، وبعد أن تيقنت تماما بأنهم لم يكونوا على مستوى المسؤولية ومستوى الطموح والامل الذي كانت تريده منهم وتوصيهم به، من أجل خدمة الوطن والشعب وتوفير الحياة الحرة الكريمة له، حيث لم يكونوا عند حسن الظن بهم من قبل الشعب. وبعد أن تيقنت تماما من فساد الطبقة السياسية وفضائحها التي اصبحت على كل لسان، أدارت ظهرها لجميع الأحزاب السياسية وقياداتها وأغلقت كل الأبواب أمامهم وأمتنعت عن مقابلة أيا منهم. ومن وجهة نظري المتواضعة أن خطوة المرجعية بأمتناعها عن مقابلة أي زعيم سياسي جاءت متأخرة!، لأن عنوان الطبقة السياسية التي قادت البلاد من بعد سقوط النظام السابق كان واضحا جدا منذ أستلامهم الحكم! و كنت أتمنى أن تأخذ المرجعية موقفها هذا منذ بداية العملية الساسية!، ولو أني كنت أتمنى أصلا أن لا تزج المرجعية نفسها بالعمل السياسي وأن تنأى بنفسها بعيدا عن ذلك، لأن السياسة قذرة وتلوث أي شخص أو جهة تقترب منها مهما كان لذلك الشخص والجهة من قدسية ورمزية ومكانة!. فتدخل المرجعية في بعض الأمور والمواقف والقرارات من باب الحرص وأبداء النصيحة وعدم تدخلها في أمور أخرى جعلها في موقف الملامة وحتى النقد من قبل البعض!. ولأن العراق بشكل عام والأنسان العراقي على وجه التحديد يتعرض الى أخطر عملية تدمير وفناء لم يشهدها العالم من قبل!، فعلى المرجعية أن تتولى ملف أعادة بناء الأنسان العراقي الذي يحاول أعداء العراق من الخارج والداخل تدميره وضياعه. جاء في الحديث القدسي ( الأنسان بنيان الله ملعون من دمره). فأن بناء المجتمع بناء صحيحا يقوم على الأخلاق وبناء الأنسان على القيم والمباديء، لأنها الأساس الذي تبنى عليه مستقبل الأمم والشعوب. أن عملية تدمير أي بلد ومجتمع ليس بأهمال بنيته التحتية وبعدم بناء المدارس والمستشفيات والجسور والمستوصفات الصحية والجامعات! فقط، فهذه مكملات لأساس التدمير الذي يبدأ بالأنسان وبتدمير بنيته الأخلاقية والتربوية والأنسانية وتجريده شيئا فشيئا من أبسط القيم والمباديء، حتى يتحول في النهاية الى حيوان بصورة أنسان لاهم له ألا بأشباع غرائزه المتعددة والكثيرة والشاذة والخطيرة!، وهذا ما حدث للعراق من بعد الأحتلال الأمريكي له. حيث تكالبت عليه كل قوى الشر من الداخل والخارج من أجل تحطيم الأنسان العراقي. فبدؤا بأشاعة الفوضى وخلق الفتن والتناحر الطائفي والقومي، وعدم التفكير بحل الأزمات المزمنة مثل الكهرباء ومحاولة أيجاد فرص عمل للعاطلين وتحديدا شريحة الشباب من الخريجين، بل تركت الأزمات تتراكم عن قصد!، ومن ثم بدأت مرحلة تجويع الشعب وترهيبه بنفس الوقت، ونشر آفة الفساد بكل صورها وأشكالها في عموم المجتمع بكل مرافقه ودوائره ومؤسساته المدنية والعسكرية منها وفي القطاع العام والخاص، وخاصة موضوع المخدرات التي صار أنتشارها وبشكل سريع يهدد بنية المجتمع العراقي بالكامل!. لذا على المرجعية أن تتصدى في خطبة الجمعة، لموضوع الأخلاق وتعمل على أعادة بناء الأنسان العراقي الذي يعمل أعداء العراق على تدميره بشكل سريع وممنهج، وتبتعد في خطبها عن مناقشة الأحداث السياسية، التي لم تجدي نفعا! ولم تؤثر بالسياسيين وتهز ضمائرهم، فالطبقة السياسية بأختلاف أحزابها ومذاهبها وقومياتها لم تتأثر بزعل المرجعية عليها وغلق أبوابها بوجههم، فأستمروا على ماهم عليه!. ولكون المرجعية لازالت تمثل صمام الأمان للعراق والأمل بأنقاذه مما يخطط له من تدمير، فعليها تقع المسؤولية الكاملة في التصدي لذلك، ولا يكون ألا من خلال خطبة الجمعة والتركيز فقط على موضوع الأخلاق، لا سيما وأن تاريخ الرسالة المحمدية وآل بيت الرسول الكرام والصحابة الأجلاء ،على الرسول وعليهم جميعا أفضل السلام، قام على الأخلاق ونشر الفضيلة والقيم الأنسانية للعالم أجمع. قال عز وعلا وهو يخاطب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام (أنك لعلى خلق عظيم)، والرسول الأكرم يقول ( جئت لكي أتمم مكارم الأخلاق). كما ان التاريخ بوجه عام وليس التاريخ الأسلامي فحسب غني بالقصص والمواعظ والحكم التي يمكن أستلهام العبر منها. وأخيرا نقول ونكرر: على المرجعية أن تترك الخطب السياسية ليس لكونها مملة فقط بل لأن المواطن العراقي البسيط يعرف أين السبب ومن المسبب؟، وأن تركز في كل خطبة جمعة على موضوع الأخلاق. ولنا باليابان مثالا على ذلك، فاليابان التي يطلق عليها من قبل كل أمم العالم بأنهم مجتمع من كوكب أخر!، أن هذا التوصيف لم يأت من فراغ عندما نعرف ونتأكد بأن اليابان تركز في تدريسها بداية دخول التلميذ لمرحلة الدراسة الأبندائية على درس الأخلاق فقط ولا غير ذلك! وأعتبار باقي الدروس ثانوية يتعلمها لاحقا! ، فمعيار النجاح عندهم هو الأخلاق وسموها، وبدون أخلاق لا يكون هناك مجتمع متقدم ولا تطور تكنلوجي وعلمي ولا نجاح ولا بناء ولا عمران ولا ولا ولا أي شيء. آملين من المرجعية الرشيدة وكل وكلائها أن يولوا موضوع الأخلاق وأعادة تربية الأنسان وبناءه من جديد كل الأهتمام في مستقبل الأيام وفي كل خطبة جمعة قادمة، لأنها السلاح الحقيقي والفعال والمضاد لكل مخططات الأعداء، وترك السياسة لأهلها والله من وراء القصد.