إن تصدي المرجعية الدينية في الوقت المناسب، وإنقاذ الحاكم، سمة بارزة في العراق بعد عام 2003، ففي حكومة الدكتور اياد علاوي، عندما حصلت مواجهات النجف الأشرف، ووصلت الأمور إلى نقطة حرجة وخطرة، عاد الإمام السيستاني، قاطعا رحلته العلاجية، لينهي الوضع الغير طبيعي.
عام 2014 قبل الانتخابات، رفعت المرجعية شعار التغيير، حثت الجمهور على عدم التصويت لمن أثبتت التجربة فشله، لكن للأسف، تمكن التظليل من بعض الناس، والتغافل من البعض الآخر.
عندما زحف شر داعش بنفس العام، ليحتل ثلثي البلد، وأصبحت العاصمة بغداد، على بعد مرمى حجر من السقوط، تدخلت المرجعية، لتصدر الفتوى التاريخية التي لولاها، لما تمكن احد ألان؛ أن يعرف مصير البلد، حيث وقفت الحكومة وأجهزتها الأمنية عاجزة عن المواجهة.
عند تشكيل الحكومة، كان للمرجعية الصوت الأعلى والأوضح” من جرب المجرب نال الندامة” وغيرها من العبارات، حتى حصل التغيير، لكن كان تغيير شخوص لا غير، حيث استمر الفساد وظل الفاسدين يسيطرون على مقدرات الدولة ومفاصلها المهمة، وخزينة البلد فارغة، أسعار النفط تهاوت إلى أدنى مستوياتها، الحرب مستمرة على ثلثي البلد.
رئاسة الوزراء؛ بدأت تكرر أخطاء المرحلة السابقة؛ ” تعيينات بالوكالة”” إعادة نفس الوجوه المتهمة بالفساد، ولم تجلب الخير للبلد”، حتى وصلت الأمور إلى حد لا يطاق، وأصبح الشعب في طريقة لينهار، ليدمر كل شيء، والحكومة عاجزة لا تقوى على تقديم شيء جديد.
تصدت المرجعية من جديد، لتطلب من رئيس مجلس الوزراء، إصلاح الأوضاع، والابتعاد عن أسباب ومسببات الفساد، ” محاصصة حزبية واثنيه” توفر للفاسدين الحماية، ” مناصب زائدة؛ لا فائدة منها سوى تبذير الأموال”، عندها أصبح رئيس مجلس الوزراء، أمام الأمر الواقع، الشعب في الشوارع، يطالب بالإصلاح، والمرجعية وقفت إلى جانب الشعب، كلاهما منح رئيس الوزراء قوة، ليبدأ بإصلاحات أصدر حزمتها الأولى.
هذا يؤكد أن العراق؛ لحد الآن لم يجد رجل دولة، يتمكن أن يقود سفينته إلى بر الأمان، بل أن كل من تصدى لحد ألان أنقذته المرجعية، ليتحول بعدها إلى رجل سلطة لا رجل دولة.
هذا ما نخشى منه على السيد العبادي، فخطابة في يوم الشباب العراقي؛ طغت عليه نبرة رجل السلطة لا رجل الدولة.
طلب تفويض ليغير الدستور، وهذا قفزة كبيرة وسريعة، استعجلها رئيس مجلس الوزراء، أشرت على شعور بنشوة انتصار لم يصنعه، وانجاز أراد تسجيله لنفسه، مما يثير هواجس الشعب، الذي لولا المرجعية لما تخلص من ديكتاتورية وانفراد بدأ ينشأ لدى الحاكم.
يأمل الشعب من السيد العبادي؛ وهو في بداية الطريق، أن يفكر بعقلية رجل الدولة، قبل أن تتمكن منه السلطة، وان لا يغفل عدم تمكنه من أي انجاز بمفردة لحد ألان، مما ينذر بخطر السلطة عليه، فمن يتعكز على انجازات غيره ويحاول أن يسجلها لنفسه، لا يملك خيار إلا السلطة، ليمتطي صهوتها، لكنها جموح سرعان ما ترميه كما فعلت مع أسلافه….