قبل وبعد الإستفتاء الكوردستاني في أيلول 2017، وفي وقت الفوضى العارمة لسيول الخطابات والتوصيفات المليئة بالاساءات، في بغداد، تجاه الكورد وكوردستان، وصلت العلاقات السياسية بين الحكومة العراقية، وبشكل خاص بين جزء من المتنفذين في بغداد، أو بصورة أكثر دقة بين حيدر العبادي وبين حكومة إقليم كوردستان الى ادنى المستويات. وبدلا من البحث عن مسارات معقولة ومقبولة لحلول ممكنة ترضى بها جميع الأطراف، تحول الكثيرون في بغداد إلى أجزاء من المشكلات، فحاولوا تعقيدها وتأزميها وتأجيجها وتركها مأزومة ومتدهورة.
الذين أخطأوا التقدير في مسألة تطبيق الدستور بإنتقائية، أخطأوا أيضاً بشعورهم بالقوة وبالإستفادة من الموقف الأمريكي الفاتر من الإستفتاء، وأخطأؤا مرة أخرى في ما يتعلق بإستغلال الخلافات بين الأحزاب الكوردستانية، إنطلاقا من إعتقادهم بأن تلك الخلافات تقوي مواقفهم المحلية والإقليمية والدولية وموقعهم في السلطة.
وفي أكتوبر الذي تلى الإستفتاء، وعبر الإصرار على محاولة تفجير الأوضاع، تزايد إهتمام حكومة العبادي بدعم وإسناد المكروهين من الكورد، وكذلك المعادين للكورد ووجودهم بشكل عام، وتواجدهم بشكل خاص في المناطق القابلة للاشتعال، كالمناطق التي تقع خارج إدارة حكومة الاقليم.
هؤلاء لم يتعلموا من دروس التاريخ، ولم يكتفوا بخرق الدستور وجلب المتاعب والشكوك، وبعد أن شعروا أن في إمكانهم الاستغناء عن الكورد. نفذوا عمليات عسكرية عدوانية ضد الكورد الآمنين، وشجعوا عمليات القتل والخطف والسلب والنهب والحرق والهدم والإبتزاز في كركوك وطوزخورماتو، بل زادوا من جرعة قطع الثقة مع الكورد من خلال إعادة الوافدين العرب الى كركوك وضواحيها لتكملة التعريب الشؤم الذي مارسه صدام وحزب البعث في تلك المناطق. تلك العمليات المشينة فضحت خلو سلوكهم من أية رغبة في التعايش والتآخي والمساهمة في بناء الديمقراطية والدولة الفدرالية.
ضيع العبادي البوصلة وقاده عماه العقائدي ورؤيته القاصرة إلى موقع لا يقره المنطق الواقعي، وأصيب بلوثة الغرور والتعصب والنزعة الاستعلائية وعقدة التفوق التي لا تفرق بين الخير والشر، ولم ينتبه إلى خطورة النتائج التي يمكن أن يدفع ثمنها الشعب العراقي من جراء الاستمرار في نهج العدوان.
وبدأ الموهومون والشاعرين بعقد النقص، وبتشجيع ومباركة قوى خارجية، محاولة البحث، بمختلف السبل والأساليب، عن بديل للرئيس مسعود بارزاني، وإخراج حزبه من الساحة السياسية أو إضعافه قدر الإمكان. وأخذ البعض يطبل ويزمر ويدعي بوجود الآلاف من البدائل للبارزاني.
أما المراقبون السياسيون فقد إعتبروا من يدعو إلى محاولة البحث عن بديل للبارزاني واحدا من أثنين، إما أحمق ساذج لا يفهم شيئا في السياسة، أو لئيم خبيث محتال يسعى إلى توريط الجميع بمشكلات لن تجر عليهم إلا الخيبة والإحباط.
في المقابل صمد الكوردستانيون الذين قالوا كلمتهم من خلال الاستفتاء، وصبر رئيسهم مسعود بارزاني المستند على قوة الشعب الكوردستاني، ولم يختاروا العزلة أسلوبا لمعاقبة بغداد، بل عملوا على رفع ألغام الفتنة التي زرعها الشوفينيين.
وعلى أرض الواقع تبين أن البديل للبارزاني هو البارزاني فقط وأن الرئيس بارزاني هو المرجع الواقعي والمقبول سياسياً وشعبياً في كوردستان، وهذ االقبول السياسي والشعبي جعله مقبولاً عراقياً وإقليمياً ودولياً. وظل الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الساحة بقوة وصلابة. وفي عمليتين إنتخابيتين متتاليتين إحتل حزب البارزاني الموقع الأول بين الأحزاب الكوردستانية والعراقية. وتوصل الجميع الى يقين مطلق بأن الرئيس بارزاني هو المرجع القوي والوحيد في كوردستان .
وخلال الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة في بغداد كان مقر البارزاني قبلة للكتل والشخصيات السياسية والوفود الإقليمية والدولية، وبحثوا معه القضايا والملفات الشائكة، وتمحورت تساؤلاتهم الكثيرة والعميقة حول مدى إمكانية الشروع بعهد جديد من العلاقات بين بغداد وأربيل. وتعاملوا معه، ونظروا له ليس كرئيس لحزب عريق كبير، بل كمرجع كاريزمي غير تقليدي لشعب له أهداف إستراتيجية.
وبما أن البارزاني الخالد لم يسد باب الحوار في كل الظروف. وإستناداً الى التاريخ الكوردستاني الذي يتسم بالانفتاح على الآخر والتحاور معه بحثاً عن الأمن والإستقرار والسلم والأحسن والأفضل، وفي خطوة دبلوماسية عقلانية هادئة، زار الرئيس بارزاني، بغداد والنجف منطلقاً من الادراك الواسع بان الفترتين الحالية والمقبلة حساستين وخطرتين تفرضان الحوار والتباحث والتفاهم والتأكيد على مرجعية الدستور في حلّ المشكلات والمفارقات والتقاطعات.