تناول سماحة السيد احمد الصافي في خطبة الجمعة بكربلاء المقدسة أمس ( 16/ 1/ 2015 ) موضوع الموازنة الاتحادية وما يكتنف إعدادها بشكلها الحالي من تفاصيل وثغرات وأهداف , مشيرا الى الحل الأساسي الذي يمكن ولوجه لمعالجة مشكلة العراق الاقتصادية يجب ان يكون من خلال تشجيع الانتاج المحلي وتفعيل المؤسسات الإنتاجية في العراق , من منشآت الصناعة والزراعة والخدمات الحكومية والأهلية المعطلة والمتوقفة عن العمل ، هذا التفعيل الذي من شأنه رفع الضائقة المالية عن البلد وتوفير فرص العمل للعاطلين , ويزيد من قيمة الدخل الاجمالي للعراقيين ويحافظ على رصيد البلد من العملات الأجنبية التي أخذت تتناقص بسبب انخفاض اسعار النفط وهدر الاموال بالاستيراد وبما يعزز الأمن الوطني .
لقد طالب بعض السياسيين بتشجيع ودعم الانتاج المحلي طيلة السنوات العشر الماضية , ولكنها كانت مجرد أقوال وكلام وأحاديث لم تجد تطبيقا على ارض الواقع ، وبَقى العراق يستورد كل شيء والإنتاج المحلي يتدهور يوما بعد آخر ، ومن هنا نستطيع فهم دعوة المرجعية الدينية العليا بضرورة إيقاف مسلسل الإغراق الاستيرادي والتحول الحقيقي نحو سياسة دعم الانتاج المحلي , وبالتأكيد فان هناك الكثير من الجهات المؤيدة لتوجيهات المرجعية الدينية بهذا الخصوص , وفي مقدمتهم العاطلون عن العمل والمنتجون في المجالات الزراعية والصناعية والخدمية ومسؤولي وموظفي المنشآت الإنتاجية الحكومية والمختلطة , والمخلصون لهذا البلد من مسؤولين وسياسيين ومختصين ومواطنين عاديين ، وهؤلاء يشكلون كتلة بشرية كبيرة جدا .
اما الكتلة التي تقف ضد سياسة دعم الانتاج المحلي , فتضم كل المنتفعين من الجهات الخارجية والداخلية التي تريد إلحاق الضرر بهذا البلد , ومنهم الفاسدون والذين يستغلون الاستيراد لتهريب الأموال ومهربوا العملات الصعبة وأصحاب المصالح الخارجية , فضلا عن الدول التي تصدر السلع للعراق فقد وجدت بلدنا أسواقا واعدة لها , مما ادى الى توفير ملايين الوظائف لمواطنيها وعززت موازين مدفوعاتها وطورت اقتصادياتها ب (رؤوس ) العراقيين , فضلا عن بعض المؤسسات الإعلامية التي تمول او تدعم من هذه الجهات والتي تناولت خطبة السيد الصافي من دون التركيز على دعوته لتشجيع الانتاج المحلي .
وبالمقارنة بين الكتلتين ، فان الكتلة الثانية المضادة للإنتاج المحلي , هي المستفيدة من ضعف الانتاج المحلي فهي غالبا ما تكون لها مساعي للتأثير على اصحاب القرار الفعلي في العراق ، وان الكتلة الاولى التي تضم الملايين من العاطلين عن العمل والفلاحين والصناعيين وموظفي المنشآت الحكومية الإنتاجية , لا تستطيع لوحدها تغيير هذا الوضع وليس لديها القدرة على مواجهة مصيرها المظلم بسبب ضعف امكاناتها امام خصمها الذي يملك السطوة والمال والإعلان وقلة الضمير ، ولكن هل حان الوقت لتغيير موازين القوى بين الكتلتين ؟ , سيما وان المرجعية العليا قالت كلمتها ووضعت اليد على الجرح , ويفترض ان يكون دخول المرجعية عاملا لتسريع تغيير المعادلة لصالح الانتاج المحلي .
فالمرجعية لا تستطيع الوقوف متفرجة على تدمير الاقتصاد العراقي وقطع أرزاق الملايين ورهن مصير العراق بيد الدول المصدرة ، وهي قادرة على إيقاف الجهات المضادة لمستقبل العراق عند حدها , حتى لو اضطرت لتحريم استخدام السلع المستورة التي تنتج محليا كما عملته سابقا بالنسبة للتنباك ( او كما عمله غاندي تجاه الصناعة البريطانية ) ، نأمل من الحكومة ان تستجيب لدعوة المرجعية وان تعمل على تشجيع الانتاج المحلي العراقي ، وان العمل بهذا التوجه الوطني والشرعي يستدعي الاعتماد على الكفاءات الوطنية المختصة في وضع الاهداف ومسارات التطبيق , صحيح ان هذا العمل صعب ويحتاج الى قرارات شجاعة , ولكن هذه الصعوبات تستحق التضحيات امام مستقبل العراق والاستجابة لدعوات المرجعية التي تعكس تطلعات الشعب العراقي وآماله بالعيش الكريم والتمتع بما انعم الله علينا من خيرات.