كان موقف المرجعية الرشيدة، في إعلانها ضد الفساد والمفسدين، هو إعلان التغيير الجذري والإصلاح، وتصحيح الانحراف الذي حدث في العملية السياسية، التي انحرفت بفساد الحاكم وحاشيته. باتخاذ خطوات عملية جادة، في جميع السياسات المتبعة، التي نهجتها الحكومات في السنوات الماضية؛ والتي تسببت في انزلاق العراق، والعملية السياسية الى هذا المنزلق الخطير، برميها رؤية المرجعية وتوجهاتها السديدة، خلف ظهرها وتجاهل الجماهير.
لابد من ترك العمل بالمحاصة الطائفية والحزبية، في تولي المسؤولين للمناصب، إن موقف المرجعية ضد الفساد والمفسدين، كان دائما باتخاذ المواقف والتوجيهات المناسبة في وقتها المناسب. فبعد الموقف الذي تبنته في الانتخابات بالتغيير حينها؛ اليوم وجدت توجه الشارع والجماهير، مناسبا وعلى استعداد للقيام للإصلاح والتغيير.
فكان ذلك على لسان ممثلها في كربلاء المقدسة, السيد احمد الصافي يوم الجمعة، 7/8/2015 المتزامن مع الحراك الشعبي، الذي تشهده المحافظات. لتطالب بالإصلاح والتغيير، ولتحاسب جميع المفسدين، مهما كان انتمائهم الطائفي أو الحزبي، إن ما يدل ذلك على عدم رضا المرجعية والجماهير. بعد التردي الحاصل في جميع المجالات، الخدمية والبني التحتية والفساد المالي والإداري، في جميع المفاصل والمؤسسات، الذي جعل الناس يسمون السياسي والمسئول الفاسدين، بداعش السياسي الفاسد.
كان كل ذلك واضح في السنوات، من عام 2003 والى 2014 فقد صُرفت أكثر من 600 مليار دولار، مع نسب انجاز 5% في كل المجالات، ففي عام 2014 سرقت200 تريليون دينار عراقي على مشاريع، لا تغني ولا تسمن من جوع، الأمر الذي يعكس ويؤكد حجم إمبراطوريات الفساد. ولم نسمع أن احد حوكم أو تم القبض عليه، بتهمة الفساد وان دخل السجن، خرج بكفالة، أو خرج لأنه يحمل جنسية مزدوجة، أو تم تهريبه من المطار.
كل شيء خراب وفساد وتردي، لم يسلم أي ملف لا الملف الأمني أو العسكري، فقد احُتلت ثلث مساحة العراق، والمسؤول الأمني هو نفسه. فلا ملف صحي ولا خدمي، ولا تربوي ولا اجتماعي ولا تعليمي؛ شيء واحد هو عامر وجيد ومصان ولا يعاني من شيء، ألا وهو جيب المسؤول الحكومي، أو البرلماني أو الوزير أو المدير العام، أو من هم بمنصبهم. فقد كان المسؤول هو الشخص الوحيد، الذي ينعم بالخير والكهرباء والماء ورواتب ضخمة، تقدر بعشرات الملايين من الدنانير، والمواطن يتقاضى راتب 300 أو 400 دينار، مع سفر الى الخارج له ولعائلته تتمتع في أوربا أو لبنان وغيرها.
أما المواطن يعاني لهيب حر الصيف، الذي وصلة درجته لأكثر من 50 درجة مئوية، والمسؤول الفاسد لا يكترث وغير معني.
الى أن ثار الشارع، وكانت المرجعية توجه، بما تملك من قوة وحكمة وتسديد.
فكانت استجابة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، سريعة لتوجيهات المرجعية ومطالب الجماهير؛ فاصدر حزمة إصلاحات في يوم 9/ 8/ 2015 ليتم المصادقة عليها في نفس اليوم.
التي كانت تضم فتح ملفات الفساد، في الحكومات السابقة والحالية، وإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء التي كانت لإرضاء الأحزاب، متجاهلتا مطالب المرجعية في وقتها بالترشيق. مع إلغاء المخصصات الاستثنائية لكل الرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة، مع أبعاد المناصب من درجة مدير عام، الى وكيل وزير من المحاصصة الحزبية والطائفية. مع ترشيق الوزارات والهيئات الحكومية، مع تقليص حمايات المسئولين في الحكومتين الاتحادية والمحلية. تمت بعد ذلك التصويت في البرلمان بالإجماع، حيث لم يحصل أجماع على التصويت على مثل هذه المطالب؛ بعد أن أضاف البرلمان حزمة من الإصلاحات الأخرى.
يعكس ذلك توجيه المرجعية وضغط الجماهير الغاضبة المتظاهرة.
لم يعد التسويف والكذب والتحايل ينفع، لان المرجعية أعلنت موقفها الإصلاحي، الذي سيكون له آثار وتبعات، كما سيكون لها موقف، من كل من يحاول أن يلتف على توجهاتها، أو يعيق عملية تصحيح مسار العملية السياسية، التي أعلنتها المرجعية.
لقد وعينا وعرفنا في السنوات الماضية، كل من يتبجح بالأعلام ويظهر موقفا، ويضمر آخر ويعمل على غيره.
إن الجماهير والمتظاهرين، كل يوم تزداد معرفة ووعي، وهي على إصرار في المضي لتحقيق كل توجيهات المرجعية، وإقصاء المفسدين والمنتفعين، الذين سرقوا خيرات العراق، كما سيتم القصاص منهم.