23 ديسمبر، 2024 9:48 ص

المرجعية (العليا) وضبابية مواقفها

المرجعية (العليا) وضبابية مواقفها

يحاول بعضهم ان ينمق صورة المرجعية (العليا) امام كثير ممن اتضحت لهم صورتها الحقيقية، وكما هو معتاد فان هؤلاء هم اما من المنتفعين منها فهي تغدق عليهم الاموال الطائلة على الرغم من التخمة التي اصابتهم، او ممن يبحث عن الوجاهة الاجتماعية بين الناس، وبحثه هذا اصم اذانه وعمى عينيه عن رؤية الحقيقة مهما كانت جلية، او ممن يعملون تحت لواء اجندات خارجية هدفها اسقاط القيادات الدينية الحقيقية، او (مقاولين) واصحاب شركات يعملون تحت عباءة المرجعية (العليا)، فالعتبة العباسية والحسينية والشركات العاملة معها تكسب منها ملايين الدولارات التي يكون عادة مصيرها جيوب العاهرات والزانيات، واصحاب الملاهي وحانات الخمور، في داخل او خارج العراق، فكثير ممن لا يؤمن بدين او شريعة وهو معروف بفسقه يدافع عن المرجعية (العليا) والسبب هو الانتفاع المادي الذي يكمن خلف هذه المرجعية (العليا). ان المجتمع العراقي بدأ يفهم اللعبة وكيف تدار الامور، وهو لم يعد ذاك المجتمع البسيط الساذج لتنطلي عليه الاعيب المتزلفين والمنتفعين، وكما باتت واضحة لمن يريد ان يضع يده على الكنوز، والطريقة سهلة جدا، ما عليه الا ان ينسق اموره مع احد المقربين من المرجعية (العليا) وبأشكال شتى، تارة بجلب بعض الحسناوات لاغراض التمتع ظاهرا، او بجعل حصة مقطوعة له لا يمسها شيء او غير ذلك. وللاسف اصبحت اموال اضرحة الائمة وغيرها من المشاريع التي يدعى انها خيرية نهبا بين البعض، ولعل هناك صورة ابشع اذا ما انعمنا النظر ودققنا فاننا سنجد ان هذه الاموال تصل الى ايدي اجنبية تستخدم في قتل المسلمين.

قد صور بعضهم ان (سكوت وصمت وعدم تدخل المرجعية (العليا)) حكمة تضاهي حكمة الائمة المعصومين (ع) وبني على هذه المغالطة التي عدت اساسا لاقناع بعض السذج ان هذه الطريقة مستوحاة من الائمة (ع)! والحقيقة ان هذا السكوت اساسه الجهل بما يحيط بها من احداث وعدم وجود القدرة الكافية على مجاراة الامور والاحداث، فالشخص الذي يعيش في بلد خمسين عاما تقريبا ولا يتمكن من ضبط لهجة البلد الذي يعيش فيه فهل هذا يدل تفاعل معه، وثم من قال ان الائمة (ع) سكتوا عن ظلم او افساد كان يمارسه الحكام من امويين وعباسيين؟ على الرغم من حجم الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له. فهذه مئات الروايات وعن جميع الائمة (ع) تشير الى خلاف ما تتبناه المرجعية (العليا)، فهل ان المتملقين من اتباعها بدأوا يفصلون سيرة اهل البيت على مقياس مرجعيتهم؟ ام ان المفروض ان طريقتها تعرض على سيرة المعصومين وان لم توافق يضرب بها عرض الجدار مهما كانت لحيته طويلة، ومهما كان لون عمامته، فالارتباط الحقيقي بهم (ع) لا بغيرهم ممن صنعت له هالة قدسية مزيفة.

ومن الواضح ان حتى الذين نصبوا انفسهم لفلسفة اخطاء المرجعية (العليا) وتبريرها امام البسطاء والسذج هم بعيدون كل البعد عن سيرة المعصومين (ع) والقران الكريم، لانهم لم يتمكنوا من جعل مواقف مرجعيتهم العليا في خانة أي موقف من مواقف المعصومين (ع) مع الاخذ بنظر الاعتبار تغير الظروف والمعطيات التي مر بها الائمة (ع) والتي مرت بها المرجعية (العليا). وقد اكتفوا بمحاولات النفخ والتهويل ولا يعلم الجميع على ماذا وما هي المواقف التي تستحق كل هذا النفخ . فمثلا يقولون زاره الاخضر الابراهيمي وخرج ازرق مبهور بهذه المرجعية، ولم يقولوا او يخترعوا لنا موقفا او كلمة ابهرت الاخضر، او التقى به ممثل الامم المتحدة وخرج مبهورا، وكالعادة لا نعلم ما هو سبب الانبهار، ويعلم كل من زار المرجعية (العليا) انه بسيط يحاول ان يذكر عناوين كبيرة، كاليابان وهناك في اليابان.. وهي معلومات منقوصة تحتاج لادلة المختصين، يحاول بذلك اقناع المقابل انه يعرف شيئا عن بعض الامور، ولم يتمكن احد من الابواق المهولة لشخصيته اعطاء المجتمع قضية واحدة فيها رأي مختلف يشم منه رائحة الابداع، الا اللهم ما ذكروه من رده لوكالة ناسا التي جائته مستشيرة اياه عندما ضاع منها احد الاقمار الصناعية، وهي من القضايا التافهة جدا والساذجة.

ثم ان هؤلاء يحاولون اقناع الناس بان هذه المرجعية (العليا) ليس عليها شائبة ولم يجد احد عليها مغمز فراح البعض ينتقص منها بدواعي السكوت وغيرها. والحقيقة لا وجود للشك في المرجعية (العليا) بل انتقل الامر لما نسبته اكثر من الشك، فلم يثبت نسبه الى الان على الرغم من المحاولات البائسة التي يقوم بها المتزلفون لها، فلم يثبت نسبه امام النقد، وكما يعلم الجميع ان الاصل في الانسان هو العامية حتى يثبت انتسابه لال محمد (ع)، ولو كان هناك احتمال بعدم انتسابه للنسب الشريف لبطل انتسابه اليه، وهذا الامر يترتب عليه اثار فقهية كثيرة، منها انه يأكل اموال ليس من حقه، فضلا عن تبعات اخرى. اما تاريخه المجهول فحدث ولا حرج، واما الشهادات التي منحت اليه بالاجتهاد فمعظمها مشكوك بصحتها… فكيف يمكن القول بعدم وجود شائبة او مغمز بهذه المرجعية (العليا)؟؟

ومن اكثر المواقف ضبابية عند هذه المرجعية هو موقفها من انتخاب التوجهات السياسية الحالية وما هو موقف المجتمع في الانتخابات المقبلة، فهي تعلن انها على مسافة واحد من الجميع، ولم تدعم توجه او شخصية على حساب توجهات وشخصيات اخرى، ومن جهة اخرى توصل الى الناس عن طريق معتمديها عدم انتخاب من جرب مسبقا، وهذه الحكومة فاسدة، وهذا يشير وبوضوح الى ترجيح كفة المجلس الاعلى وعمار الحكيم، وتارة يخرج علي بن بشير الباكستاني والسيد احمد الاشكوري ويستقلون سيارات العتبة العلوية ويجوبون بها محافظات الجنوب ويدفعون باتجاه معين، وهي رسالة واضحة انه امضاء من المرجعية (العليا). ومن جهة اخرى يكون اعمدة المرجعية (العليا) كحسين الشهرستاني ومحمد مهدي الناصري وصفاء الدين الصافي وغيرهم مع المالكي، وهذا يشير الى ان المرجعية (العليا) داعمة للمالكي، وفي الوقت نفسه فان حوائج المرجعية (العليا) يقضيها المالكي بمجرد مكالمة هاتفية واحدة من محمد رضا السيستاني. فالمجتمع المرجعي والذي ابتلي باتباع مرجعية (عليا) الى اين سيتجه ومع من سيكون؟ فلم هذه الضبابية في الموقف ؟ وما هو المغزى منه؟

وهذا ليس غريبا منها وهذه ليست المرة الاولى فكل مواقفها مبنية على الضبابية ولم يكن هناك موقفا واضحا، وحتى اتباعها لم يتمكنوا من حل لغز هذه الضبابية، واكتفوا بركوب بعض امواج الانتصارات التي حققها غيرهم، فمثلا يقولون ان هذه المرجعية (العليا) هي من تدخلت لالغاء قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية وجعلته غير ملزم للجمعية الوطنية، ويستدلون بذلك على استفتاء صدر عن مكتبه وبختم مكتبه. (انظر الرحلة العلاجية، ص 75). فنقول اين كانت هذه المرجعية (العليا) عندما اراد البريطانيون ان ينصبوا حاكما دنماركيا على البصرة، فهل هي التي اخرجت المظاهرات؟ هل هي التي ارغمت البريطانيين على تغيير مجريات الامور؟ اين كانت تغط هذه المرجعية (العليا) عن مجريات الامور في عنق العراق البصرة.

ومن اغرب ما قرأت ما جاء في كتاب الرحلة العلاجية، الذي صدر محاولة لاسكات الناس وغض النظر عن الخطأ الفادح الذي ارتكبته هذه المرجعية بذهابها الى بريطانيا بداعي العلاج وهي من اهم القوى التي احتلت العراق دون مراعات لمشاعر العراقيين وعندما ضج المجتمع العراقي حاولوا ان يصلحوا الخطأ بخطأ اكبر، عندما حشدوا الناس لاستقبال السيد السيستاني للهروب والتغطية على ذهابه لبريطانيا وهي العدو اللدود وهو يمثل مرجع من مراجع الشيعة، ونتيجة هذا الاستقبال ذهبت ضحايا من العراقيين وقتلوا بدم بارد قربانا للمرجعية (العليا) ومن الواضح ان هذه الجريمة وقعت لاشغال الناس عن الخطأ الكبير الذي ارتكبه السيستاني بذهابه الى بريطانيا. يقول حامد الخفاف محاولا تبرير ضبابية السيستاني:

(ان سماحة السيد يعتقد ان كثرة البيانات الصادرة سوف يفقدها قيمتها، وان على المرجعية ان تتكلم بما يجب ان تعمل على تنفيذه عمليا، والا ما فائدة عشرات بيانات الادانة والاستنكار ان لم تستطع ان تغير في الامر شيئا. واذا كان هذا الامر جائزا للاحزاب والمنظمات والحركات السياسية، فهو غير جائز للمرجعية). (الرحلة العلاجية ص 74)

وهذا طريق غريب، لوجود مواقف وبيانات تلقيها المرجعية الدينية لتوضح الطريق للناس والمؤمنين لان في كثير من الاحيان هناك دور يقوم به المجتمع او التوجهات السياسية او الكتل الاجتماعية او المنظمات المدنية، ما عليها الا ان تضع لهم الالية وليس عليها ان تباشر الامور بنفسها، فليس من الصحيح الاكتفاء بالقاء البيانات التي يجب على المرجعية العمل عليها بنفسها، ثم ان مواقف الشجب والاستنكار قد تسهم في ايضاح موقف المرجعية من بعض الحوادث للناس وللرأي العالمي، وهذا بحد ذاته مهمة ضخمة من مهام المرجعية الدينية، ثم ان هناك مواقف شجب واستنكار صدرت من هذه المرجعية (العليا) لم يترتب عليها أي اثر عند المقابل فلماذا صدرت اذا؟ ثم ان هذه البيانات ستكون شاهدا على كثير من الاحداث وستوضح راي المرجعية فيها للتاريخ وللاجيال اللاحقة، كما فعل اهل البيت في مواقف كثيرة. ومن الواضح انه محاولة للتبرير ليس الا، لكنه لم يكن موفقا فيه، بل زاد الطين بلة.

ثم يكمل ويقول: (ما اريد قوله، ان المرجعية الدينية العليا عندما تصدر بيانا.  يفترض انها تمتلك مشروعا لتنفيذ ما صدر عنها ، ولذلك يلاحظ انه في ازمة النجف الاولى لم تصدر المرجعية بيانا، وبقيت صامتة رغم انتقاد المنتقدين، وفسحت المجال للاحزاب والفعاليات السياسية والاجتماعية لتمارس دورها الطبيعي في حل الازمة، لانها لا تريد ان تأخذ دورهم ولكن عندما فشل الجميع تدخلت لحل الازمة عمليا ونجحت في ذلك). المصدر نفسه ص 76.

وفي هذا المقطع لا يمكن فهم المطلوب هل انها كانت تملك الحل وبقيت صامتة؟ ام انها بقيت تنتظر الحل من السياسيين وهو اختبار لقواهم؟ ام انها لم يكن لديها مشروع فلم تصدر بيانا ومن ثم وجد لديها المشروع فأصدرت بيانا؟ وهل ان الحلول مرتبطة ارتباطا عقليا ولا يمكن ان تنفك عن البيانات؟

ثم يكمل قائلا: (في ازمة النجف الثانية، عندما توفرت للمرجعية العليا الفرصة نزلت على الارض رغم المخاطر والام المرض وحلت المشكلة.

في ازمة مدينة الصدر لم تصدر المرجعية بيانا حسب منهجها ولم تتدخل لان اليات الحل لم تكن متوفرة). نفس المصدر والصفحة.

فكيف نفهم وجود او عدم وجود الية للحل؟ ومن هو المسؤول عن ايجاد اليات الحلول ؟ واذا القيادة الدينية تبحث عن حل مشاكل لا بد ان تكون كل اليات الحل متوفرة اذا من الذي يكون مسؤولا عن حل المعضلات والمشاكل الكبيرة؟ اليس من دور القيادة الدينية هو ايجاد الحلول والياته، الذي هو من صميم وظيفتها؟ ثم كيف لها ان تعلم بوجود الية للحل من عدمه اذا لم تقم الحجة وتبين الحلول التي تلوح بالافق حتى تتمكن من معرفة عدم استجابة الاطراف المتنازعة؟ وكذلك فان من دور المرجعية ان توضح أي الاطراف المتنازعة على خطأ حتى يتضح الامر للمجتمع وفي الوقت نفسه للجهات نفسها علها تتراجع عن مواقفها، اما الاكتفاء بالسكوت بدواعي عدم وجود اليات للحلول فهذا الامر يدعوا الى النظر والتأمل في هذه الطريقة المبتكرة.

وهناك عشرات المواقف التي تشير الى الضبابية وعدم وضوح الرؤية واعتقد انه اسلوب مقصود للهروب من الوقوع في الخطأ او هو مراوغة …