عندما أُطلِقَت فتوى الجهاد الكفائي صفَّق لها الجميع إلا من رحم الرب، ولم يُدرك المجتمع الدولي خطورتها وتداعياتها، كونها لم تكن مُشَخِّصة حسب وصف المرجع الصرخي لها منذ انطلاقها حيث قال: (…الفتوى ولدت ميتة لأنها لم تصدر من الفكر والمنهج والسلوك المناسب ، ولم تصدر في الوقت المناسب ، ولم تصدر في الحدث المناسب ، ولم تكن مُشَخِّصة للتشخيص المناسب…)، وفعلا بعد برهة من الزمن بدأت تطفو على السطح النتائج الكارثية لتلك الفتوى، ومن أخطرها هيمنة الحشد وجرائمه ومجازره، والتي لا يستطيع أن ينكرها احد، بما فيهم صاحب الفتوى، حتى أن منظمة الأمم المتحدة صنَّفت تلك الجرائم بأنها جرائم إبادة جماعية،
وبالرغم من تميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود، إلا أن المجتمع الدولي الناقم والرافض للحشد لازال يعيش في غيبوبة عن تشخيص الداء، وتحديد الدواء، كونه وغيره يركزون على النتائج بعيداً عن الأسباب، بل أنهم لازالوا يدورون في فلك تلك الأسباب ويدعمونها ماديا ومعنويا، وهذا ما يفسر عِلَّة استمرار مسلسل النتائج المهلكة المتمثلة بالحشد وجرائمه، والتي كان آخرها ما ارتكبه في المقدادية، لأن المشكلة لم تشخص ولم تعالج، فالحشد لازالت أسباب وجوده ودعمه مستمرة سواء كان الدعم المعنوي أو الروحي المتمثل بفتوى التحشيد، أو الدعم القانوني باعتباره مؤسسة تابعة للحكومة، أو الدعم المادي بكل أشكاله، وحتى ما يصل من دعم دولي للعراق على المستوي الإعلامي أو المالي أو العسكري يذهب جُلَّه (إن لم يكن كله) إلى الحشد ، لأنه وكما أسلفنا أن الحشد بات القوة المسيطرة على مقدرات العراق، ولا سلطة لأحد عليه،
ومن هنا وقع المجتمع الدولي في تناقض فمن جهة انه يُدين جرائم الحشد ويصنفها بأنها جرائم إبادة جماعية، ويرفض مشاركته في العمليات العسكرية لتحرير المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، وفي نفس الوقت يدعم مَنْ يدعم الحشد، فاختزل ويختزل مصير العراق بشخص مؤسس الحشد وزعيمه الروحي، ويدعم الحكومة التي وفرت الغطاء القانوني لجرائم الحشد والخاضعة لسطوته، ولا يتخذ أي إجراءات من شانها أن تشكل عوامل ضغط على داعمي الحشد ومؤسسيه وحاضنيه،
لقد وضع المرجع العربي الصرخي المجتمع الدولي والمنظمات والجهات الناقمة على الحشد وضعه على المحك وكشف عن ازدواجيته في التعاطي مع هذا السرطان الذي بات يهدد العراق وشعبه، طارحا في الوقت ذاته الرؤية الموضوعية والتشخيص السليم للمشكلة وعلاجها، حيث أوضح في الحوار الذي خصَّ به جريدة “العربي الجديد” أن المجموعة المسلحة والحشد، ((يُعتَبَر جزءاً من المنظومة العسكرية للدولة، وتابعاً لرئيس سلطتها المدعومة عربياً ودولياً بالمال والسلاح والإعلام، فلا يبقى لعموم الناس البسطاء خيار إلا الوقوع في التغرير فيقع القبيح والمحذور، ولكي يحصل العلاج الجذري التام لابد من التشخيص الصحيح والتعامل مع المشكلة من أصلها وأساسها وأسبابها)).
ولهذا يرى المرجع الصرخي انه لا يمكن الفصل بين “الحشد” والسلطة الحاكمة، ولا بينه وبين مؤسسه وزعيمه الروحي، لأن الفصل يعني غياب الرؤية المنطقية والتحليل الموضوعي والتشخيص السليم للمشكلة وبالتالي تعميقها وتكريسها، حيث قال: ((الحديث عن الحشد وما يصدر عنه، لابد أن يستندَ ويتأصّلَ من كون الحشد، جزءاً من المؤسسة العسكرية وتحت سلطة رئيس الحكومة وقائد قواتها المسلحة، وقد تشكّل بأمر وفتوى المرجع السيستاني، ولا يمكن الفصل بين الحشد والسلطة الحاكمة والمرجع وفتواه))، ومن هنا ينبغي على المجتمع الدولي إنْ كان جاداً في إيقاف جرائم الحشد، أن يعتمد المنهج العلمي الموضوعي في معالجة الداء وتشخيص الدواء والذي بات واضحا وجليا.