إن من أخطر التحديات التي واجهها الإسلام هو الطريقة الخاطئة التي يتم بها التعاطي مع الإرث الإسلامي الثقافي والمعرفي سواء على مستوى البحث والتنقيب والدراسة والتحليل أو على مستوى التطبيق , الأمر الذي انعكس سلباً على واقع الأمة الإسلامية، بل على عموم الإنسانية، ولعل سيرة الخلفاء الراشدين من أهم ركائز ذلك الإرث لأنها من روافد مصادر التشريع وتحديد الوظيفة العملية للإنسان تجاه ما يواجهه من وقائع وأحداث، وترسم له المنهج السليم الذي ينبغي أن يسير عليه في الحياة بكل جوانبها ومجالاتها على المستوى الفردي أو الجماعي، ومن هنا كانت دراستها وعملية البحث و التنقيب عنها في غاية الخطورة والأهمية، وهذا ما أكد عليه الشارع المقدس، ووضع الآلية الصحيحة في كيفية التعامل معها، إلا أنها لم تسلم من الدس والتحريف والوضع والتهميش والتعامل معها بطريقة ازدواجية او انتقائية خضعت لعوامل وتأثيرات الإصطفاف المذهبي والطائفي، بل حتى ما ثبت صدوره منها تم توظيفه وتسطيحه وتفسيره بالصورة التي تنسجم مع توجهات ومصالح السلاطين والأنظمة الحاكمة ووعاظها الانتهازيين، وهؤلاء هم الأشد خطراً على الإسلام والمسلمين، لأنهم يديرون لعبة مزدوجة بمعية الأنظمة الجائرة، لعبة الحفاظ على المناصب والمصالح المشتركة، فهم يصدرون الأفكار والفتاوى والروايات التي تحافظ على وجودهم ومكتسباتهم الشخصية، ليبقون على عرش سلطة “الكهنوت” المدعومة من تلك الأنظمة والتي من خلالها تصدر أفيونها الذي يخدر الشعوب، وسمومها التي تفتك بها. من هنا برزت وتبرز الحاجة الملحة والضرورية في اعتماد المنهج القرآني التحليلي الموضوعي الحيادي في التعاطي مع الإرث الإسلامي وخصوصاً فيما يتعلق بسيرة ومآثر الخلفاء الراشدين، بعيداً عن تأثيرات الشد والجذب الطائفي والنفعي والانفعالات النفسية والانشدادات العاطفية والانتماءات المذهبية والخوف من ردود الأفعال السلبية، وهذا ما سار عليه، وتمسك به، ودعا إليه مرارً وتكرارً المرجع الصرخي الحسني، الذي استطاع أن يحدث قفزة نوعية، وثورة علمية لم يسبق لها نظير في عملية البحث والتحليل والتحقيق، وغاص في أعماق التاريخ الإسلامي الملغوم بالمدسوس والموضوع والمكذوب من الروايات والأحداث، ليكشف الكثير من الحقائق التي تم تغييبها عن علم وعمد، ويزيل الغموض والملابسات عن الكثير من القضايا الجوهرية التي ابتليت بها أُمة الإسلام، وميز الغث من السمين متجاوزاً الخطوط الحمراء التي وضعها الانتهازيون الطائفيون التكفيريون، فراح يغوص في أعماق تأريخنا دراسة وتحليلاً وتقييماً لسيرة الخلفاء الراشدين ومواقفهم وأقوالهم وتراثهم ومآثرهم ويربطها بالواقع المعاش، فمثلاً حينما يقف على سيرة الخليفة الثانية عمر بن الخطاب “رض الله عنه” قارن المرجع الصرخي موقف الخليفة الثاني مع مواقف المسؤولين اليوم في البلاد
حيث قال: ((مَنّ مِن الزعماء منً من الرؤساء منً من السياسيين منً من البرلمانيين منً من المحققين من من القضاة منً من الضباط منً من المسؤولين انتهج وينتهج موقف ومواقف الخليفة الثاني “رضي الله عنه” من حيث الصراحة والجدية وعدم المحاباة على حساب الدين والأخلاق وحقوق الناس ؟ منّ حاسب المقصر ؟ منً حاسب السارق ؟ منً حاسب المجرم ؟ منً حاسب فاقد الأخلاق ؟ منً حاسب مشتت الناس ؟ ومفرق الناس ؟ ومقسم الناس ؟ وقاتل الناس؟ ومهدم بيوت الناس؟ ومهجر الناس ؟ وحارق البيوت ؟ والممثل بالجثث وقاتل الأبرياء ؟))، وعندما يمر على سيرة الإمام علي “عليه السلام” يطرح الصورة المثالية التي جسدها علي من خلال تعاطيه مع الخلفاء الراشدين وطبيعة العلاقة التي كانت تربطهم وروح التشاور السائدة بينهم من أجل الحفاظ على بيضة الاسلام، فالتاريخ ينقل لنا كيف ان الخليفة الثاني كان يستشير الإمام علي وفي الوقت ذاته كيف أن علياً كان يقدم المشورة والرأي للخلفاء وكان جندياً مغواراً في طليعة جيوش المسلمين الذين حققوا الفتوحات في زمن الخلافة الراشدة، فقد تحدث المرجع الصرخي عن طبيعة تلك العلاقة وماورد من قبل الخلفاء الراشدين بحق علي ، قائلا: ((من المقابل ورد المعنى : بأن أقضاكم علي ، وأعلمكم علي ، ولا أبقاني الله لقضية ليس لها أبو الحسن علي “سلام الله عليه” ، لاحظ كيف هي العلاقة بين الصحابة ، كيف هي العلاقة بين الأوائل، كيف هي العلاقة الاجتماعية فيما بينهما ، والذي لم يؤثر فيه الاختلاف الفكري العقائدي ما دام النظام العام والسياق العام والحياة الاجتماعية العامة تسير بالصورة الطبيعية على نحو النظام العام والسلوك العام….)).