سُمي الإنسان إنسانا من الأنس لأنه يأنس بغيره ويؤنسه، ولهذا يوصف بالمخلوق الاجتماعي، صاحب القلب الرحيم والرقيق، يمتلك من المشاعر والأحاسيس والعقل والوجدان ما لا يمتلكه غيره من المخلوقات، تضفي دلالة خاصة على الوجود البشري والتميّز على غيره، وتلك الميزات تشكل مجموعة قوى تمنحه القدرة على التحسس بالآخرين واحترام وتجسيد المُثل والقيم الإنسانية العليا المغروسة في فطرة الإنسان.ولما كان الإنسان بطبعه اجتماعيا يأنس بغيره فبالتأكيد أن لا يأنس إلا بما يحب وما من شانه أن يبعث فيه الأنس والراحة، لأنه ليس من الفطرة والمنطق أن يأنس الإنسان بما لا ينسجم مع فطرته السليمة، وبمعني آخر انه لا معنى للأنس مع الألم والمعاناة والعذاب، ولهذا نجد أن الإنسان الإنساني يتحسس بمعاناة الآخرين ويسعى جاهدا لرفعها عنهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها…، هكذا هي الفطرة السليمة، وهكذا يجب أن يكون عليه الإنسان الذي يشعر ويلتزم بإنسانيته وهذه في الحالات الاعتيادية… وتزداد تلك المشاعر وتكبر المسؤولية في الظروف الحرجة التي يمر بها الإنسان (فردا أو مجتمعات)،
وتتفاقم أيضا عندما يشغل الإنسان منصبا قياديا دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا أو غيره، لأن الفطرة والشرع والأخلاق وكل الأيديولوجيات تفرض عليه ذلك، ولكي يتوصل إلى الحلول والعلاجات الناجعة لابد له من قراءة الواقع وتشخيصه بصورة دقيقة وسليمة وموضوعية والنزول الميداني والتفاعل مع المجتمع، والتحسس بآلامه ومعاناته، والوقوف على توجهاته وطموحاته، ومعالجة مشاكله ووضع الحلول الناجعة، والصمود أمام التحديات ومواجهة وسائل الترهيب والترغيب، وكشف مخططات الأعداء ومن يرتبط بهم…من هنا كانت انطلاقة المرجع الإنساني العراقي العربي الصرخي في التعاطي مع قضايا الأمة ، بل مع الشعوب بكل انتماءاتها وتوجهاتها، لأنه آمن ويؤمن، وجسد ويجسد وثيقة التعايش السلمي بان: الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، وسيرته وخطاباته ومواقفه العملية تحكي عن فكره الوسطي المعتدل، وقلبه الذي يحتضن الجميع، وتفاعله مع الشعوب ومظلوميتها ومعاناتها ومشاركته لها جشوبة العيش ومكاره الدهر وويلات القمع والإقصاء والتهميش، ويحكي عن عينه التي تذرف دما على معاناة المجتمعات، وأذنه الذي تستمع للجميع، وتضحياته الجسيمة من اجل السلام والإنسانية، وتواضعه وبساطته فهو لم ينكفئ في القصور المشيدة والبروج العاجية ، بل كان حاضرا وبابه مفتوح للجميع…،
في حوار خاص مع وكالة أخبار العرب بتاريخ 13 / 1 / 2015 ، جدد المرجع الصرخي تمسكه بالمنهج الرسالي الإنساني التضحوي الذي آثر الشهادة على الحياة كمن يؤثر الخلود على الفناء من اجل أن تحيى وتتحرر الأوطان والشعوب المظلومة، لأنه يرى الشهادة في هذا الطريق خلودا في موت رائع، لذلك لم يتخلى عن حريته ولا عن وطنه ولا عن إنسانيته ولا عن قضايا الشعوب من اجل أمنه وسلامته، يرى الوطن في وجه كل مظلوم ومُهجَّر ومُشرَّد ومحروم على هذه المعمورة، عقيدته أن دماء التضحيات هي التي ترسم حدود الوطن ولوحات الحرية، وتصنع مشاعل التغيير والإصلاح، نذر نفسه شهاب يحترق لينير الدرب، وشمس تلتهب يمنح الضوء، فكان قدوة المضحين والمحترقين من اجل العراق والسلام والإنسانية، فكان مما جاء في الحوار ما نصه:((وأما رَفْعُ الظُلْمِ والحَيْفِ والقَهْرِ فإننا لا نَفتُرُ ولا نَكسَلُ عنه بل نبقى نُحاولُ ونعملُ ونُجهِدُ انفسَنا من أجلِ تحقيقِه، وليس الغرضُ منْهُ المصلحةَ الشخصية والفئوية بل من أجلِ كل العراقيين وكل المظلوميات وكل المظلومين، فمظلوميتُنا واحدة وقضيتُنا واحدةٌ ووطنُنا واحدٌ، فإننا شعبٌ واحدٌ، وسنبقى على العهد بعون الله تعالى وسنسعى إلى إرجاع كل الأمور الى ما كانت عليه قَبْلَ اَنْ تَدْخُلَ بيننا ضباعُ الليلِ وخفافيشُ الظلامِ وشياطينُ الاِنسِ وقوى الشرِّ والتسلُّطِ والفَسادِ والعملاءِ والسرّاق )).