22 نوفمبر، 2024 4:01 م
Search
Close this search box.

المرجعية الدينية ودورها الكبير في ثورة العشرين

المرجعية الدينية ودورها الكبير في ثورة العشرين

لم يستطع الاحتلال الإنكليزي للعراق في العام  1917 ، أي نهاية الحرب العالمية الأولى ، أن يفرق بين وحدة الشعب بطوائفه وقومياته ومكوناته وذلك لأسباب عدة أهمها وجود مرجعية دينية حكيمة رشيدة ، كانت وما زالت تمثل القدوة المثلى لالتفاف الناس حولها ، رغم محاولات البريطانيين في استخدام وسائل خبيثة عديدة ومنها الترغيب والترهيب. وكانت ثورة العشرين خير دليل على ذلك ، إنها أول ثورة وطنية وحدت الشعب العراقي وذلك بفضل مرجعيتنا الدينية الشريفة التي قدمت أروع المواقف والتضحيات قبل الثورة وخلالها وبعدها ،فعندما أفتى الميرزا محمد تقي الشيرازي وقد أيده بقية العلماء بوجوب الجهاد على المحتل هبّ الشعب بوجه المحتل ، وباعتراف -المس بيل-مستشارة المندوب البريطاني بيرسي كوكس في العشرينيات من القرن الماضي حيث ذكرت :(( رجال الدين من العلماء في النجف وبغداد وكربلاء والكاظمية وسامراء كان لهم اثر كبير على السكان لاسيما في المدن المقدسة … )) وتشير أحدى المجلات التي تصدر في النجف الاشرف (( لولا فتواهم لم تكن ثورة العشرين كونهم أصحاب كلمة مسموعة..)). ويصف الشيخ محمد حسن آل ياسين الثورة بأنها شقان فيقول (( أن الثورة ذات شقين شق سياسي متمثل في بغداد ويأخذ التوجيهات من بغداد والكاظمية وكربلاء والنجف وتطرح في جامع الحيدر خانه وذلك كان الهدف واحد من القضية ، ولقد أدت بغداد دور الواجهة السياسية ، بينما كان الفرات الأوسط يمثل الواجهة العسكرية)).
‘‘كان النجف الأشرف مركزاً للفقه والأصول ولبقية علوم الشريعة، حيث قاعدة العلماء والمجتهدين ومراجع الدين، كان له موقع للأدب العربي والشعر الأصيل وقد يترافق الأدب والشعر والفقه في العلماء والمراجع فنرى أمثال المجتهد الكبير السيد محمد سعيد الحبوبي، العالم والشاعر الكبير والثائر والقائد السياسي … كما رأينا في السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم الفقيه والمرجع والشاعر الرقيق.
أعلنت الثورة في مدينة النجف في يوم ١٧ تموز وعند إعلان الثورة وأصبحت مدينة النجف بعد إعلان الثورة تحكم نفسها بنفسها شأنها شأن جميع المدن العراقية التي أصبحت لا تخضع لسلطة الإدارة البريطانية المتواجدة في العراق حيث تقرر في النجف تشكيل مجلسين هما الجلس التشريعي ومجلس تنفيذي. وقد تمت مبايعة الشيخ فتح الله الأصفهاني لكي يكون المرجع الأعلى لدى الشيعة بعد وفاة الشيخ محمد تقي الشيرازي وانتهز الحاكم البريطاني على العراق آرنولد ويلسون هذه المناسبة وأرسل رسالة إلى الشيخ فتح الله الأصفهاني وذلك بعد انتقال المرجعية الدينية له في يوم 27 من آب يعرض فيها الصلح حيث أرسل الشيخ الأصفهاني رسالة إلى ويلسون يعلن فيها رفضه للصلح بعد مداولات مع المستشارين والحاشية .
* كتب السيد محمد صادق بحر العلوم  ‘‘ ضمن التحرك المنظم يبادر أعلام النجف إلى تشكيل حزب سياسي أطلق عليه ((الحزب النجفي السري )) حيث اتخذ اعضاؤه المؤمنون من غرفة معزولة في مدرسة الملا كاظم الخراساني في محلة الحويش في النجف الأشرف مقراً لهم.
وقد ضمَّ هذا الحزب الكثير من علماء الدين الكبار والشخصيات الاجتماعية المعروفة وزعماء العشائر، توزعوا على ست مجاميع حسب طبيعة العمل منهم: الشيخ عبد الكريم الجزائري، الشيخ محمد جواد الجزائري، الشيخ محمد باقر الشبيبي، الشيخ محمد رضا الشبيبي، السيد محمد سعيد كمال الدين، الشيخ حسين الحلي، الشيخ عبد الحسين مطر، السيد أحمد الصافي، الشيخ محمد علي القسام، الحاج محسن شلاش، السيد هادي زوين، السيد علوان الخرسان، محمد أبو شبع، السيد علوان الياسري، السيد كاظم العوادي، الحاج عبد الواحد سكر، الشيخ غثيث الحرجان، الشيخ شعلان أبو الجون.
وقد حظي هذا الحزب الذي يضم العلماء في النجف الأشرف ورؤساء العشائر والشخصيات الاجتماعية في النجف ومنطقة الفرات الأوسط بتأييد مراجع الدين حتى ان التنسيق كان قوياً حول ظروف الساحة وأساليب التحرك، ولاسيما مع الإمام محمد تقي الشيرازي الذي انتقل من سامراء إلى كربلاء في نهاية 1918م، آخذاً بنظر الاعتبار ضرورة الاقامة بالقرب من الفرات الأوسط. فقد وجد الإمام الشيرازي في هذا الحزب ذراعاً فاعلة تستطيع أن تدفع الامة بالاتجاه الذي تهدف له.
أما في كربلاء فإن وجود المرجع الشيعي الكبير الميرزا محمد تقي الشيرازي فيها كان له أهمية كبيرة لالتفاف الناس حول المرجعية والوقوف معا بوجه الإنكليز  ، وبعد معركة الرارنجية التي حدثت يوم ٢٥ تموز قررت كربلاء الانضمام إلى الثورة حيث اجتمع رؤساء البلدة بمعاون الحاكم السياسي محمد خان بهادر وطلبوا منه تسليم كل ما لديه من صلاحيات إلى هيئة وطنية ينتخبها رؤساء البلدة .
* أما في مدينة الكاظمية فقد أسس السيد أبو القاسم الكاشاني وبتوجيه من شيخ الشريعة الأصفهاني (الجمعية الإسلامية) التي كانت تحمل مبادئ ومضامين سياسية تقضي بتحسين الوضع القائم في العراق وبحثه (الأخير) على التوجه إلى الفرات الأوسط للمشاركة في الأوضاع التي يعيشها العراق هناك وان يكون مندوباً عن أهالي الكاظمية داخل القيادة المرجعية هناك. أما في بغداد فقد تأسس في نهاية شباط 1919 حزباً سرياً عرف باسم (حرس الاستقلال) ضم في عضويته السيد محمد الصدر والشيخ يوسف السويدي والشيخ محمد باقر الشبيبي وجعفر أبو ألتمن وعلي البازركاني وغيرهم كثير من الشخصيات الشيعية والسنية المنتمية له.
ويقول السيد باسم أحمد هاشم الغانمي أستاذ أكاديمي وباحث في التأريخ السياسي العراقي –
 ‘‘وتأكيداً للموقف الوطني واللمحة الوطنية السنية والشيعية كان جموع المواطنين تخرج بعد كل احتفالية يتقدمها السيد محمد الصدر أحد علماء الشيعة في الكاظمية والشيخ أحمد الرادوود أحد علماء السنة في بغداد ليرمزا إلى الوحدة الوطنية الصادقة.
وفي أحد المظاهرات انتخب الأهالي لجنة مندوبين تتألف من خمسة عشر عضواً بارزا من الأوساط السنية والشيعية ليمثلوا الشعب أمام إدارة الاحتلال، ومن خلال لجنة المندوبين هذه واصلت الحرية الوطنية في بغداد والكاظمية معارضتها للاحتلال، عن طريق أقامة المظاهرات واستخدام المناشير التي تدعوا إلى الاستقلال.‘‘
وباختصار مهم  ، ‘‘أدرك البريطانيون الدور الكبير الذي تلعبه الحوزة العلمية في تحريك الجماهير في مواجهة قوات الاحتلال، والانصياع المذهل الذي تبديه العشائر العراقية لعلمائها، وما تمثله هذه العشائر من ثقل بشري قادر على التأثير في مجرى الأحداث في العراق. وقد استوعب علماء الحوزة العلمية ومن خلفهم العراقيون – كما يقول السيد علي نجم الجنابي في إحدى مقالاته المنشورة_  أن مواجهة الاحتلال لابد أن يكون بموجب خطة منظمة للقيام بعمل ثوري يستهدف إخراج القوات البريطانية من العراق وإقامة حكومة عربية خاضعة لدستور تشريعي مقيد.وواصل علماء الحوزة دعوتهم للجهاد ضد البريطانيين، مستفيدين من مشاعر الرفض والتمرد التي نمت وتعمقت في نفوس العراقيين، لا سيما بعد أن أكمل البريطانيون سيطرتهم على كافة الأراضي العراقية نهاية الحرب العالمية الاولى بتوقيع هدنة (مودروس) عام 1918.
لقد كانت  العلاقة وثيقة وعميقة ومازالت بين الشعب في العراق والمرجعية ، وهي علاقة روحية تجمع بين الدين والعقل والعاطفة في آن معا ، وقد تجلت تلك العلاقة  بعد إعلان الملكية وقيام ثورة العشرين حيث تم نفي وترحيل العلماء الى إيران الذي كان لهم دور فاعل بثورة العشرين ، ‘‘وفي اليوم المحدد لرحيلهم ذهب الناس لوداعهم وكانت حالة الحزن والبكاء والتضرع بادية عليهم وهم يودعون العلماء.،،

أحدث المقالات