قراءة وتحليل لما يدور من جدل في شأن الشعائر الحسينية وموقف المرجعية الدينيا العليا منها
حكمة المرجعية تتطلب احيانا ان تقول قولتها في الوقت المناسب لانها تأخذ بنظر الاعتبار ردود الافعال فيما ينسجم والمستحدثات الشائعة والمدمن عليها وهذا نفس الشأن المرتبط بالعادات والتقاليد الراسخة والتي اعتاد على ممارستها العامة .
اهم مايوضح ذلك من الامثلة :-
اولا- مسألة التدخين : لم تحرم الفتاوي التاريخيه التدخين بشكل مباشر1 علما انه مثبت علميا تأثيره المباشر على الصحة وانه سبب مباشر في سرطان الرئة وغيرها من الامراض المرتبطة بذلك. ويأتي عدم التحريم بسبب اعتياد الناس وادمانهم عليه ويصعب التخلي مباشرة عنه ذلك بسبب ان الاثر السيء طويل الامد وغير بادي للعيان مباشرة.
ثانيا- ذكر احد المقربين الثقاة انه في ايران اول ايام انتصار الثورة الاسلامية لم تصدر فتوى مباشرة في تحريم الترياق وهو نوع من المخدرات على شكل الدخان او العلكة ذلك لاعتياد الناس عليه عقود ومئات السنين ولنفس السبب المذكور اعلاه فان اثاره السيئة لاتظهر مباشرة انما بعد حين2.
ثالثا- مايرتبط بالشعائر الحسينية ومايشوبها من شوائب وتهافت وبغض النظر عمن يتعمد ابتداعها عن سوء قصد او من يقيمها بحسن قصد ونية الا ان المعالجة والتهذيب يجب ان تعالج بحكمة وروية وبهدوء ذلك تحسبا لردود الافعال الغير حميدة من قبل الشارع والعوام من المقيمين لها. ولنفس الاسباب المذكورة في اولا وثانيا نجد ان الاثار السيئة من تهوين المذهب او اذية النفس غير ملموسة بشكل مباشر وممكن تسميتها ببعيدة او طويلة الامد . وايضا لانه يوجد الكثير من العوام من الناس ومن يغذي هذه الشعائر الدخيلة لاسباب سياسية خبيثة او بحسن نية قاصدة التبرك والتقرب والمواساة للامام الحسين ع ستجد ان التحريم او التوجيه بالتهذيب سيلاقي ردود افعال قوية جدا جدا من قبل المذكورين انفا. وهو ما حصل فعلا على مرور سنوات القرن المنصرم مثلا حيث ان مرجعيات بكاملها حوربت واسقطت بسبب تطرقها لتحريم التطبير مثلا …
اليوم المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف المتمثلة بالسيد السيستاني مثلا تحرج وتحاصر مابين المطرقة والسندان في هذا الشأن. حيث مايمثل المطرقة هو الحاح الخط الباحث لمواكبة التهذيب والناقد لهكذا ممارسات الممكن اعتبارها على انها (تهون المذهب) او (تؤدي الى الاضرار بالنفس) وخاصة ان هناك مرجعيات مماثلة تاريخيا او مجاورة جغرافيا قد اعلنت التشخيص المباشر لهذين الاعتبارين والذي ادى لصراع وممانعة وتسقيط لمن حرم الدخيل من الشعائر الذي مازال مستمرا . ومابين مايمثل السندان وهو الارضية غير المناسبة لمجموعة كبيرة من العوام مستندة الى خط او خطين من المرجعيات الساندة لاقامة وتشريع هذه الشوائب من الشعائر والتي استفادت من التطورات التكنولوجية الحديثة المتمثلة بالفضائيات ومواقع الانترنت وهو ما يمثل دعامة الاعلام ذات التأثير الهائل في التأثير على مجمل الرأي العام3 . اضف الى ذلك التغيير الحاصل بعد عام 2003 في العراق المتسم بردود الافعال العقائدية ذات القوة المعاكسة لما كان يمثل العامد على المنع والمضيق على الشعائر والحريات الدينية قبل 2003 وهو نظام صدام البعثي ولمدة تقارب ال35 سنة …
اما ماساهم على انتشار وتركيز هذه الظواهر والمسماة شعائر حسينية وعودتها بقوة وانخراط الجيل الجديد من الشباب فيها انها جاءت كرد فعل معاكس للهجمة الطائفية المقيتة من قبل حركات ومنظمات ارهابية ودول طائفية ضد الشيعة في العراق وان كان السبب السياسي او العسكري غير مباشر حيث صنف الشيعة في العراق انهم استلموا السلطة والحكم وانهم سمحوا للامريكان بأسقاط نظام صدام واحتلال العراق . وان كان ذلك غير واقعي الا انه اسهم بالتالي الى استهداف الشعائر بشكل عام وساهم في عملية استهداف وتسقيط ممنهجة لمذهب بكامله بلغت ذروتها في عام 2006 حيث تفجير ضريح الامامين العسكريين عليهما السلام في سامراء الذي يتعبر رمزا دينيا وجوهريا في المعتقد الجعفري الاثنى عشري (الشيعي) . اضافة لما هو موجود اصلا من احقاد طائفية شملت المنطقة الاقليمية المحيطة بالعراق بدءا من انتصار الثورة الاسلامية للشيعة في ايران عام 1979 الى استلام الشيعة الحكم في 2003 ثم حرب تموز في لبنان وانتصار حزب الله عام 2006 وكيف شخص خطر الهلال الشيعي الممتد من ايران الى
جنوب لبنان مرورا بوسط وجنوب العراق. ان هذا التشخيص الطائفي المقيت والذي اسهم في اشتعال واستعار المنطقة طائفيا اقليميا والمؤدي الى استهداف ممنهج ومنظم لطائفة بكاملها حتما سيولد ردة فعل قوية مقابلة في الاتجاه وهي من محاسنها انها لم تكن في نفس الاساليب القذرة المتمثلة بالتفجير بانواع مختلفة من ادوات التفجير والتنكيل الا انها جاءت بالتمسك القوي بكل ما يرتبط برمز المذهب الشيعي الا وهو الائمة ع وثورة كربلاء . لذلك اصبح كل ما يطرح باسم الامام الحسين ع سيكون محل جذب واقتناء وتبني وابراز . لذلك ظهرت شعائر دخيلة لازالت تنتقد ببطء وبهدوء خوفا وتجنبا من ردود افعال تسقط من ينتقدها ويهذبها …. وهذا مانراه اليوم ومانلمسه مما يعرف بصمت المرجعية وحذرها .
اما التطور الاخير والذي لمسناه مؤخرا عند توجيهات المرجعية الدينية الخاصة بزيارة الاربعين في معرض ردها على احد استفتاءات المرتبطة بالموضوع حيث قالت (بل ينبغي مراعاة أقصى المراتب الميسورة في كل ذلك تنزيهاً لهذه الشعيرة المقدّسة عن الشوائب غير اللائقة)4 . ومما يدل عليه انه هناك تحرك وبداية لاشارات مهمة وان كانت ضمنية وغير صريحة او معنونة للشوائب ولما يراد التنزيه منه الا انها خطوة مهمة وبالغة الاثر في ظل الظروف الراهنة والمار ذكرها في هذا المقال.