7 أبريل، 2024 2:59 م
Search
Close this search box.

المرجعية الدينية للشيعة مستقبلا

Facebook
Twitter
LinkedIn

المرجعية الدينية الإسلامية هي احدى ركائز الفكر الشيعي الرئيسة , ومحوره العام في زمان غَيْبَة القيادة المعصومة , ويكنُّ لها الشيعة احتراماً وافراً , ويضعونها في مقام سامٍ , باعتبارها حُجّة المعصوم عليهم كما جاء في وصيّته .

ومؤخراً قناة ( الحدث ) السعودية عرضت – في ظاهرة غريبة – تقريراً عن مستقبل المرجعية الدينية الإسلامية الشيعية في العراق في حال رحل السيد ( علي السيستاني ) , وعن الوجوه المرشحة لهذا المنصب الشريف , لا سيما بعد رحيل واحد من اهم المرشحين لمنصب المرجعية الدينية في نظر القناة وهو السيد ( محمد سعيد الحكيم ) , وكان التقرير يركز على شخصية قلّما سمع باسمها معظم العراقيين وهو الشيخ ( محمد باقر الايرواني ) , في حال غّبت عن تقريرها اهم واكبر مرجعية دينية – من حيث الاتساع الجماهيري – في العراق بعد مرجعية السيد ( علي السيستاني ) ألا وهي مرجعية الشيخ ( محمد اليعقوبي ) .

وقناة ( الحدث ) تم انشاؤها لمتابعة احداث الثورات العربية في العام 2012 م , كرديف لقناة ( العربية ) التابعة لمجموعة ( MBC ) السعودية , ويملكهم جميعاً ( وليد بن إبراهيم بن عبد العزيز الإبراهيم ) شقيق ( الجوهرة ) أرملة الملك ( فهد بن عبد العزيز آل سعود ) . وبالتالي هي قناة تجمع المتناقضات , حيث هي مملوكة لعائلة فيها مجموعة من اهم رجالات الدولة السعودية وآل سعود , ساهمت في تأجيج الفكر الوهابي المتطرف , والنزعة الأعرابية في الدين , وتغذية الثورات العربية بالطائفية , وكذلك تنتمي لمجموعة إعلامية لها السهم الأكبر في إشاعة روح الخلاعة والفكر الشاذ في العالم الناطق بالعربية , وتكنّ ادارتها اقسى المشاعر السياسية ضد دولة مثل العراق , يعزز كل ذلك حاضنة اجتماعية تكفّر ثلثي الشعب العراقي . ومن هنا فإن آخر ما يهمها مصلحة المسلمين الشيعة في العراق , فهي لم تلقِ بالاً لشيعة أفغانستان الذين سلّمتهم الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها في الخليج بقيادة الدولة السعودية الى ايدي المتخلفين الإرهابيين من ( طالبان ) تحت مرأى ومسمع العالم , ولم يعنها الإهلاك الجماعي للقرى الشيعية في سوريا على ايدي الإرهابيين الذين تدعمهم السعودية بصورة مباشرة وغير مباشرة , حتى ان اغلب السيارات الداعشية – كما ظهر من تقارير البيع اليابانية – كانت صفقة سعودية . هذا فضلاً عن تفجير عشرات المدن والأسواق العراقية بأموال وافراد سعوديين . فلماذا تهتم مثل هذه القناة بمستقبل ” المرجعية الدينية الإسلامية الشيعية ” في العراق , ولماذا لا تريد لمرجعية الشيخ ( محمد اليعقوبي ) الدينية الانتشار والتصدي .

تصريحات الكتلة الصدرية حول المرجعية العراقية في اجتماعهم مع الاطار

ثم جاءت تصريحات ( حسن العذاري ) رئيس الكتلة ( الصدرية ) , بعد انتهاء المفاوضات بين السيد ( مقتدى الصدر ) ومجموعة ” الاطار ” التنسيقي السياسية , التي ضمّنها نقطة مهمة مفادها ” لابد من الرجوع الى المرجعية في النجف الاشرف حصراً كمرجعية للجميع ” .

وهنا يحق لنا ان نسأل , من هي تلك المرجعية الدينية في النجف الاشرف التي يريد الصدريون الرجوع اليها قيادة ؟

مرجعية الشيخ ( بشير الباكستاني النجفي ) , بالتأكيد انها ليست هي , على اعتبار انها مرجعية طعن في شرعيتها وميولها السيد ( محمد محمد صادق الصدر ) والد السيد ( مقتدى الصدر ) واتهمها في انتمائها , ومنذ ذلك الحين وهي لا تشكّل أي وجود حقيقي او معقول في العراق .

مرجعية الشيخ ( محمد إسحاق الفياض ) , وهي شخصية أفغانية , يتأثر مكتبها بصورة كبيرة بمخرجات مكتب السيد ( علي السيستاني ) , وليس لها تأثير سابق في مجريات الساحة السياسية والشعبية في العراق .

مرجعية السيد ( علي السيستاني ) , هنا يكون الامر اكثر غرابة واثارة , من حيث التيار الصدري , ومن حيث مرجعية السيد ( علي السيستاني ) ذاتها . فمن حيث التيار الصدري نتذكر انه ذكر في واحدة من موجبات انشقاقه عن قيادة الشيخ ( محمد اليعقوبي ) للخط الصدري ان الشيخ ( اليعقوبي ) يقول باجتهاد السيد ( السيستاني ) , وهذا منافٍ عندهم لمبادئ الصدريين التي تراه ليس مجتهدا , فيما انشق التيار الصدري وتأسس على أساس تقليده للسيد ( كاظم الحائري ) الذي يقيم في ايران ويؤمن بولاية السيد ( علي الخامنئي ) . فضلاً عن كون غالبية الاطار التنسيقي والتيار الصدري لا ترجع الى السيد ( علي السيستاني ) دينيا . اما من حيث مرجعية السيد ( علي السيستاني ) فهي مرجعية لا تؤمن بولاية الفقيه ولا بتدخل المرجعية في السياسة , فكيف ستكون السقف الذي يجمع مصالح القوى السياسية .

 

من هو الشيخ محمد اليعقوبي :

وباعتبار ان المرجعية الدينية في النجف الاشرف تُعّدّ المرجعية الدينية العليا للشيعة في العالم , ومصدر الاشعاع الاول للفكر الشيعي , فقد كان لها حصة الاسد في حركة التغيير القيادي والنهضوي , وبرز فيها في التأريخ المعاصر عدّة قادة ومراجع دينين اصلاحيين تضحويين . ومَن يهمّنا منهم هم القريبون على زماننا , والذين كان لهم تأثير في مسار الاحداث التي نَمرُّ بها حالياً . وابرزهم ثلاثة مراجع دينيين يُشكّلون مدرسة واحدة وتداخلاً فكرياً مشتركاً :

– السيد الشهيد ( محمد باقر الصدر )

– السيد الشهيد ( محمد محمد صادق الصدر )

– الشيخ ( محمد موسى اليعقوبي )

حيث كان لهؤلاء الثلاثة المراجع الدينيين دفعاً واضحاً – للمتابع والمراقب – باتجاه ترتيب الوضع الشيعي بصورة خاصة , والوضع الاسلامي بصورة عامة .

ولكن ما يهمني – وهو غاية المقال – هي الانتقالة النوعية للفكر الشيعي والسلوك المرجعي الديني العام الذي تميّزت به مرجعية الشيخ ( محمد اليعقوبي ) الدينية عن باقي مراجع الاصلاح والنهضة .

حيث نرى – كمثال – ان المرجع الديني السيد ( محمد باقر الصدر ) – الذي ساهم بنهضة فكرية عملاقة – اتجه الى مخاطبة النخبة الشيعية بصورة عامة , ولم يتوجه الى القواعد الشيعية بقدر كافٍ . وهذا واضح من كتاباته ومؤلفاته مثل ( فلسفتنا ) و ( اقتصادنا ) ولم يحاول السيد ( الصدر ) الاوّل التحرك باتجاه بيان واقع القيادات الدينية المتصدية حينذاك أمام الجماهير , انسجاماً مع ما كان يتبنّاه من مفهوم المواجهة مع الخارج , خصوصاً مع تزايد المدّ الشيوعي والسلطان البعثي .

وكان السيد ( الصدر ) الاوّل – في مواجهته للخارج – يقارع الكلمة بالكلمة , والفكرة بالفكرة , والحُجّة بالحُجّة . ولم يعتمد سياسة الالغاء والفتوى التي اعتمدتها المدرسة الدينية التقليدية , والتي لم تفلح في معالجة الاوضاع حينها , كما كان متوقعاً من تحركات المدرسة التقليدية .

وكان بعده السيد الشهيد ( الصدر ) الثاني صاحب نهضة الجمعة , تلك النهضة التي توجّهت الى القواعد الشيعية بصورة رئيسة , بعد ان ادرك ( الصدر ) الثاني واقع حركة ( الصدر ) الاول , وخذلان النخبة له , بانسحابها من واقع الاحداث , الّا القليل ممن وافق قولُه عملَه . فسار السيد الشهيد ( الصدر ) الثاني باتجاه توعية المجتمع الشيعي حول ما يحيط به من واقع مزخرف ولكنه فارغ من الداخل . وعمل السيد ( الصدر ) الثاني على توجيه العقل الجَمْعي نحو تمييز القيادات الحقيقية . ولكنّه كان يفتقد الى الامتداد الذي يسمح له بالاتصال بالمحيط الشيعي الخارجي , فبقيت حركته ضمن الاطار العراقي . وكذلك كان تركيزه في مؤلفاته ينصبًّ على بيان الحكم الشرعي الإسلامي وضرورات تطبيقه , باعتبار جهل غالبية الشيعة حينذاك بالمسائل الشرعية الاسلامية . مع محاولة جريئة وعملاقة منه لزرع قضية الامام المهدي في الشارع الشيعي .

وامتداداً لجهود هذين المرجعينِ الدينيينِ العملاقين , واستثماراً لفكرهما , وبالاستفادة من تجارب حركتيهما , نهضتْ حركة فكرية ضخمة اخرى , تستند الى القواعد الشيعية , وتدرك دور النخبة , يقودها المرجع الديني الشيخ ( محمد اليعقوبي ) .

ولكن كان واقع هذه الحركة متميزاً هذه المرة , فقد تبنّى المرجع الديني ( اليعقوبي ) فكرة عملاقة اسمّيها ” صناعة النخبة ” , وذلك بالعمل على رفع مستوى القواعد الشيعية العامة الى مستوى النخبة , ليكون الجميع قائداً في موقعه , وهي فكرة التمهيد لدولة الإمام المعصوم , عبر تهيئة الكفاءات القادرة على ادارة الدولة العادلة .

والشيخ اليعقوبي هو : محمد بن الشيخ موسى بن الشيخ محمد علي بن الشيخ يعقوب بن الحاج جعفر الاوسي الانصاري . وللشيخ ( اليعقوبي ) علاقة طيبة بالأمير الحاج جاسم محمد راضي الأوسي الشيخ العام لقبيلة ( الأوس ) . ولد في النجف الأشرف فجر يوم المولد النبوي الشريف عام 1380 هجرية الموافق أيلول/1960 . حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من كلية الهندسة /جامعة بغداد عام 1982 .

والده الشيخ ( موسى اليعقوبي ) كان مديراً لإدارة جمعية الرابطة الأدبية في النجف لدورتين , ومؤسس لمجلة ( الايمان ) النجفية , عمل وكيلاً لمرجعية السيد ( محسن الحكيم ) في بغداد التي انتقل اليها بتوجيه من مرجعيته , ثم ظل وكيلاً فيها عن مرجعية السيد ( أبو القاسم الخوئي ) . وجدّه الشيخ ( محمد علي اليعقوبي ) اديب الخطباء وخطيب الادباء , نشأ في مدينة ( الحلة ) , وحين بدأ الجهاد في مدن العراق وعشائره لاسترجاع البصرة بعد سقوطها بيد الانكليز بقيادة المجاهد السيد ( محمد سعيد الحبوبي ) في المحرم سنة 1333 هـ كان يومئذ في مدينة (السماوة) زوّده السيد ( الحبوبي ) بكتاب يأمره فيه بتحريض عشائر (السماوة) و(الرميثة) على الانضمام في صفوف المجاهدين , وبعد استيلاء الانكليز على (الناصرية) ووفاة المجاهد السيد ( الحبوبي ) فيها كان لا يزال مرابطاً مع القوم , إلى أن وردت الانباء من ( الحلة ) بدخول (عاكف) التركي إليها وما ارتكبه جيشه فيها من الفظائع التي أوغرت صدر الشعب العراقي على الأتراك وانتهت بجلائهم عن العراق ، فلم ير بدأ من الرجوع إلى ( الحلة ) فوجدها محاصرة بالجيش التركي في الداخل والخارج , وبعد سقوط بغداد في أواسط سنة 1335 عاد الى النجف الأشرف ، إلى أن شبت نيران الثورة العراقية في الفرات الأوسط , فكان يخوض غمارها , حيث شهد معارك (الهاشمية) ونواحيها , وكانت مواقف الثوار يومئذ في الجهة الغربية على الضفة اليمنى من فرات ( الحلة ) , وتقابلها جماهير الثوار المرابطة حول قرية (الحصين) على الفضة الشرقية اليسرى التي كان يتوسطها السيد ( أبو القسام الكاشاني ) والشيخ ( محمد جواد الجزائري ) وغيرهما من رجال الدين لتنظيم الهجوم على مراكز العدو في ( الحلة ) , وبعد انكسار الثوار والشروع بالمفاوضات وتأسيس المملكة العراقية غادر من النجف إلى الكوفة بحكم مهنته المنبرية , فألزمه المرجع الديني السيد ( أبو الحسن الأصفهاني ) بالنزول إلى مدينة (الحيرة) , ثم الزمه السيد ( أبو الحسن الاصفهاني ) بالرجوع الى الجف الاشرف بعد ان صار خطيب العراق الأول لمواجهة الأفكار المنحرفة هناك , فأسس مع جماعة من علماء وادباء العراق “جمعية الرابطة الأدبية” سنة 1351 هـ , وانتخبه أعضاؤها عميداً لها حتى وفاته . اما جدّه ( يعقوب ) فقد حضر فترة من الزمان في مجلس العالم الرباني الأخلاقي الشهير الحاج ( ملا حسين قلي الهمداني ) و الواعظ الشيخ ( جعفر الشوشتري ) , وسكن فترة في ( السماوة ) وفي ( الحلة ) , كان شاعراً موالياً لأهل البيت – عليهم السلام – , اذ له ديوان جمع بعضه ولده الشيخ ( محمد علي ) . وجدّه الحاج ( جعفر بن الشيخ حسين بن الحاج إبراهيم النجفي ) رأس أسرة ( آل اليعقوبي ) ولد نحو سنة 1200 هجرية (1785 ميلادية) , كان من وجهاء النجف ومن رجالاتها الذين عملوا في التجارة , كان من ثقاة الشيخ ( موسى بن الشيخ الأكبر جعفر آل كاشف الغطاء ) , ساهم في بناء سور مدينة النجف الاشرف , صاهر أبناؤه ( آلَ الحكيم ) و ( آل الغريفي ) و ( آل الغبان ) و ( آل زاهد ) .

إرتدى الشيخ ( محمد موسى اليعقوبي ) الزي الديني مطلع عام 1992 \ شعبان /1412هـ , وتوّجهُ بالعمامة زعيم الحوزة العلمية السيـد ( الخوئي ) . وابتدأ دراسته العلمية الدينية في ” جامعة النجف الدينية ” التي عميدها السيد ( محمد كلانتر ) . التحق ببحوث الخارج , فحضر بحث ” الأصول اللفظية ” عند السيد الشهيد ( الصدر ) من شوال 1414 حتى استشهاده في ذي القعدة /1419هـ، وطبع من تقريراته مبحث ” المشتق ” في جزئين , وحضر بحوث ” الأصول العملية ” عند آية الله الشيخ ( محمد إسحاق الفياض ) في الفترة (1417- 1421) , وحضر في ” الفقه ” عند آية الله السيد ( علي السيستاني ) في (1415- 1420) , وعند الشهيد ( الميرزا علي الغروي ) (1416-1418) , وقرّر تلك البحوث .

بـدأ الشيخ ( اليعقوبي ) بتدريس المقدمـات قبل مرور سنة على التحاقه بالحوزة العلمية في جامعة النجف الدينية . ثم في تدريس ” السطوح المتوسطة ” , وهي كتب (اللمعة ) و ( أصول الفقه) , و ” السطوح العالية ” بكتب (المكـاسب ) و ( الكفاية) ، وكانت حلقته العلمية من أوسع الحلقات حضوراً اذ كان يدرس عنده ( الكفاية ) نحو 200 من الفضلاء في مسجد ( الرأس ) الشريف المجاور لحرم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب – عليه السلام – . ثم بدأ بإلقاء محاضراته في ” البحث الخارج ” في ” الفقه ” في (شعبان 1427 هـ/2006م)، في المسائل الخلافية ، حيث يختار مسائل ذات عمق علمي ومثار جدل بين الفقهاء , ويحضر بحثه أكثر من (200) من فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية، حُرّرت وطُبع بعضها في كتاب عنوانه (فقه الخلاف)، وقد صدر منه اثنا عشر مجلداً , ومن مميزات بحثه تعرّضه لآراء أساطين القدماء وأعلام المعاصرين من مدرستي النجف الأشرف وقم المقدسة.

وكان مسؤولاً عن الاستفتاءات في مكتب المرجع الديني السيد ( محمد محمد صادق الصدر ) , واحد طلبته في بحثه الخارج , والشخصية العلمية والإدارية الأولى في مكتبه , والعميد – بأمر الشهيد ( الصدر ) في شهر صفر عام 1419 هـ – على جامعة ( الصدر ) الدينية , التي هي الثمرة الدينية والعلمية والاجتماعية الأبرز في مسيرة المرجع الشهيد , وهي ملتقى المنهجين الجامعيين الديني والاكاديمي في العراق . فيما كان الاسم الأول الذي احتج به السيد ( محمد الصدر ) في اثبات اجتهاده وأعلميته على باقي المراجع الدينيين , وذلك حين أورد اسمه في مجلة ( الهدى ) التي كان يصدرها الشهيد ( الصدر ) حينذاك . وعلاقة الشيخ ( محمد اليعقوبي ) بالشهيد ( الصدر ) عريقة بدأت في ثمانينات القرن الماضي , أي قبل تصدي الشهيد ( الصدر ) للمرجعية الدينية , اذ كان خاضعاً للإقامة الجبرية بعد استشهاد المرجع الديني السيد ( محمد باقر الصدر ) في بداية الثمانينات . وبعد مبايعة ثوار الانتفاضة الشعبانية في العام 1991 م للسيد الشهيد الصدر الثاني – قدّس الله سره – قائداً للثورة – قبل اعتقاله بيوم واحد – شكَّـلَ السيد ( الصدر ) خمس لجان لقيادتها، وجعل الشيخ ( اليعقوبي ) رئيساً للجنة السياسية والإعلامية . وفي /جمادى الثانية/1419الموافق 27/9/1998م، رشَّح السيدُ الشهيدُ ( الصدرُ ) الشيخ ( اليعقوبيَ ) لخلافته , بقوله – في لقاء مسجل مع طلبة جامعة الصـدر الدينية – : ” … والآن أستطيع ان أقـول إن المـرشـح الوحيـد من حوزتنا هو جناب الشيخ محمد اليعقوبي الى وقت امد الله لي في العمر وشهد باجتهاده.. اذن هو الذي ينبغي أن يمسك الحوزة من بعدي وانا لا اعدو عنه ” . ومنذ تواصلهما الأول في العام 1985 م بقي الشيخ ( محمد اليعقوبي ) مع السيد الشهيد ( الصدر ) حتى استشهاده في ذي القعدة / 1419هـ الموافـق شبـاط /1999م ، وتولى الصلاة عليه وعلى ولديه وواراه الثرى مع عدد طلبة العلم . وقد أشار السيد الشهيد ( الصدر ) في احدى لقاءاته المسجلة ان الذي ناصره في مجمل حركته الإصلاحية ونهضته الإسلامية هو الشيخ ( محمد اليعقوبي ) .

وقد قال فيه السيد الشهيد ( الصدر الثاني ) ما نصه ” بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين. اما بعد، فمن نعم الله سبحانه على الدين والمذهب عامة وعليّ خاصة وأنا العبد الخاطئ الذليل ان يرزقني عدداً لا يستهان به من الطلاب الفضلاء المخلصين وأهل الهمة المجدين جزاهم الله جميعاً خير جزاء المحسنين. ومن أهمهم هذا الشيخ الجليل والعلامة النبيل المفضال الشيخ محمد موسى اليعقوبي (دام عزه)، فقد التزم دروسنا في علم الأصول وأنالها العناية الكافية فهماً وكتابةً ومدارسةً، وها هو يقدم لنا في هذا الكتاب نموذجاً من جهوده وليالي تفكيره. وقد قمت بمراجعته وتدقيقه فوجدته وافياً بالغرض ملمّاً بالمطالب حسب الأصول. ولكني اعتبرته هو المؤلف وله حرية التعبير وان كانت المطالب بالأصل صادرة مني بطبيعة الحال. ولكني أجزته في ذلك بعد حفظ المعنى ووضوح المبنى. ولاشك انه بهذا الجهد الجهيد يسير بخطو حثيث نحو الاجتهاد ومعرفة السداد. أتمنى له المستقبل الزاهر في خدمة العلم والعمل وان يكون من المراجع المخلصين والقادة الطيبين جزاه الله خير جزاء المحسنين. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين. حرره بتاريخ التاسع من شهر رمضان المبارك عام 1418 محمد الصدر ” .

وقال الشهيد ( الصدر ) ايضاً في رسالة وجهها لسماحة الشيخ ( اليعقوبي ) ما نصه ” بسم الله الرحمن الرحيم . شيخنا الأجل دام عزك بعد التحية والسلام. انت تعلم انني كنت ولا زلت اعتبرك افضل طلابي واطيبهم قلباً واكثرهم انصافا للحق بحيث لو دار الامر في يوم من الايام المستقبلية بين عدة مرشحين للمرجعية ما عدوتك لكي تبقى المرجعية في ايدي منصفين وقاضين لحوائج الاخرين لا بايدي اناس قساة وطالبين للدنيا. حتى انني فكرت في درجة من درجات تفكيري انني اقيمك للصلاة في مكاني عند غيابي تمهيداً لذلك ولازال هذا التفكير قائماً، ولم تمنع عنه رسالتك الصريحة هذه. كما لم اجد في طلابي إلى الآن على كثرتهم وتنوع اتجاهاتهم واذواقهم من هو جامع للشرائط التي اتوقعها اكثر منك، فحقق الله رجائي فيك بعونه وقوته. 1 جمادى الثانية 1418 ” .

وبالفعل , بعد رحيل الشهيد ( الصدر ) , تصدى سماحة الشيخ ( اليعقوبي ) لقيادة الخط ( الصدري ) الحركي في العراق بصورة مباشرة , ودافعية الحركة الإسلامية عموماً بصورة غير مباشرة . اذ ظل يدّرس الفقه والأصول في مسجد ( الرأس ) الشريف المجاور للمرقد العلوي المبارك , ويلقي المحاضرات الأخلاقية والاجتماعية التي يتم نشرها عن طريق اشرطة مسجلة في عموم العراق , رغم التضييق الأمني الشديد من جلاوزة الامن في العهد الديكتاتوري البائد . وكانت محاضراته متنوعة وسابقة , تتحدث في المجالات الدينية والسياسية والشبابية والتنظيمية وقضايا المرأة وغيرها . فيما تصدى كثيراً للمشاريع الفكرية الغربية التي اريد لها ان تحاصر الشعب العراق قبيل الغزو الأمريكي وبعده . وكان ولازال مكتبه ينظّم الدورات الصيفية للطلبة والشباب , ويحاول بهمة ربط المنظومتين الدينية والأكاديمية .

منذ عام 1420هـ بدأ سماحة الشيخ اليعقوبي بنشر بحوثه الاستدلالية الكاشفة عن اجتهاده . حتى أعلنَ اجتهاده في خطبتي صلاة الجمعة في الكاظمية المقدسة في صفر عام ‏1424هـ ‏الموافق نيسان 2003 م . فشهد ‏له بالاجتهاد عدد من مراجع الدين والعلماء بعد الاطلاع على بحوثه الاستدلالية سنة 1424هـ/ 2004م . منهم آية الله الشيخ ( محمد علي الكرامي ) المجاز بالاجتهاد من قبل آية الله الشيخ ( حسين المنتظري ) . وآية الله المرحوم الشيخ الدكتور ( محمد الصادقي الطهراني ) المجاز بالاجتهـاد منِ قبَـل ( السيد الخوئي ) في العام 1386هـ) . وقد خرجت جماهير كثيرة وكبيرة تطالب الشيخ ( اليعقوبي ) بإعلان مرجعيته العامة بعد سقوط النظام الديكتاتوري , في ظاهرة كانت فريدة حينها . ومن الذين شهدوا باجتهاده وفضله من العلماء المجتهدين والفضلاء من طلبة البحوث العالية : اية الله السيد ( محمد حسين فضل الله ) , اية الله السيد ( محمد مفتي الشيعة ) , اية الله السيد ( علي الحلو ) , اية الله الشيخ ( قاسم الطائي ) , اية الله الشيخ ( حيدر اليعقوبي ) , العلّامة الشيخ ( فاضل البديري ) , العلّامة السيد ( حسن الحسيني ) , العلّامة الشيخ ( ميثم الفريجي ) , العلّامة الشيخ ( يوسف الكناني ) , العلّامة الشيخ ( حسين الطائي ) , العلّامة الشيخ ( حسن الطراد العاملي ) . فيما أشار اية الله السيد ( هادي المدرّسي ) – في احد برامجه الاذاعية – الى ان سماحة الشيخ ( اليعقوبي ) اهم ثمرة لمدرسة السيد الشهيد ( الصدر الثاني ) المباركة . واوصت شخصيات منبرية معروفة الناس بالالتفاف حول مرجعية سماحته , مثل الشيخ الخطيب ( جعفر الابراهيمي ) , والسيد الواعظ ( محمد الصافي ) الذي كان من المقربين الى مرجعية الشيخ اليعقوبي كثيراً ومن الداعين الى قيادتها بحماسة . فيما يكتفي الفقه الإسلامي الشيعي بشهادة اثنين من المجتهدين او من اهل الخبرة الفضلاء لإثبات الاجتهاد .

بدأ بإلقاء البحث الخارج في 1427هـ/2006 م . وقدّم سماحته رسالته العملية (سبل السلام) للطبع عام 1430هـ/ ‏2009م، ‏معطياً الاذن للمؤمنين بالرجوع إليه تقليداً , بعد أن كانوا يرجعون إليه قيادة . وكان رجوع المؤمنين الشيعة اليه قيادة يستند الى وصية السيد الشهيد ( الصدر الثاني ) في احدى لقاءاته اذ قال ” يحتاج الشعب العراقي إلى قيادة لا تمثل التقليد , يقلدون شخصاً ويأتمرون بأمر شخص آخر بعنوان الوكالة , أو بأي عنوان آخر … فإن أمد الله تعالى في عمري وبقيت عدة سنوات أخرى فيوجد بالتأكيد هناك من طلابي ممن أتوخى منهم الإخلاص والتعب على نفسه والاجتهاد , طيّب القلب وخبير وورع ونحو ذلك , قابل لأن تحوّل عليه القيادة الحوزوية , ولربما في ذلك الحين يكون هو الأعلم ” . ثم توسعت مرجعيته عالمياً , فصار لسماحته مكاتب وممثليات في اكثر من ثلاثين دولة آسيوية وافريقية وأوروبية , مسلمة وغير مسلمة .

وعلى المستوى المؤسسي فقد انشأ او ساهم سماحة الشيخ ( محمد موسى اليعقوبي ) في قيام وعمل : جامعة الصدر الدينية – جامعة الزهراء (عليها السلام) النسوية للعلوم الدينية – مَجْمَع المبلغات الرساليات – مؤسسة البيت السعيد – مجلس الحكماء والأعيان – مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة , الذي يصدر مجلة تخصصية في العلوم الدينية باسم (الاستنباط) وأخرى في الوعي الإسلامي باسم (الإيمان) – مدرسة الأبرار الدينية للدراسات القرآنية والحديثية والأخلاقية والدراسات المعاصرة – مؤسسة ملتقى العلم والدين , الفاعل بين المؤسسات الدينية والأكاديمية والمجتمعية – مؤسسة الجمعة , مهمتها تأسيس ونشر وإدارة صلوات الجمعة في العراق – مؤسسة فيض الزهراء ( عليها السلام ) لرعاية الأيتام والفقراء – مركز الإمام الصادق (عليه السلام) للدراسات والبحوث الإسلامية التخصّصية , ويتفرع الى قسم الدراسات القرآنية وقسم الدراسات العقدية والفكرية وقسم الدراسات التخصّصية في الامام المهدي (عليه السلام) وقسم الفقه الإسلامي وقسم فلسفة الفقه.- مكتبة شيخ الخطباء – مدرسة أعلام الهداية الدينية , تقبل فقط الطلبة الأكاديميين الخريجين لكي تعدهم ويتقبلوا أكثر لاستيعاب العلوم وتطبيقها على الواقع عند بلوغهم رتبة ( الاجتهاد ) – المركز الفاطمي للدراسات والتنمية البشرية – المعهد الإسلامي للتطوير والدراسات , لتوفير استشارات إدارية وإعداد خطط إستراتيجية وإقامة برامج إعداد قادة وتصميم برامج تدريبية – نقابة السادة الأشراف – المؤسسات الإعلامية , قناة ( النعيم ) الفضائية , قناة ( بيّنات ) الفضائية , إذاعة ( البلاد ) من بغداد , إذاعة ( الأمل ) من البصرة , إذاعة ( سبل السلام ) من الناصرية , إذاعة ( الرميثة ) من محافظة السماوة . بالإضافة لرعايته المباشرة للزيارة الفاطمية الكبرى في النجف الاشرف , حيث كان الصوت الأقوى للتحقيق في ظلامتها عليها السلام .

كما قام سماحته بتأسيس حزب ( الفضيلة ) الإسلامي , ليكون ناطقاً عن العراقيين في الداخل , بعد ان قام الامريكان بتوزيع السلطة على الكيانات السياسية والافراد من الذين قضوا مجمل أعمارهم او كلها خارج العراق , دون الالتفات الى حقوق ومعاناة غالبية العراقيين الذين رزحوا تحت حكم الطاغوت الديكتاتوري , وهو الامر الذي ولّد فجوة معرفية وسياسية لازالت قائمة حتى اليوم بين الشعب العراقي والمنظومة السياسية التي كانت تجهل متطلباته . وفعلاً كان الحزب الأكثر استقلالية عن الشرق والغرب في المنظومة السياسية العراقية , حيث كان الصوت الأكثر فاعلية وقوة في معارضة السياسات الاقتصادية والإدارية المؤذية للشعب العراقي , حين عارض قانون إدارة الدولة المؤقت الذي وضعته الحكومة الامريكية المؤقتة في العراق , والذي كبّل مفاصل الدستور العراقي الدائم , وعارض التمييز والتفضيل الذي حظي به المكون الكردي على حساب المكونات الأخرى , وهاجم الوزراء والساسة الفاسدين بالأسماء , وعارض جولات التراخيص النفطية وحده التي رهنت الثروة العراقية لعدة عقود باليد الأجنبية , وعارض نظام الانتخابات النسبي غير الديموقراطي , وعارض سياسة المحاور الدولية وطالب بنأي العراق عنها , وهاجم فوضى السياسات الاقتصادية المتهالكة والمزاجية للحكومات العراقية وطريقة عمل الموازنة الاتحادية , ودعا الى تحرير مفوضية الانتخابات من السلطة السياسية , وكذلك تحرير المنظومة القضائية , وعمل جاهداً على تحريك ملف المصانع العراقية المعطلة , ونجح في تشغيل القليل منها , ورفض تسيس المنظومة العسكرية والأمنية , وطالب بتفعيل وانشاء منظومة اتصالات وطنية , والوحيد الذي قدّم مجموعة قانونية من التشريعات المستندة الى الفقه الإسلامي الشيعي الجعفري في الأحوال الشخصية والقضاء , وكتبت كوادره مجموعة خطط ورسائل تفصيلية للبناء السياسي والاقتصادي والثقافي بعثتها للحكومات العراقية المتعاقبة , واصرّ على خروج جميع القوات الأجنبية المحتلة للعراق , بما فيها التركية , والى رفض وكشف جميع الديكتاتوريات الفئوية والعائلية والقَبَلية في المؤسسات العراقية , وتفرّد بالمطالبة بقانون يشرعن وجود قوات ( الحشد الشعبي ) لحمايتها من الغدر الدولي , وهو ما كان لاحقاً بالفعل , وسعى في جميع المناسبات للتوفيق بين الكتل السياسية والاجتماعية المتصارعة في العراق , واستمر في مطالبة البرلمان باحترام الحقوق الثقافية والسياسية والاقتصادية للأغلبية الشيعية في العراق . الى ان قام بحلّه سماحة الشيخ اليعقوبي قبل تظاهرات ( تشرين ) بعام , بعد يأسه من توافق المنظومات السياسية العاملة في العراق في ظل مفوضية انتخابات متحزبة ومخترقة .

ولمرجعية الشيخ ( محمد اليعقوبي ) الدينية خصائص إنسانية عامة , وخصائص إسلامية خاصة , وخصائص شيعية علَوية إمامية فريدة . فهي عالمية الطابع , تتحدث في قضايا بشرية مشتركة , ترى ان الإسلام قادر على تغطية كافة جوانبها وسبر اغوارها بما يملك من عمق سماوي مسدد وشامل , رافضة لنظريات ( المصالح ) الانانية الضيقة , وملتزمة برؤية ( المبادئ الثابتة ) النظيفة والقيم الأخلاقية العليا , في اطار رؤيتها المدنية للحياة التي ترى ضرورة اعمارها مع ضبطها بأسس الشريعة الإسلامية , معتمدة في كل ذلك على لغة الحوار التي تحاول نشرها والمشاركة في منتديات تنميتها , لأنها ترفض اللغة غير الشفافة للسياسة المعاصرة وكل وسائل التضليل والتجهيل التي تستخدمها لخداع الجمهور .

ومنطلقها في هذه الرؤى ما تراه من وظائف للمرجعية الدينية , تتمثل في تصديها للشؤون الاجتماعية العامة , ورعاية افراد ومؤسسات الامة وحقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية , وتشخيص الشبهات الموضوعية التي قد يقعون فيها والتي غالباً لا يتدخل الفقهاء في تشخيصها , والاشراف على قواعد حفظ النظام العام , والتأكد من وحدة الامة وتماسك كيانها , لتصل بها في كل ذلك الى الكمال المنشود عبر الخيارات الصحيحة .

فيما عملت على الفات النظر الى قصور الحضارة المادية عن البلوغ بالإنسان الى مرتبة الكمال والسعادة الحقيقية . والتعريف بالإسلام , بما هو دين سماوي انساني يحترم معايير الفلسفة الأخلاقية السليمة للبشرية , وتنقيته من شوائب التدخلات المادية الغريبة فيه وإظهار معالم عظمته وقوته . وتركيز العين على منهج الإخلاص لله الخالق الباري في كل عمل . ومحاولة تخليص الامة من الجهل والتخلف , ودفعها باتجاه الوحدة والتآلف , مع الدعوة الى اعتماد العمل المؤسساتي المنظم , وحسن اختيار الكوادر الوسطية والقيادية لتلك المؤسسات , حيث تكون معروفة بالتهذيب وطهارة القلب , متأسية برسول الله واهل بيت النبوة عليهم السلام , تحترم قيمة الانسان , وتكون في اشد واصلب مظاهر مقاومة الانحراف والمغريات .

بينما عملت على المستوى الديني والعلمي والاجتماعي على تعزيز الاستفادة من العلوم العصرية في المجال الفقهي , فاستقطبت حملة الشهادات الجامعية الاكاديمية الى المؤسسة الدينية . وعملت على نشر فروع جامعة ( الصدر ) الدينية وجامعة ( الزهراء ) النسوية الدينية على مستوى العراق جميعا . وعملت على احياء التراث الكبير للشهيدين ( الصدرينِ ) , ومجمل التراث المرجعي الديني لأساطين الشيعة من خلال درسها العلمي او من خلال مطبوعات المراكز البحثية . بالإضافة الى تأسيسها ل ( جماعة الفضلاء ) كذراع ديني اجتماعي مشترك للمرجعيات الدينية لمواجهة خطر الغزو الثقافي والسياسي الأجنبي . وعملت جاهدة على ربط العشائر والقبائل العراقية بالحوزة العلمية الدينية وكيانها الشريف , والحث على ترويج ( سنينة = تشريعات ) عشائرية تراعي مبادئ الإسلام .

والشيخ ( اليعقوبي ) – الذي يؤسس لكل شيء تحت ظل الوعي القرآني – القى الدروس والمحاضرات في جوانب أخلاقية واجتماعية متعددة ومتنوعة ومهمة ومفصلية , مستنيراً بما كان للأئمة المعصومين من دور في التاريخ , لبث الوعي والثقافة الإسلامية الصحيحة , وحماية المسلمين من شرور الإعلام المؤدلج غير المهني والغزو الثقافي الأجنبي , مع التركيز على زيادة وعي المرأة وحمايتها من خلال المحاضرات وتأسيس الروابط النسائية ومجتمع المبلغات , وكذلك الشباب والطلبة الذين عملت مرجعيته على التواصل المباشر معهم , وكان اهم المؤازرين للمدارس في حملة ( الحسين بسمة تلميذ ) لتوفير الكتب والمناهج التي تقاعست وزارة التربية عن توفيرها للطلبة , وتوجيه الناس للخروج من مآزق الفتن السياسية والاجتماعية , ومنعها من الدخول في مضلّاتها , كدوره ورجالاته في منع الناس من سرقة المال العام عند دخول القوات الامريكية المحتلة الى العراق وإباحتها لمؤسساته , ثم حمايته الشعائر الدينية الاصيلة من عبث العابثين والنزقين , مع تبنيها للمناسبات الدينية ورعايتها وتعزيز ذاكرة الامة بفضلها , لا سيما قضية الإمام المهدي عليه السلام , ودعوته الى التركيز على المناسبات الخاصة بالنبي الأعظم ( محمد ) – صلى الله عليه وآله – , حتى ربط بين المناسبات الدينية والمجتمع الجامعي , فيما كان مرشدو الحجيج من مقلديه على مستوى عالٍ من الوعي العلمي والعملي , كذلك دعا الى الاهتمام بالثقافة العقائدية الدينية للقوات الأمنية لتعزيز ثقافتها الوطنية , وكان اول الداعين الى تشكيل ” جيش رديف ” عقائدي لمساندة الجيش العراقي , كان من نتائجها تأسيس ( الحشد الشعبي ) , الى جانب دعوته الى تأسيس ورفع وعي منظمات المجتمع المدني والنقابات التي اعتبرها من مصاديق ( نظم الامر ) الذي أوصى به أئمة اهل البيت – عليهم السلام – شيعتهم , كما تصدى للدعوات العقائدية المنحرفة فكريا , وكشف واقع الادعاءات الكاذبة و ( المزارات الوهمية ) المستخدمة لأغراض تجارية , ونهى عن سير النساء مشياً للعتبات المقدسة دون وجود من يراعهن من رجالهن , ونهى عن الطقوس الدخيلة على الشعائر الدينية الحسينية مثل ” التطبير ” بضرب الرأس بالآلات الحادة , في الوقت الذي دعا الى تشكيل وزارة خاصة لرعاية المناسبات الدينية , فيما طالب بإغلاق البارات والملاهي التي تتعارض وقيم وثقافة المجتمع العراقي , في الوقت الذي يرعى العشرات من المؤسسات التطوعية لمساعدة العوائل الفقيرة . هذا بالإضافة الى تبنيه ودعوته لتأسيس وتفعيل ( البنك الإسلامي ) و ( الذاكرة الوثائقية ) وتفعيل ملف ( المقابر الجماعية ) وتنشيط فاعلية ( اللغة العربية ) و ( علوم القرآن ) , و ( فتح باب الاجتهاد ) في المجتمع الإسلامي السني لحل مشاكله الاجتماعية والسياسية والخروج من اطر السلفية , وقد اقام صلاة الجمعة في مكة المكرمة والتقى بالمجتمعات الشيعية والسنية المتعددة , لدراسة وتعزيز قيم اللقاء المشترك بين المسلمين , بل خاطب ( بابا الفاتيكان ) برسالة خاصة .

وفي المجال السياسي كان له الدور الأبرز في العراق , على مستوى رجال الدين والمرجعيات الدينية . فكان دائم المطالبة بإصلاح العملية السياسية , ويدعو الجمهور العراقي للضغط على السياسيين , ابتداءً من نقده لظروف وآلية تشكيل ( مجلس الحكم ) العراقي تحت ظل الاحتلال الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية , وسعيه لتثقيف الجمهور العراقي بمعلومات ما يجري وما يراد على المستوى السياسي , ودعوته للتظاهر ضد المحتل الأجنبي حين نصب حاكماً اجنبيا , ومروراً بتقديم المشروع السياسي للفترة الانتقالية برؤية حوزوية , ونصائحه لفريق عمل الأمم المتحدة في العراق , ونقده للقوانين التغييرية غير المحترمة لثقافة وتاريخ العراقيين التي سنها مجلس الحكم مثل قانون الجنسية العراقية , ثم مراقبته لعملية كتابة الدستور الدائم وتعليقه على بعض مواده ومطالبته بتعديل بعض فقراته , ومقترحاته التي يوصلها لرئاسة مجلس الوزراء لحل مشاكل الحكومات العالقة , وموقفه من الاتفاقية الأمنية العراقية – الامريكية , ونقده المستمر للأداء البرلماني السيء وللوزراء وأعضاء البرلمان لتقويم وإصلاح عملهم , وذكره لأسماء صريحة لمسؤولين فاسدين , ومراقبته لميزانيات الحكومات العراقية ونقد سلبياتها , واقتراحه تشكيل كيان رديف للائتلاف الشيعي في العملية السياسية , وتفاعله مع المطالبات والحاجات المناطقية المحلية والنقابية والفئوية , ومحاولته المستمرة لتفعيل دور العشائر السياسي باعتبارهم اعرف بما كان في داخل العراق واوثق في حركتهم ودعوته لضمهم في مجلس الاعيان والحكماء الذي أراد تأسيسه لمراقبة المشهد السياسي , ودعوته للفيدرالية الإدارية وتوسيع صلاحيات المحافظات لا الفيدراليات الطائفية والقومية المجزئة , ودفاعه عن حقوق المكونات المستضعفة والمغيبة مثل ( الشبك ) , وعمله على اخراج العراق من عصف رياح الحرب الطائفية بحكمة لا تسلب الأغلبية حقوقها وامنها , مع دعوته العملية للمصالحة الوطنية , ورفضه وانتقاده لمشاريع الأقاليم الانفصالية , ونجاح رجالات مرجعيته في التوفيق بين القوى السياسية والفصائلية المتخاصمة لحفظ النظام العام وتحقيق الامن والإسراع في تشكيل الحكومات لاسيما ان الشيخ ( اليعقوبي ) تدخّل بصورة مباشرة لإنجاح ( مؤتمر مكة ) للقوى والمكونات العراقية , والمطالبة بالإسراع في انزال العقوبات بالإرهابيين , ودفعه المباشر وغير المباشر باتجاه إقرار القوانين التي تحترم ثقافة وعقيدة الأغلبية في العراق مثل قانون الأحوال الشخصية الجعفري والمحكمة الجعفرية ودفاعه عنهما امام الناقدين الأجانب , واصراره على تعديل قانون الانتخابات العراقي لجعله اكثر انصافاً وواقعية واحتراماً لأصوات الناخبين , بعد ان حث الناس على المشاركة الفاعلة والدائمة في الانتخابات لتعزيز المصالح الجماهيرية بالطرق السلمية , ونقده الصريح للسياسيين الذي كافئوا جلاوزة النظام الديكتاتوري السابق وفرّطوا في حقوق الضحايا , ودعوته لتفعيل دور القطاع الخاص اقتصادياً للمساعدة في حل المشاكل التي يعاني منها العراق , ودعمه للانتفاضات والاضرابات والتظاهرات الشعبية ضد الحكومات الفاسدة ومحاولة توجيهها لما يصلحها ويحقق مطالبها , وطرحه الحلول المنطقية الواقعية لمشاكل الفساد الإداري والمالي في العراق , وشريكه الفساد الأخلاقي كذلك الذي كان كثيراً ما ينتقد مظاهره الاجتماعية , بل وصل الى ان افتى بمنع التدخين المضر في الأماكن العامة .

والشيخ اليعقوبي رغم تحريكه أولى التظاهرات الشعبية في عام 2005م ضد الابتزاز الذي يمارسه الساسة الاكراد لنهب ثروات الجنوب العراقي , الا انه دعا الى توسيع قنوات الاتصال وتوثيق الأواصر مع الأخوة المؤمنين الساكنين في المناطق الكردية من دول المنطقة والمهاجرين منهم في دول العالم , ويلتقي بعدة وفود نخبوية وشعبية من كردستان .

ورغم مطالبة الشيخ محمد اليعقوبي بتفعيل القطاع الاقتصادي الخاص لحل مشاكل البطالة , الا انه كان يراقب عمل الشركات الوهمية التي هدفها نهب وتخريب الاقتصاد الوطني العراقي مثل شركات ” التسويق الشبكي ” . وفصّل ايضاً قضايا بيع العملة ووضع لها نظاماً فقهياً يمنع من خلق رأسمالية ربوية عملياً تحاول الظهور بمظهر شرعي نظريا , بالإضافة الى تناوله نظام المصارف الاهلية الشرعي . كما افتى بحرمة بيع السلاح لشخصيات مجهولة , في بادرة استشرفت ما يحاك للجنوب العراقي من هجمة إرهابية شرسة , سبقت هجمتها بمحاولة افراغ ساحة الجنوب العراقي من سلاحه الذي يدافع به عن نفسه وعرضت مقابله مبالغ كبيرة , فأفتى قبل أي مرجعية دينية شيعية بتحريم بيع السلاح رغم ان كل الأطراف مسلمة . ومع ذلك افتى ايضاً بحرمة سبّ رموز المذاهب الإسلامية الأخرى .

وقضية استشراف الشيخ محمد اليعقوبي للمستقبل تكررت عدة مرات . فهو سعى الى تأسيس حزب إسلامي يحفظ حقوق العراقيين في داخل العراق قبل سقوط النظام البعثي الديكتاتوري , وأوضح ما سيحدث في العراق عند عدم التزام الأطراف الطائفية والقومية والحزبية المتصارعة في العراق بوثيقة ( مكة ) , وايضاحه صفات بعض الحكومات العراقية قبل ممارسة مهامها , واشارته الى الفتن والمؤامرات التي تتم حياكتها ضد الشعب العراقي قبل وقوعها , خصوصاً حين يقوم السياسيون المتحزبون بخذلان الشريعة الإسلامية عند سن القوانين الوضعية , وحديثه عن ثورات الشعوب العربية ضد أنظمة الحكم فيها قبل قيامها .

فيما كان له تعبير مهم جداً ومعبّر عن احدى الحكومات العراقية التي كانت في بداية ولايتها , حين قال ” أنها تملك شرعية الانتخاب , لكنها لا تملك شرعية الإنجاز ” . بمعنى انها حظيت بأصوات الناخبين العراقيين بناءً على ما تعهدت به من برنامج انتخابي , فاذا لم تنفّذ هذا البرنامج لن تكون حكومة شرعية , بل تكون قد خدعت الجمهور . الا ان رئيس الحكومة حينها زار بعض المرجعيات الدينية الكبيرة في النجف الاشرف في نفس الأسبوع , واقام مؤتمراً صحفياً في مدخل زقاقها ليصرّح انه ” يستمد شرعيته من المرجعيات الدينية المعروفة في النجف الاشرف ” . ليرد بذلك على ما قاله الشيخ محمد اليعقوبي , دون ان تكون هناك تحركات مرجعية لردعه , فآلت أوضاع البلاد عموماً والشيعة خصوصاً الى ما آلت اليه من فساد وخراب نعانيه اليوم .

وهو على المستوى العربي والدولي اهتم كثيراً بالقضية الفلسطينية ودعم حق الشعب الفلسطيني في ارجاع ارضه , وتحذيره من المشاريع الشيطانية التي تراد للعالم الإسلامي وللناطقين بالعربية , ودعمه للحقوق السياسية والثقافية للغالبية من الشعب البحريني ودفاعه عن قيادتهم الدينية والاجتماعية امام جور الجائرين , ودعمه للمستضعفين من شيعة اهل البيت في باكستان وغيرها من بلاد المسلمين الذين يتم تفجيرهم بلا ذنب سوى انهم يوالون آل بيت النبي محمد – صلى الله عليه وآله – ويرفضون ان يكونوا مستعبدين للخارج , ونصرته لجهود وجهاد الشعب اللبناني في تحصيل حقوقه الوطنية . فيما يبدي عناية خاصة بطلبة العلم والشعوب من الدول الافريقية ويحثهم على الالتحاق بصفوف الحوزات الدينية ونشر علوم وثقافة اهل البيت عليهم السلام , في الوقت الذي يبعث البعثات العلمية والدينية من الحوزة العلمية النجفية لزيارة عدة دول في غرب افريقيا .

ورغم القصور والتقصير عن الاحاطة بكنه هذه المرجعية الدينية الإسلامية الشيعية الضخمة فكرياً , لكن يمكن الايجاز بما يلي :

– ان مرجعية الشيخ ( محمد موسى اليعقوبي ) الدينية مزجتْ بين نخبوية حركة السيد الشهيد ( الصدر ) الاول وبين جماهيرية حركة السيد الشهيد ( الصدر ) الثاني , لتبدأ مرحلة الجماهير الواعية الرسالية .

– وصنّفتْ المواجهة الحضارية مع الآخر على انها مواجهة فكرية , يتداخل معها العامل الاقتصادي , اكثر من كونها مواجهة عسكرية .

– ورفضت استغلال منصب المرجعية الدينية الإسلامية الشيعية بالصوَر الفردية الكاريزمية الفئوية غير المنتجة .

– وساهمتْ وتساهم في تغيير النهج الديني الحوزوي العلمي والاجتماعي , ليكون اكثر اندماجاً مع المجتمع الحديث .

– وعملتْ وتعمل على الانتقال بالعقل الشيعي الى مرحلة الوعي الرسالي . ويُعدّ كتاب المرجع الديني الشيخ ( اليعقوبي ) المعنون ( دور الائمة في الحياة الاسلامية ) سبيل ارتقاء بالأمة من مرحلة الوعي الرسالي الى مرحلة بوادر دولة الإمام المعصوم , من خلال العيش مع النَفَس العام لتحركات الائمة المعصومين .

– وكذلك كانت مرجعية الشيخ ( اليعقوبي ) الدينية مرحلة الالتقاء بين الافكار الاسلامية , بعيداً عن الخطوط الحمراء والاسوار الحجرية التي وضعها من يخافون المواجهة من الطرفين .

– ان حركة المرجع اليعقوبي حاولت المزاوجة بين مثالية المبادئ الاسلامية وواقعية الحركة والتغيير , أي انها خطوة في الاتجاه الصحيح , ومحاولة لإعادة الامة الى المسار الآمن , قبل الانطلاق بها نحو الامام .

الا ان هذه الحركة الاصلاحية بقيادة المرجع الديني الشيخ ( محمد اليعقوبي ) عانت – كغيرها من حركات التغيير – من التغييب الاعلامي , والحرب الناعمة التي يشنّها اصحاب العقول المتحجرة , بالتحالف مع المنتفعين من الوضع الراهن واصحاب المصالح الشخصية , وكذلك من قبل الذين اختلطت عليهم الاوراق فاعتبروا انتقاد المعمّم كفراً . وبين هؤلاء يتوزّع – للأسف – غالبية وسائل الاعلام وامبراطوريات المال ! .

ان حركة المرجع الديني الشيخ ( محمد موسى اليعقوبي ) انتقال بالفكر الشيعي والفكر العام – غير الديني – نحو عالم النوع لا الكم , باعتماده التحليل الواقعي , والإنصاف العلمي , والحوار الانساني , وتأكيده على التلاقي لا الاختلاف .

وقد لعبت استقلالية الشيخ محمد اليعقوبي عن الشرق والغرب دوراً في محاولات لعزل مرجعيته الكبيرة عن الاعلام والتأثير الاجتماعي , وتعرّض لضغط مضاعف مركّب من الغرب والشرق , ومن الحلفاء الإقليميين لكل محور , ومن قبل الوكلاء المحليين للدول الأجنبية والمشاريع الدولية , وكذلك من المتأثرين من عامة الناس بالحرب الاعلامية الموجّهة ضد مرجعيته . وبذلك لم تتهيأ لمرجعيته ولمؤسساتها واذرعها ما تهيأ لغيرها من فرص التأثير والظهور , ورغم ذلك نجحت بقوتها الذاتية في الوصول الى مستوى ومرتبة كبيرة في العالمين الشيعي والسني من الكون الإسلامي .

فيما ذكر كتاب ( الوجهة كربلاء ) الصادر عن ” المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية ” في ” العتبة العباسية ” في ص 152 الى ان مرجعية الشيخ ( محمد اليعقوبي ) عملياً تأتي بعد مرجعية السيد ( علي السيستاني ) في العراق .

 

 

 

من هو الشيخ محمد باقر الايرواني :

 

الشيخ محمد باقر بن محمد صادق بن عبد الحسين الإيرواني ، عالم وشاعر وفقيه من أساتذة العلوم الدينية في حوزتي النجف الأشرف وقم المقدسة ، ولد في النجف الأشرف من أسرة علمية عريقة برز منها العديد من الأعلام وينتهي نسبها إلى جدها الأعلى الشيخ محمد بن محمد باقر الإيرواني المعروف بـ (الفاضل الإيرواني) (1232 ــ 1306ﻫـ / 1816 ــ 1888 م) والمولود في ( إيروان ) والمتوفى في النجف وقد درس فيها على يد الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والشيخ مرتضى الأنصاري، والشيخ حسن كاشف الغطاء.

و ( الفاضل الايرواني ) الجدّ ولد حدود عام 1232 هـ في ( إيروان ) من تركستان ( قفقازيا ) – أرمينيا – . أول من هاجر الى النجف الاشرف من هذا البيت، بل هو المؤسس لكيانه، أقام أول مرّة في كربلاء حيث أدرك بحث العلامة السيد ابراهيم القزويني صاحب( الضوابط ) المتوفى سنة (1262 هـ) وحضر عليه حوالي أربع سنين فقهاً وأصولا، ثم هاجر الى النجف وأقام بها، وحضر على علمائها، وكان معروفاً بالفضل بين معاصريه حتى اشتهر بـ ( الفاضل الايرواني ). انتهت إليه رئاسة الترك، وكان المرجع العام لبلاد ( القفقاز وأذربيجان ) في التقليد بعد وفاة السيد ( حسين الكوهكمري ) . وكان استاذ العلوم العقلية ومن الاساتذة العظام المرغوب فيهم في الفقه لطول باعه وكثرة استحضاره لمداركه، وكان حسن الاخلاق، جيد المحاضرة، كثير الصلاة، عليه آثار السلف الصالح من العلماء. يدرِّس نهاراً الفقه في جامع الشيخ الطوسي في النجف، وليلا الاصول، ويحضر مجلس درسه جلّ الفضلاء في النجف، وله النصيب الوافر في جملة من العلوم العقلية سيما الرياضيات. وكان الشيخ إماماً للصلاة جماعةً في الصحن الغروي ، يأتمّ به الكثير من أهل العلم والوجهاء . حضر أول أمره على السيد ابراهيم القزويني صاحب ( الضوابط ) في كربلاء، ومنها الى النجف الاشرف حيث حضر على الشيخ مرتضى الانصاري والشيخ حسن كاشف الغطاء صاحب ( أنوار الفقاهة ) والشيخ محمد حسن صاحب ( الجواهر ). ويروي بالإجازة عن مشايخه المذكورين، حيث أجازه أستاذه شيخ الفقهاء صاحب (الجواهر) وكذا الشيخ الانصاري . من آثاره إشرافه على المدرسة العلمية المسمّاة بـ ( مدرسة الايرواني ) وهي من مدارس النجف الاشرف الدينية، أسسها الحاج ( مهدي الايرواني ) تحت إشراف الشيخ ( محمد ) المعروف بـ ( الفاضل الايرواني ). وتقع في محلّة العمارة، على مقربة من بيت المرجع الراحل السيد ( أبو الحسن الاصفهاني ) , مؤلفة من طابقين، وفيها تسع عشرة غرفة، وكان ختام بناء الطابق العلوي سنة 1307 هـ. ولما توفي الواقف دفن فيها مع الفاضل الايرواني . وله مصنفات معظمها خطية، منها : أصول الفقه , واجتماع الامر والنهي , والاستصحاب , وإصالة البراءة , ورسائل كثيرة في الفقه والاصول، وتعليقة على رسائل استاذه الشيخ الانصاري، وحواش على قواعد العلامة، وعلى تفسير البيضاوي، ورسالة عملية ( فارسية ) في العبادات، واخرى في المعاملات. توفي في النجف الاشرف يوم الخميس، الثالث من ربيع الاول سنة ( 1306هـ) وقد جاوز عمره السبعين عاماً، ورثته الشعراء[1] . قال عنه تلميذه السيد ( علي البروجردي ) في كتابه ” طرائف المقال ” : (( عالم عامل جليل مجتهد مدقق مدرس في الأرض الغري ، أدركت خدمته حين المسافرة إلى المكة المعظمة ، فوجدته أهلا للفتوى والقضاوة )) . وقال عنه ( الشيخ القمي ) في كتابه ” الكنى والألقاب ” : (( العالم الجليل والفاضل النبيل المولى محمد … أتته شهرة طائلة وزعامة دينية كبرى ، فطفق يعول الأفاضل بعلمه الجم ، ووفره الواسع فصاروا ببركته من كبار العلماء … )) . وقال عنه ( السيد الأمين ) في كتابه ” أعيان الشيعة ” : (( … كان عالما فقيها رئيسا جليلا أنهت اليه رياسة الترك وصار المرجع العام في تلك البلاد في التقليد … )) . وقال عنه (عمر كحالة ) في كتابه ” معجم المؤلفين ” : ((فقيه ، أصولي ، مفسر )) .

ومدينة ( ايروان ) ارمنية , وهي ذاتها ( يرفيان ) عاصمة ( أرمينيا ) , هاجر أهلها الى ايران والعراق بعد الحروب ( القيصرية الروسية – القاجارية الإيرانية ) قبل نحو قرنين , وبعد قيام الشيوعية السوفيتية الملحدة قبل نحو قرن .

أنهى الشيخ ( محمد باقر الإيرواني ) دراسته الأكاديمية في مدارس ” منتدى النشر ” , كما درس عند أعلام الفقه في النجف أمثال السيد ( أبو القاسم الخوئي ) والسيد ( محمد باقر الصدر ) ، كما درس فترة عند السيد ( علي السيستاني ) والسيد ( محمد سعيد الحكيم ) .

وهاجر من العراق إلى إيران , وشرع هناك في التدريس والتأليف . ومن أبرز تلامذته الشيخ ( حسن أبو خمسين ) ، والسيد ( هاشم محمد الشخص ) . وبعد سقوط النظام البعثي البائد عاد إلى مسقط رأسه في النجف ولا يزال يواصل التدريس .

وله من المؤلفات : (دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي)، (شرح الحلقة الثالثة)، (دروس تمهيدية في القواعد الرجالية)، (دروس تمهيدية في القواعد الفقهية)، (دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام)[2] . وكل كتبه تقريباً في المجال التدريسي الفقهي والاصولي .

وترى شبكة ( الحل ) الالكترونية المملوكة ل ( Reporter Shield LLC ) في الولايات المتحدة , والتي تقف بالضد من الموقف الشيعي العقائدي والسياسي العام , أن مرجعية دينية شيعية مثل ( الايرواني ) تؤمن بـ “السلم الأهلي” وترفض الإرهاب والعنف والإسلام السياسي ، سينظر إليها بارتياح من قبل الحكومات العربية في الخليج ، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخفف الصدامات السياسية الطائفية ويجعل هدف “الاندماج الوطني” قابلا للتحقيق , وأن مقاربة ( الايرواني ) السياسية تقارب آراء أستاذه ( الخوئي ) مع آراء ( علي السيستاني ) ، مما يوحي بأنه لن يصدر أي تصريحات أو يتخذ أي مواقف سياسية ما لم تخدم مصالح الناس وتحميهم من الإرهاب والعنف وتدعم تماسك الدولة . معتمدة على رأيه المنقول في مقابلة نشرت على موقع ( شفقنا ) : “ إن التدخل السياسي يتحدد بمدى الاهتمام . وهنا في العراق يجب الابتعاد قدر المستطاع عن السياسة باستثناء توجيه وقيادة الشعب ” , ويضيف قائلاً: “ ربما كان آية الله الخوئي يعتقد أن علماء الدين يجب ألا يتدخلوا في السياسة في البداية ، وما زلت أعتقد أنه لا ينبغي لنا ذلك إلا إذا كان ذلك ضرورياً ” . وترى شرعية ترشيحه مع أسماء أخرى غير معروفة للعامة من الشيعة مثل الشيخ ( هادي آل راضي )[3] , على الرغم من ان الأخير مستبعد ربما لأنه عربي من نسل ( مالك الأشتر النخعي ) .

 

الخلاصة :

ان الإصرار على ترشيح الشيخ ( محمد باقر الايرواني ) لخلافة السيد ( علي السيستاني ) في منصب المرجعية العامة للشيعة من قبل الإعلام العربي الخليجي والمؤسسات الغربية ناشئ عن مقدمتين , انه لا يؤمن ب ” ولاية الفقيه ” , وبالتالي يسير على منهج المدرسة التقليدية التي تترك الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية للناس , والناس في فوضى يسهل اختراقهم والتلاعب بمصالحهم , ومن ثم تستطيع المشاريع الخارجية إيجاد موطئ قدم ثابت لها في العراق وهي تملك أدوات الاختراق اللازمة من وسائل اعلام ومال , والثاني ان المؤسسات العربية والغربية لا تفضّل وجود شخصية عربية من اصل عراقي في منصب المرجعية العامة بسبب تجربتهم مع تلك الشخصيات التي كانت في الغالب إصلاحية ميدانية تؤمن بولاية الفقيه , على عكس ما يروّج له الإعلام العربي الغربي من تبعية العراقيين الشيعة لمرجعيات معينة , نجد هذا الإعلام هو من يمنع وصول المرجعيات ذات الأصل العربي العراقي .

 

 

 

 

 

 

[1] الموقع الالكتروني للشيخ ( حسين انصاريان ) \\ وقد احتجنا الى المصادر عن الشيخ ( محمد باقر الايرواني ) بسبب عدم شيوع معرفته في المجتمع العراقي , على العكس من سيرة المرجع الديني الشيخ ( محمد اليعقوبي ) الذي نعرفه بتفاصيل سيرة مشهورة بين العراقيين .

[2] العتبة الحسينية \ كربلاء في الشعر العربي \ ت : 375 \ بقلم : محمد طاهر الصفار \ 13-5-2021م

[3] تخفيف الصدامات السياسية الطائفية”.. باقر الايرواني بديلا لـ علي السيستاني \ 3 ديسمبر 2021م

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب