تعتبر ثنائية الأمة والسلطة ميدانا خصبا يلج من خلاله الباحث في تقييمه للأحداث التي شهدتها الساحة الشيعيّة منتصف القرن الماضي ، خصوصا الباحثين الذين يولون الجانب الديني عناية خاصة في ابحاثهم ، والذين يبتعد أغلبهم عن العرف الأكاديمي بالرغم من الأمانة العلمية لبعضهم والموضعية في تناول الأحداث .
لو بحثنا عن الأحداث التي المت بالمفهومين أعلاه ولكن بلسان العرف الأكاديمي ، لوجدنا أنهما بحثا تحت عنوان مفهومي السلطة والدولة .
أي بمعنى ان الموقف من السلطة في نظر القيادة الدينية واحد ، سواء أكانت السلطة نتاج لطموح الأمة أو كانت خيار الشعب الممثل للدولة .
ما نود قوله أننا نعتمد في تقييمنا للأمة بمعناها الأخص ، وهي البيئة المعتمدة لدى المؤسسة الدينية المستقلة في تنفيذ ما تطمح إليه وتحرص على رعاية شؤونها باعتبارها الحاضنة الفكرية والاجتماعية والمكانية لحركة المرجعية وهو ما يطلق عليه في العرف السياسي بالنسيج المذهبي الواحد ، والذي يشكل بدوره جزءا من مفهوم الدولة بمعناها الأعم ، والذي يتنوع مذهبيا وقوميا ودينيا بل حتى الأفكار والايدلوجيا تكون مختلفة ضمن إطار الدولة الواحدة .
لقد أفرزت الأمة بمفهومها الخاص الذي عبرنا عنه سابقا في منتصف القرن الماضي تشكيلات اسلامية شيعية تقليدا للظاهرة الإسلامية في عموم العالم العربي والإسلامي ، حيث سبقها أحزاب وحركات من بلدان عدة.
إن جمع الشتات الشيعي وتنظيمه وتوجيهه كان أحد أهداف تلك التنظيمات الفتية.
بالرغم من مزاحمة الفكر الحداثوي بفلسفته المغايرة لما هو سائد في البيئة العقائدية للمجتمع لكن كان لكل منهما مساحته التي يتحرك من خلالها .
هذا الحراك أفرز تداعيات سرعان ما ظهرت للواجهة تمثلت بمحاولة إقصاء الحالة التقليدية بأسلوب بعيد عن التعامل العلمي والأخلاقي حيث أصبح المرء يسمع بمفردات صيغت بخبث خادش لسلامة الفطرة السليمة التي تربى عليها المجتمع كالرجعية والتخلف والجمود والمداهنة .
بالمقابل البديل الأكاديمي الذي اقتبس أكثر مفاهيمه من تداعيات الحركات التحررية المناهضة للاستعمار آنذاك كالتقدمية والثورية والحركية والحداثوية وغيرها .
ما يؤسف له أن الزعامة الدينية الحقيقية وقتها صنفت ضمن الإطار التقليدي السلبي من قبل المنافس المذهبي واتهمت بالرجعية من قبل السلطة واعلامها الموجه.
كانت طريقة المواجهة المتبعة هي عدم الظهور إعلاميا وعدم التصريح بالفكرة والخطة المتبعة بعكس المنافس الذي اعتمد التنظير والاصدار والتوثيق الأمر الذي زاد من الظلامة، وتم بذلك التناول بشكل غير محسوب ترجم على شكل محاولات لمصادرة التاريخ والمجهود التي خدمت بهما الأمة.
إن أحداث بداية القرن الحالي أفرزت أن الخط التقليدي كان حاضنا وبشكل لافت للخط الحركي ، ويتضح هذا جليا بنظرة سريعة على مواقف السيدين الجليلين الخوئي والحكيم قدس سريهما ، حيث كانت عبائتهما التقليدية بمثابة فضاء يتحرك خلاله الخط الحركي .
للأمانة لا يمكن إغفال جهود السيد الخوئي في صراعه المرير من أجل استقلالية القرار الحوزوي ووقوفه بوجه محاولات السلطة بضم الكيان المرجعي لوزارة الأوقاف في حينها ، لتبقى مرجعية النجف الاشرف الخالدة رمزا للاستقلال والمصداقية والالتزام الأخلاقي حينما تلجئها الضروف إلى ضرورة الإطلالة السياسية حفاظا على مصالح أتباعها التي تحمل همومهم وتشاركهم في آلامهم ومعاناتهم. ….