23 ديسمبر، 2024 9:52 م

المرجعية الانتهازية.. والثورة الحسينية

المرجعية الانتهازية.. والثورة الحسينية

“الحسين عَبْرَةٌ وعِبْرَةٌ”، بهذه الكلمة الجامعة عبَّر الإمام الصادق “عليه السلام” عن الكيفية التي ينبغي على الإنسان أن يقرأ من خلالها الحسين وفلسفة ثورته،  العَبْرَةُ والعِبْرَةُ قطبان مندمجان متلازمان لا ينفك احدهما عن الآخر يشكلان المرآة الحقيقة الصافية التي تنعكس منها أهداف الحسين وكيفية الاقتداء به والسير على نهجه، حتى أن المقصود من العَبْرَةُ هنا ليست هي العَبْرَةُ المجردة، وإنما هي العَبْرَةُ التي تبعث نحو الحركة والعمل والتطبيق الفعلي الصادق لمنهج الحسين حتى كأنها تنصهر وتذوب في جانب العَبْرَةُ والإقتداء، فتتحول الدموع إلى حُمَم بركانية تزلزل عروش الظلم والفساد، ومشاعر الحزن تستحيل أعاصير تعصف برايات الفساد والقمع والاستبداد والتطرف والتمييز وهكذا في بقية الشعائر والفعاليات…
لكن ولأسف الشديد نجد أن التركيز على جانب العَبْرَةُ هو الصفة الغالبة على الشعائر الحسينية بمختلف تنوعاتها بما فيها المنبر الحسيني، وهذه العملية تارة تكون عفوية بسبب الجهل بشخص الحسين وأبعاد ثورته، أو النظرة السطحية لهما، وتارة أخرى (وهي المُتسلِّطة)، تكون العلمية مقصودة ومبرمجة يقف ورائها الانتهازيون المستأكلون بإسم الحسين، فهم يركزون على البكاء واللطم والعاطفة المُجَرَّدة، لاستقطاب الناس، لأنهم يدركون أن المجتمع حينما يَعي حقيقة الحسين وأهدافه فأنهم سيكونون مرمى لذلك الوعي، وستنقلب عليهم الجماهير وستنهار عروشهم التي بنوها بإسم الحسين، لأنهم من مصاديق الظلم والفساد التي ثار ضدها الحسين، بل أقبحها وأشدها مضاضة على الحسين…
عقود وعقود من الزمن وثورة الحسين ومبادئه اختطفها الانتهازيون واختزلوها في جانب العِبْرَةُ المجردة الفارغة، وبصورة ممنهجة كما أسلفنا، حتى اسكتوا الشعوب بعد أن غيَّبوا عنها عن عمد جانب العَبْرَةُ والثورة بوجه الظلم والفساد، بل لم يكتفوا بهذا فحسب، راحوا يتاجرون بثورة الحسين ودمائه، وبصورة لم يسبق لها نظير، حينما سلَّطوا الظالمين والفاسدين على العباد والبلاد، بإسم الحسين، فصاروا يسرقون ويقتلون ويحرقون الجثث ويسحلوها بالشوارع ويُهَجِّرون ويُشَرِّدون ويُفجرون بإسم الحسين…، واختزلوا الحسين وثورته بطائفة معينة، في حين أن الحسين لم يكن طائفيا، وثورته كانت من اجل الإنسانية وتحقيق السلام والعدالة والحرية للجميع…
ولأن الحسين في فكر ومنهج الانتهازيين لعق على ألسنتهم يدرُّونه ما درَّت مصالحهم الشخصية وما بقيت عروشهم الكهنوتية، وإن الانقلاب والتلون هو ديدنهم،  فمصالحهم ومصالح إيران الشر والحقد هي العقرب الذي تدور حوله مواقفهم وسلوكياتهم وفتاواهم، نجدهم اليوم وفي خطوة انقلابية يحكون عن جانب العَبْرَةُ وخط التضحية والفداء ويقدمونه على الجانب الآخر من اجل أن يزجوا الناس في محرقة الاقتتال التي أشعلوا هم فيتلها، بسياساتهم الفاسدة القمعية وفتاواهم الطائفية حفاظا على وجودهم ومصالحهم وتنفيذا للمشروع الإمبراطوري الإيراني،وهذا ما كشف عنه وحذر منه ووقف ضده المرجع العراقي الصرخي الحسني في خطاباته وبياناته مرارً وتكرارً، ومنها قوله: ((وماذا تتوقع من مرجع مدعي المرجعية ومنتحلها بلا استحقاق، مرجع الفراغ العلمي والوهم والخيال، مرجع الفضائيات والإعلام الزائف الذي ارتبط بمشروع الاحتلال ومشروع الفساد والإفساد، مرجع الكذب ووجهي النفاق وجه للإعلام ووجه للشحن الطائفي وفتاوى التهجير والتدمير والسلب والنهب والفتك والقتل والاقتتال؟!)).
نعم انه من المفارقة المبكية المضحكة أن تتحدث مرجعية السيستاني وعلى لسان سمسارها عبد المهدي في خطبة الجمعة 20/ 11/ 2015 ،عن معاني التضحية والجهاد والفداء التي خطَّها الحسين وضرورة الإقتداء به وأنها هي أهم من الزيارة  والشعائر…، فأين كانت المرجعية عن تلك القيم والمعاني طيلة هذه الفترة، وهي التي التزمت الصمت والسكوت والانبطاح للظالمين والفاسدين؟!، وأين كانت عن قيم ومبادئ الحسين حينما باركت ودعمت وشرعنت الاحتلال وما رشح عنه من قبح وفساد وظلام؟!، وأين كانت حينما أمرت بانتخاب الفاسدين والظالمين ودافعت عنهم، وحرَّمت التظاهر ضدهم والذي هو من أجلى مصاديق الإصلاح ورفض الفساد التي خرج من اجلها الحسين؟!، وأين كانت المرجعية … ؟!،وأين… ؟!، وأين… ؟!.