كل الشعب العراقي يعلم ويعرف جيدا ان حكومة العراق الحالية والحكومة التي قبلها ومنذ سقوط النظام السابق وما تلاه حظيت بدعم المؤسسة الدينية بقيادة (المرجعية العليا) في النجف وشرعنت لها بكل الوسائل حتى انها (المرجعية) سخّرت كل طاقاتها وأمكانياتها من فتاوي وتصريحات وبيانات الى تعطيل الحوزات والمدارس الدينية التابعة لها وتجنيد كل طلّاب حوزتها وبثّتهم في كل مناطق وقصبات العراق، اضافة الى تعبئة المنظمات والمؤسسات والمحافل الاجتماعية والمدنية والاعلامية التابعة لها من اجل تثقيف المجتمع العراقي وحثّه على انتخاب القائمة 555 أبان الدورة الانتخابية الاولى وكذلك القائمة 169 في الدورة الانتخابية الثانية والتي ضمّت كل الوجوه الفاسدة وسلّطتهم على العراق وشعب العراق من جديد. ولم ينتهي أمر المرجعية العليا عند هذا الحد على أعتبار انها أكتشفت ان الشعب العراقي قد مرّ ورأى وعاش معاناة فترة حكم قاسية نتيجة تجربة ديمقراطية (مزعومة) فاشلة أكتشف وعرف الشعب العراقي خلالها فساد ومفسدي هذه الحكومة بل أنها أستمرّت بدعم نفس القوائم ونفس الوجوه الفاسدة وعاودت تسليطهم مرة اخرى، وعُرِفَت (المرجعية العليا) بأنها (تقف على مسافة واحدة من الجميع) أي على مسافة واحدة -بين الخيّر وبين الشرّير وبين الصالح وبين الطالح- و وضعتهم في مصاف واحد، ولم تسجّل المرجعية العليا طوال اكثر من أثني عشر سنة أي موقف وطني او انساني مشرّف مؤازر للشعب العراقي ولم تقف معه وتنصره وتنتصر له ابدا.
كذلك جميع شعوب العراق تعلم وتعرف معرفة اكيدة أن مرجعية النجف قادرة ولها اليد الطولى و بأستطاعتها ان تغيّر كل شيء لو أرادت فعلا التغيير لكنها كانت ومازالت مستمرّة في محاباة الساسة وخداع الشعوب العراقية وتتنصّل من مسؤولياتها وتكاليفها الشرعية حفاظا على وجاهتها ومصالحها ومناصبها الشخصية فقط، ولا يهمّها لا العراق ولا شعب العراق.
في هذه المرحلة بعد أياسه وقنوطه من كل الرموز الدينية والعناوين السياسية والاجتماعية وبعد ان تخلّا عنه الجميع وبعد ان وعى وعرف وأدرك ذلك إنتفض الشعب العراقي وحده بدون أي توجيه سياسي او ديني هرمي مطالبا بالحقوق والخدمات الانسانية والوطنية ومحاربة الفساد والمفسدين، بل هو يسعى الآن ويعمل من اجل التغيير الكلّي وليس فقط التظاهر من اجل الحقوق والخدمات التي سلبت منه وحُرم منها سنين طوال. وفجأة داهمت صاعقة الشعب وضربَت الجميع جميع الرموز والعناوين التي تخلّت عنه في السابق فأربكهم ذلك وأُسقِط بيدهم.
في المقابل، حازت تظاهرات الجماهير العراقية على شرعية ومباركة ونُصرة وتأييد كل مفاهيم ومصاديق الشرعية -الدينية والوطنية والانسانية والاخلاقية- من قبل رموز دينية وعناوين وطنية وثقافية اخرى -مفكرين و وطنيين ومثقفين- عراقيين كانوا ومازالوا يعملون للعراق ومن اجل العراق، ويقفون مع العراق وشعب العراق. فنزلوا الى الشارع ودخلوا الساحة ووقفوا وتضامنوا وتظاهروا مع الشعب والجماهير المتظاهرة.
في هذا الخضم وهذا الضغط والأرباك المفاجيء الذي تسببت به تظاهرات الجماهير العراقية للرموز والعناوين السياسية والدينية الفاسدة الذي حطّم عروشهم وأسقط امبراطورياتهم وأفشل مخطّطاتهم ومؤامراتهم وكشف وعرّى للعالم أجمع مفاسدهم وفسادهم ومفسديهم، ولكي تقلّل من هذا الضغط والارباك الحاصل الذي هزّ الارض وزلزلها من تحت أقدامها وتعيد ضبط وتوجيه الامور وتحيل زمام المبادرة الى وفق أرادتها وملعبها عادت المرجعية العليا مرة اخرى وحشرَت نفسها فأنتهزت الفرصة وركبت الموجة (موجة التظاهرات) للاعلان عن وجودها، فتدخلت فكان تدخلها ليس من اجل الوقوف مع الشعب وتأييده ومساندته صدقا وعدلا وأنما مجرّد حركة أعلان قامت بها مخافة ان يجرف سيل الموجة العارم وجودها وكيانها الذي نعرف كما يعرف غيرنا كيف وُجد وكيف تأسّس؟، ومع ذلك هي لم تصطف مع الجماهير بشكل واضح وعلني أصطفافا صادقا وحقيقيا وتطالب بالتغيير الجذري الكلّي وتنظّر او تؤسس له كما طالبت الجماهير به وأنما تملّصت من هذه المهمّة المسؤولية بصورة ذكيّة، ورمَت الكرة عن عاتقها في ملعب حكومة (المحاصصة) التي سبق وأيّدتها وباركتها المرجعية نفسها. ان هذه الحركة وحدها التي قامت بها مرجعية النجف هي دليل قاطع يثبت للجماهير العراقية أنها مرجعية وهمية فارغة وليست اهلا للمسؤولية وأنها فقط مرجعية انتهازية مجرّدة.