23 ديسمبر، 2024 2:11 م

المراجع الدينية وشيوخ الاسلام .. لاتلبسوا رداء السياسة فلستم باهل لها

المراجع الدينية وشيوخ الاسلام .. لاتلبسوا رداء السياسة فلستم باهل لها

لماذا لا يعلن الجهاد الكفائي على الفاسدين ؟
طالما حاولت المراجع الدينية ايهام العراقيين بانها بعيدة عن التدخل في الشان السياسي اوالتاثير على مجريات الاحداث السياسية , الا ان الوقائع بعد الالفين وثلاثة اثبتت ان تاثير المراجع الدينية على العملية السياسية .. في خلق الحدث , وتوجيهه , هو اعظم من تاثير الاحزاب السياسية العراقية مجتمعة وبمختلف انتمائاتها .

فلقد كانت للمرجعيات الدينية دورا بارزا في مباركة وتشكيل ما يسمى بالتحالف الوطني ( الشيعي) الذي ضم احزابا وشخصيات سياسية شيعية , ليكون بذلك اول معلم من معالم الاصطفاف الطائفي في العراق , حرص المنضمون اليه الحصول على رضا وموافقة المرجعية في القرارات التي اتخذوها صغيرة كانت ام كبيرة , فقلما اتخذت الحكومة العراقية قرارا دون ان تسبقها زيارات مكوكية لنيل بركات المرجعية .

ان المشكلة المزمنة للعالم الاسلامي مع رجالات دينيه ومرجعياته تكمن في نقطتين …

الاولى .. رغم اقتصار تبحرهم على المجال الديني فقط , الا انهم لا يجدون حرجا من الافتاء في اي موضوع كان خارج الدين , فمن الطبيعي جدا ان ترى رجل دين او مرجعية دينية يخوض في موضوع علمي او سياسي او اقتصادي هو ابعد ما يكون عنه , متناسيا ان لكل اختصاص رجالاته, وقوانينه , وحتى طبيعة تفكير معينة , وملكات قد لا يتمتع بها حتى وان درس في معرض ما درس مباديء علوم اخرى , فكونه رجل دين لا يعني انه قد اصبح مؤهلا لكل الاختصاصات والعلوم .

الثانية.. هالة التقديس التي تحاول المراجع ورجالات الدين احاطة نفسها بها , وحرصهم على خلق حاجز حسي ومادي بينهم وبين المسلمين , لغرض الحفاظ على هيبتهم امام ( العامة) , من خلال عدم الاختلاط مع الناس , وعدم الظهور في الاماكن العامة , او في الاعلام , وحتى الحرص على عدم نشر صور لهم .. وهذا يتنافى مع ما كان عليه الامر في العلاقة بين الرسول عليه الصلاة والسلام والمسلمين , فقد كان دائما يحرص على التواجد مع الناس والغاء المسافات بينه وبينهم . وفي رايي ان السبب الحقيقي في حرص هؤلاء على هذه الهالة هو لمعرفتهم بان تماسهم المباشر مع الناس سيظهر قدراتهم المتواضعة في انهم لا يستحقون هذه المكانة التي يحاولون الظهور بها . ويكفيك ان تسمع احدهم وهو يخوض في مواضيع خارج اختصاصه الديني لتعرف المستوى الفكري المتواضع الذي يعاني منه . فهذا مرجع يقول بان المخابرات الامريكية قد شكلت قسما خاصا لمتابعة اخبار المهدي المنتظر ومراقبة تحركاته , واخر يقول ان سبب قبول المانيا وبعض الدول الاوروبية الاخرى للمهاجرين من العراق وسوريا هو لانهم دولة عاقرة ويشكل لهم المهاجرون عمالة رخيصة ليعاملوهم كعبيد , دون ان يدر بخلد هذا المرجع الفطحل بان العمالة الاسيوية هي ارخص من العمالة السورية والعراقية , واكثر كفاءة منها , علاوة على انه لو ارادت اوروبا استيراد عمالة عراقية او سورية فلا اسهل عليها من اعلان حاجتها الى هذه العمالة , ليتقاطر عليها الاف الشباب بشكل اكثر سلاسة ويسر مما نراه الان . وثالث يخرج على الناس ليحاكي بين ما

يحصل الان في المنطقة , وبين روايات تاريخية موجودة في مصادره الدينية , ويطابقها ويتخذ على ضوئها مواقف سياسية قد تسفك جرائها انهار من الدماء . فتصوروا يا رعاكم الله كيف لهكذا فكر سطحي ان تكون له اراء سياسية سديدة تدفع بالبلد نحو الافضل؟

اعتمادا على ما سبق نستطيع ان نقول اننا امام احتمالين : –

* اما ان تكون هذه المرجعيات تعي ما تفعله من اخطاء وتتقصدها لتكون نتائجها وخيمة على الشعب ؟

* او انها تفتقر للنضج السياسي المطلوب , وبالتالي فأي تحرك سياسي تقوم به تكون نتائجه سلبية على الشعب .

لا يمكن انكار ان تدخلات المرجعيات الدينية في العملية السياسية كانت لها الاثر الكبير فيما ال اليه الوضع العراقي , فرغم افتضاح موضوع الفساد المالي والاداري الذي تورط فيه اغلب الساسة الموجودين في الساحة , الا ان المرجعية استمرت في توجيه الشارع ( خاصة في المكون الشيعي) لانتخاب نفس الوجوه او على الاقل نفس الاحزاب , رابطين الانتخابات بالحالة الايمانية في اطاعة الله او معصيته , دون اكتراث لما يمكن ان يجره انتخاب هؤلاء من ويلات على الشعب . فطالما بقي السياسي مطيعا للمراجع فلا يهم كثيرا وضع الشعب , بدليل ان المالكي قد ازيح فقط عندما تمرد على المرجعية , رغم اصرار اطراف دولية واقليمية على بقائه … وكذلك لا يمكن انكار ان محاولات المرجعية فرض رؤاها المذهبية على بقية المكونات العراقيه (الغير شيعية) كانت لها اثر كبير في زيادة الحنق بين اطياف هذا البلد . فاذا كان الشارع الشيعي مضطرا للتجاوب مع أي توجه لمراجعه فهذا لا يعني ان المكونات الاخرى مطالبة للخضوع لتوجهاتها . ولا تتوقف اخطاء المرجعيات عند هاتين النقطتين بل تتعداهما الى كيفية تعاملها مع النفوذين الايراني والامريكي في العراق , ففي الوقت الذي باركت فيه خروج القوات الامريكية من العراق لم تصرح بموقف واحد ضد سيطرة النفوذ الايراني على البلد , هذا النفوذ الذي تغلغل في كل مفاصل الحياة وكان سببا رئيسا في زيادة الحس المذهبي وتوتير الحالة الطائفية , والتي استطاعت المجاميع الارهابية استغلالها لتنتهي الامور بسيطرة داعش على معظم المدن السنية … واستمر الاداء السياسي الخاطيء للمراجع حتى بعد دخول داعش , وتهديده للعاصمة بغداد والمدن في الجنوب , فبدلا من ان تدعو المرجعية الى وقفة وطنية امامها , دعت الى تعبئة الشارع الشيعي وتشكيل مليشيات لم تستطع تحقيق نصر حقيقي لغاية اليوم , بل ان كل ما انجزته هذه المليشيات هو توتير الوضع السياسي ايضا عوضا عن الوضع الامني , واصبحت اشبه بدولة داخل دولة تحاول فرض ارائها السياسية ووجهات نظرها على الحكومة العراقية , واحيانا تلجا لاسلوب الضغط للقبول ببعض مواقفها , ان هذه الحالة وان لم تتنبه لها المرجعية الان الا انها تمثلا تهديدا حقيقيا ليس للمكونات الاخرى فقط , بل وحتى داخل المكون الشيعي نفسه , سيدفع ثمنه معارك سياسية او مسلحة لفرض الارادات عاجلا ام اجلا .

وبعد ان خرجت المظاهرات في المدن الجنوبية منددة بما وصل اليه حال البلد من فساد ودمار وتشتت , حاولت المرجعيات الدينية مسك العصا من الوسط .. فايدت مظاهرات الشعب من جهة ومن جهة اخرى حاولت تسويق حيدر العبادي على انه الزعيم القادر على حل مشاكل العراق العويصة . ان موقف المرجعية هذا مفهوم وواضح , فهي تحاول الابقاء على مكاسبها الحالية , وضمانها مستقبلا في حالة حدوث أي تغيير متوقع . وطالما بقيت مطالب

المتظاهرين محصورة في تغيرات شكلية على العملية السياسية دون تهديد لمكانة المراجع , فستكون مقبولة عندها الى حد ما , الا انه اذا وصل سقف المطالب لحدود يهددها , فسوف نشهد اصطفاف هذه المراجع مع ساسة المنطقة الخضراء ضد الشعب , كاشفة عن وجهها الحقيقي , وواصفة المتطاهرين بالردة والالحاد بل والكفر . لذلك فان الشعب العراقي مطالب الى اختزال الوقت وعدم اضاعته بمطالب ثانوية , بل يجب التركيز على السبب الحقيقي الذي يمنع أي اصلاحات حقيقية , وهو دعم المرجعية للفساد والساسة الفاسدين . والا فما يمنع المرجعية من ان تفتي بالجهاد الكفائي ضد الساسة الفاسدين مثلما افتت به ضد داعش ؟

@yahoo.com2010Portalin