17 نوفمبر، 2024 7:12 م
Search
Close this search box.

المرأة والمتلازمة الثلاثية : الاضطهاد – الاعتداء – الاغتصاب في سيكولوجيا تأصل العنف

المرأة والمتلازمة الثلاثية : الاضطهاد – الاعتداء – الاغتصاب في سيكولوجيا تأصل العنف

” لا عدالة بلا مساواة, ولا مساواة بلا حرية ” – ألكسي دو توكفيل
في البداية قد يبدو من الصعب الخوض في تفاصيل هذا الثلاثي ” الاضطهاد ـ الاعتداء ـ الاغتصاب ” من الناحية المنهجية, نظرا لسعة الموضوعات فيه, من حيث الأسباب والمظاهر والنتائج الاجتماعية المعقدة التي يفرزها كل مكون من مكونات هذا الثلاثي وانعكاساتها الخطيرة على المرأة أولا وعلى عموم المجتمع والعلاقات الاجتماعية من جهة ثانية, إلا أنني ارتأيت الكتابة في هذا الثلاثي متجاوزا الدخول في التفاصيل, ومركزا على ما هو مشترك في الميكانزم الذي يجمع هذا الثلاثي ويسببه آلا وهو العنف الذاتي وآليته المسببة متزامنا مع التفسير الاقتصادي ـ الاجتماعي, وان كان الأخير يقرر طبيعته ومظاهر التعبير عنه, بل ويفسر آليته من وجهة النظر المطابقة. وعلى هذا الأساس نرى من الضروري قبل الدخول في التفاصيل الإطلالة السريعة على ماهية هذا الثلاثي والتفسيرات التاريخية التي تناولته وأغنته, ثم تلاحم ذلك واندماجه مع البعد السيكولوجي الذاتي والثقافي العام !!!!.

لقد كان للفكر الماركسي حضورا زخما في تفسير الطابع الاجتماعي لاضطهاد المرأة في كل المراحل التاريخية, فقد أكد أن هذا الاضطهاد ذو طابعا تاريخيا, أي بمعنى أن الواقع الدوني للمرأة في العائلة والحياة العامة والمجتمع ليس متأصلا في الطبيعة البشرية البيولوجية, أو من مشيئة الخالق أو من مقتضيات النواميس الأخلاقية العامة, بل هو نتاج ظروف تاريخية أولدته, قابلة للشرح والتحليل والتنبؤ, وبالتالي تمتلك طابعا نسبيا وانتقاليا, يمكن تجاوزها حال توفر الشروط التاريخية البديلة والتي تؤمن للمرأة موقعا متحررا ومتساويا الحقوق مع الرجل. كما أكدت الماركسية أنه قبل تطور المجتمع الطبقي وخلال الفترة التاريخية التي يسميها الماركسيون عادة الشيوعية البدائية أو مجتمع الكفاف, كان تنظيم الإنتاج الاجتماعي جماعيا وتوزيع أنتاجه منصفا. لهذا انعدم آنذاك كل اضطهاد أو استغلال مجموعة أو جنس من طرف آخر بسبب انعدام الأسس المادية لهذا النوع من العلاقات الاجتماعية. وكان الجنسان يشاركان في الإنتاج الاجتماعي مساهمين في ضمان معاش الجميع وبقائهم. وكان الوضع الاجتماعي للنساء كما للرجال انعكاسا لدور كلاهما اللازم في صيرورة الإنتاج.

أي بمعنى آخر إن ظهور اضطهاد النساء ارتبط أصلا بالانتقال من المجتمع اللا طبقي إلى المجتمع الطبقي, وتزامن تحول مكانة المرأة هذه مع نمو إنتاجية العمل المرتكز على الزراعة وتدجين الماشية وتكوين مخزونات, كما تزامن مع ظهور تقسيمات جديدة في العمل والحرف والتجارة, ومع التملك الخاص لنتاج اجتماعي فائض ومع تطور إمكان اغتناء البعض باستغلال عمل الآخرين. وعلى خلفية هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخاصة أصبحت النساء بفعل دورهن البيولوجي في الإنجاب, ملكية سهلة ومريحة. كانت النساء كالعبيد والماشية مصدر ثروات. فوحدهن قادرات على إنتاج كائنات بشرية جديدة يمكن استغلال عملها فيما بعد. لذا أصبح تملك النساء من طرف الرجال, وبالتالي امتلاكهم كل الحقوق على ذريتهن القادمة, أحدى المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام الجديد المرتكز على الملكية الخاصة. وكان ظهور العائلة البطريركية ” الأبوية ” امرأ منطقيا باعتبارها أول مؤسسة اقتصادية اجتماعية تضمن تأيدا عبر الأجيال لانقسام المجتمع إلى طبقات ” طبقة تملك ثروات وتعيش على عمل الآخرين, وطبقة لا تملك وتضطر للعمل لفائدة الآخرين. وقد تزامن ظهور العائلة البطريركية وإخضاع النساء داخلها مع باقي مؤسسات المجتمع الطبقي الوليد, ظهور الدولة بشرطتها وجيشها وقوانينها ومحاكمها لتعزيز وتكريس هذا الطراز من العلاقات. وعلى هذه القاعدة ولدت أيديولوجيات وأديان وأفكار الطبقة المسيطرة وأدت دورا حيويا لتبرير عدم المساواة بين الجنسين والإذلال الذي تعرضت له المرأة. ولابد من الإشارة هنا إلى قدرات فردريك أنجلس في تتبعه لتطور أشكال العائلة والزواج عبر التاريخ في مؤلفه ” أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ” والذي اعتمد على المنهج المادي التاريخي لماركس, وعلى المعارف التاريخية والانثربولوجية المتوفرة آنذاك , والتي أغنت هذا الجانب كثيرا !!!!.

وهكذا بدأت الرحلة التاريخية لعدم المساواة بين الجنسين عبر العصور والى يومنا هذا, متخذة طابعا تعسفيا وشرسا يشمل كل مناحي حياة المرأة, الشخصية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأسرية, وقد جردت من كل امتيازاتها, في الثروة والسلطة والسلاح, بعد إن انتزعت رمزية إلوهيتها ” إلهة الخصب ” كسيدة للسماء, ليحل محلها الإله الذكر كتعبير عن المتغيرات التي حصلت على الأرض. وبهذا أيضا بدأت رحلة المجتمعات الإنسانية في مسحتها الذكورية الغالبة عبر مختلف العصور, وبمختلف مظاهرها, من حروب مدمرة اقتصادية ـ سياسية ودينية, شكلت النساء والأطفال ضحاياها و خطوطها الخلفية ووفودها الاحتياطي, إلى جانب مختلف الانجازات المادية والفكرية عبر مراحل التاريخ وتشكيلاته الاقتصادية ـ الاجتماعية المختلفة, وصولا إلى عصرنا الحالي, في حروبه الإقليمية والعالمية والمحلية وبمختلف أسلحة الإبادة الفردية والجماعية, في مقابل انجازاته في التقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي والفكري والفلسفي والإيديولوجي !!!.

وعلى الرغم من انتشار أفكار العدالة والمساواة بين الجنسين على نطاق واسع في عالمنا المعاصر اليوم, واكتساب المرأة المزيد من الحقوق في مساواتها مع الرجل, وخاصة في أوربا و العالم الغربي المتمدن, واتساع نطاق مساهمتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقريريها لشأنها الخاص دون وصايا, إلا إنها إلى اليوم لا تزال مشروع منافسة غير متكافئ أمام الرجل في مجالات مختلفة, مهنية وقيادية وعلمية وحتى في الحوافز المالية والمرتبات, وتحول شرائح واسعة من النساء إلى قوى عاملة رخيصة يستعان بها في وقت الأزمات الاقتصادية, أو يتم تسريحها من العمل حال دخول المشروع الاقتصادي للمنافسة بين شغيلته. وتتحول العائلة إلى مشروع اقتصادي تندمج بالية السوق وتستجيب لحاجاته وتتأثر بأزماته. وإذا اقتنعنا بتجريد خالص بالفكرة الماركسية القائلة بأن انقسام المجتمع إلى طبقات يقف وراء استغلال المرأة, فأن المجتمعات الأوربية والأمريكية اليوم أكثر المجتمعات طبقية واستقطابا في الثراء والثروة, وهذا يعني أن الحديث عن العدالة بين الجنسين هنا لا يخلوا من تحفظات كثيرة. ناهيك إلى ما تتعرض له المرأة في هذه المجتمعات من مختلف سوء المعاملة من اعتداء وانتهاك لحرمتها وحريتها الشخصية,على الرغم مما قطعته من شوط بعيد في المساواة بين الجنسين, ويكفي أن نشير هنا إلى أن في أمريكا وحدها ترتكب كل ساعة 78 حالة اغتصاب, إلى جانب ما يتم من حالات اغتصاب كثيرة في دول أوربية مختلفة, كالسويد وانكلترا وسويسرا واسبانيا وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا وغيرها من الدول الأوربية ” ممكن العودة هنا إلى صفحات ألنت للمزيد من المعلومات “. أن ذلك يثير تساؤلا مشروعا: هل يكفي التفسير المادي الاقتصادي ـ الاجتماعي والثقافي فقط لتفسير اضطهاد المرأة والتطاول على حريتها واغتصاب جنسها و حقوقها, أم أن هناك أسباب أخرى سيكولوجية ـ ذاتية بحتة تختفي وراء ذلك !!!!.

أما بخصوص مجتمعاتنا العربية والإسلامية وأسوة بأغلبية بقاع العالم المتخلف, حيث العائلة البطريركية في ظل بنية اقتصادية ـ اجتماعية متخلفة, هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تؤسس لاضطهاد المرأة واستلابها, حيث يأخذ هذا الاستلاب طابعا مقدسا يستمد شرعيته من تفسير النصوص الدينية الوارد على ألسنة المشرعين والمفتين الذين يتدخلون بالتفاصيل الدقيقة لحياة المرأة وفرض الوصاية عليها, من طريقة لباسها وكيفية معاشرتها للآخرين وكذلك تقرير سقف ومدى مساهمتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, والتحكم بها باعتبارها تابعا للرجل وجزء من ممتلكاته الشخصية, كما وصل بهم الإفتاء إلى إباحة أجزاء من جسدها لغير زوجها ” كإرضاع الكبير ومفاخذته “, وإيجاد أشكال ظرفية عديدة ومختلفة من الزواج المؤقت, ويأخذ الاستلاب طابعا أكثر مرارة عندما يندمج الدين مع السياسية, ليتحول أكراه واستلاب المرأة إلى قوة قانونية ملزمة عليها من السماء والأرض !!!!.

وعلى الرغم مما حققته المرأة في مجتمعاتنا من انجازات فردية على صعيد انخراطها في التعليم بمختلف مراحله, ودخولها عالم المهن المختلفة من طبية وهندسية وتعليمية وإدارية وجامعية, وصولا إلى تبوئها مناصب عليا وزارية أو عضوية برلمان وغيرها, فهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أنها حققت تقدمها في المساواة مع الرجل, بل المهم في ذلك كله هو المزاج والموقف العقلي والفكري من مساواتها. فهل يعقل ” على سبيل المثال ” لدولة ترغب في بناء الديمقراطية والتعددية والمساواة, وفي برلمانها أكثر من 25 عضوا من النساء لا يتبادلون التحية بالمصافحة في البرلمان, انطلاقا من مسوغات ” شرعية ” بعدم الجواز في ملامسة الأيدي, والمشكلة ليست في المصافحة من عدمها, بل المشكلة كيف تؤسس لمزاج المساواة في أعلى هيئات حكومية, وليست لبناء جدار عازل من الريبة والشك بين الجنسين. أن تعليم المرأة ودخولها إلى سوق العمل وتحملها مسؤوليات عليا لا يعني مؤشرا لتحررها, بل يعني في مجتمعاتنا انه إضافة للمرأة لتزيد من قيمتها في المنافسة في الزواج والعمل أو دخلا إضافيا للأسرة يسهل ابتزازه, على الرغم من ضرورة ذلك للارتقاء بها وكخطوة أولى بسيطة على طريق المفهوم الشامل للمساواة بين الجنسين !!!!.

وتبدأ المرأة كمشروع للاستلاب منذ نعومة أظافرها, حيث تفرض عليها الوصاية التربوية والوعظية, خارج إطار والديها, من أخوانها الذكور الصغار والكبار, حتى إذا بلغت اشتدت دائرة الرقابة عليها من الجميع, ثم يستقبلها زوجها فيعيد إنتاج تربيتها وفق لما يرتئيه مناسبا له, بل حتى أطفالها الذكور يساهمون في ” تربيتها ” وفرض دائرة من الممنوعات على حركتها وحريتها الشخصية, وتتعرض إلى شتى مظاهر الإساءات كامرأة أو زوجة, من الإذلال وجعلها تشعر بعقدة الذنب, وإساءة معاملتها جسديا بالضرب والتهديد والوعيد, ومنعها من التعاطي بالمال وإيجاد فرص عمل لكسب المال وجعلها معتمدة كليا على مال الرجل أو اغتصاب مالها الخاص والتصرف به, وعزلها اجتماعيا ومنعها من الاتصال بالآخرين إلا بموافقات مسبقة وبشروط محكمة في الصرامة ومراقبة تحركاتها عن كثب, إلى أين تذهب ومع من تلتقي, وجعلها تشعر بالذنب أمام أخوانها أو أولادها وتهديدها من عدم رؤية أولادها وحتى ممارسة الضرب والاهانة لها أمامهم, وممارسة الإكراه والتخويف والتهويل لها وإجبارها على القيام بمختلف التصرفات التي قد تؤذي فيها حتى نفسها !!!.

وتتعرض المرأة في مجتمعاتنا إلى شتى مظاهر التضييق والإكراه الجنسي, فحال وجودها بمفردها في الشارع أصبحت مشروعا للتحرش والمضايقات وسوء الظن بها وبطلعتها, فهناك إحصائيات تؤكد أن 60% من الفتيات المصريات يتعرضن للتحرش الجنسي ابتداء من الملامسة لأجزاء الجسد وانتهاء بأقصاها وهو الاغتصاب التام لها, مرورا بالعنف الجنسي ضدها من الزوج وخاصة في البيئات الفقيرة والمتخلفة, والتي ترى في المرأة موضوعا جنسيا لا غير ويجب أن تستجيب لرغبات الرجل متى ما شاء وكيف ما اتفق بعيدا عن الرغبة للطرف الآخر, إلى جانب ظاهرة الاغتصاب واستخدام القوة وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بالضحية, وتشير التقارير الأمنية المصرية أن هناك ما لا يقل عن 27 حالة اغتصاب يوميا, أي ما يعادل 10000 حالة سنويا ” نقلا عن الانترنيت “, كما تنتشر حالات الاغتصاب في دول المغرب العربي وفي لبنان وفي العراق ” وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي له “, وكذلك في الدول الخليجية حيث ينتشر الاغتصاب في أوساط الدائرة القريبة للضحية, كسائق الأسرة أو الخادم ومن محيط العائلة والأقارب أو ذوي المناصب وغيرها. وعادة لا يجري في مجتمعاتنا التبليغ عن جرائم الاغتصاب نظرا لارتباطها بمفهوم شرف المرأة وأسرتها وعشيرتها, وخاصة في مجتمعات مسلمة تتدعي التدين, وعادة ما يلقى اللوم على المرأة باعتبارها هي مصدر الإغراء والمسبب لذلك !!!!.

ورغم تعرض المرأة في مجتمعاتنا إلى مختلف صنوف التعذيب والعنف الجسدي والنفسي والأخلاقي, إلا أن العنف الرمزي هو أكثر الأشكال ضررا وإيغالا في معاناة المرأة, وهو عنف غير فيزيائي, ويتم أساسا عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والايديويوجيا, وهو كما يصفه بورديو بأنه ” شكل لطيف وغير محسوس من العنف “, وهو غير مرئي بالنسبة للضحايا أنفسهم. كما أن العنف الرمزي يمارس على الفاعلين الاجتماعيين بموافقتهم وتواطئهم, ولذلك فهم غالبا ما لا يعترفون به كعنف, بحيث أنهم يستدمجونه كبديهيات أو مسلمات من خلال وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية وأشكال التواصل الاجتماعي. فالتربية “الذكورية ” ابتداء من البيت والنشأة الأولى وما تتركه من انطباعات سيئة عن الأنثى بأنها مخلوق ثانوي تلقي بضلالها على الكثير من السلوكيات اليومية المذلة للمرأة, والمدرسة وتخلف مناهجها وما تبثه من معلومات حول الفرو قات بين الجنسين واستخدامها بشكل سيئ لتوجيه الطعون ضد المرأة وأهليتها الاجتماعية, الفصل  بين الجنسين في المدرسة وخاصة في مراحله الأولى يؤسس منذ البدء للريبة وسوء الظن بالجنس الآخر, والاستعانة بالتراث السلبي وانتقاء أحداثه بطريقة متحيزة بما يضفي إلى تصور المرأة كائنا شريرا وناقصا ولا يحمل إلا المنعطفات والأحداث السيئة, الأفكار والإيديولوجيات السائدة التي تكرس الشائع واللامنطقي عن المرأة وعدم مقدرتها على تجاوز الواقع, الاستعانة بتفسيرات الكتاب المقدس والسنة النبوية بما يفضي إلى تكريس اللامساواة وتشويه قدرات المرأة وإمكانياتها, كما يرد في ” المرأة ناقصة عقل ودين “, وكذلك الفتاوى الدينية المختلفة التي تتدخل في التفاصيل الدقيقة للمرأة ووضعها في غير مكانها المناسب. أن هذا النمط من العنف الثقافي والتربوي الرمزي والخفي يجد له انعكاساته ليست فقط في ممارسات الرجال ضد المرأة, بل الأخطر من ذلك أن المرأة تعتبره قدرا وتتفاعل معه إلى درجة الدفاع الخفي عنه وعن مرتكبيه ” أي الضحية تدافع عن الجلاد “. وهذا الفرق الواسع بين العنف في مجتمعاتنا وبين العالم المتمدن, حيث في الأخير لن يلقى الدعم والإسناد من المنظومة القيمية والفكرية السائد وبالتالي هو مدان على نطاق واسع بما يحد من إعادة توليده, وهو بعكس ما سائد لدينا حيث يلقى التفسير والإسناد والإثابة في أحيان كثيرة !!!!!.

وهكذا تتضافر منظومة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والفكرية والأيديولوجية لاستلاب المرأة وامتهانها بشتى سلوكيات الإذلال والحط من القيمة الشخصية لها والاجتماعية, ولا تفوتنا في هذا المقام دور العوامل النفسية الذاتية المتمثلة ” بالعنف الكامن ” الذي يتخذ مسارات مختلفة في الشخصية الفردية والمجتمعية, فالعنف لدى الإنسان قل نظيره ووظائفه في الكائنات الحية الأخرى, ففي الوقت الذي يقوم الحيوان بسلوك العنف حفاظا على نوعه أو في البحث عن عوامل البقاء كالبحث عن الطعام والأمن, وهو نادرا ما يرتكب ضد أبناء الصنف أو النوع الواحد, كما عدوانيته محدودة بحدود غرائزه وما منحته الطبيعة من قدرات محدودة لا يستطيع الحيوان تجاوزها, بل أحيانا يستسلم عند الحاجة ويكتفي بالقدر المقرر له, غير أن العنف أو العدوان الإنساني يتجاوز هذه الحدود, فالإنسان هو الكائن الذي يقتل من اجل القتل وهو الوحيد الذي يشن الحروب والعدوان الهادف المنظم والاغتصاب والى حدود التشويه والتمثيل في المعتدى عليه وحتى محاولة إيذاء النفس والقضاء عليها بالانتحار, كما أن الإنسان وحده هو الذي تفنن وطور أساليب الأذى والعدوان والحروب, من أسلحة بسيطة إلى أسلحة متطورة, كأسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعه !!!.

وتشير الملاحظات التاريخية والتتبعية للسلوك الإنساني أن الجنس ” الذكوري ” هو الأكثر عدوانية من الأنثى, مما يترتب عليه الرغبة في إخضاع الجنس الآخر وإيجاد مختلف التبريرات الفكرية والأيديولوجية والدينية والثقافية لتكريس الإخضاع. وإذا كان تقسيم العمل وانقسام المجتمع إلى طبقات هو مصدر عدم المساواة الأول, فأنه جاء ليفتح شهية العدوان ويقدح شرارتها الأولى, والعكس من ذلك فأن إعادة توزيع الثروات وترسيخ مجتمعات العدالة يرمي من ضمن أمور أخرى إلى إعادة رسم طبيعة هذه الغرائز والحد من تأثيرها الضار وخلق نمط جديد من التطبيع الاجتماعي ولكن لا يعني بالضرورة إلغائها أبدا, حيث وجودها الملموس في مختلف مظاهر السلوك, كما أن هناك وجه أخر لغريزة العدوان, والذي يطلق عليه ” العدوان الرحيم أو المسالم ” الذي يتخذ طابع المنافسة السلمية من اجل البقاء وتحسين ظروف العيش, ولعل في ذلك تكمن انجازات البشرية الايجابية, إلى جانب وجهها الكالح المتمثل في الحروب والدمار وانهيار الحضارات. ولعل لتلك الأسباب شيدت الديمقراطية والأنظمة التعددية ومجتمعات العدالة بين الجنسين, ونبذت الدكتاتوريات والأنظمة الفردية بمختلف واجهاتها السياسية والدينية وعلى مر العصور من أجل الحفاظ على النوع الإنساني وإشاعة فرص المساواة بين البشر بصورة عامة وبين الجنسين بشكل خاص!!!!. 

أحدث المقالات