22 ديسمبر، 2024 11:24 م

المرأة والكوتا البرلمانية

المرأة والكوتا البرلمانية

تعد الكوتا النسائية أحد الحلول لرفع نسبة المشاركة السياسية وإشراك المرأة والأقليات في العملية السياسية مما يؤدي إلى تعزيز الديمقراطية وترسيخها في المجتمعات، والكوتا تعني ببساطة طريقة لتوزيع المناصب أو الموارد أو المقاعد البرلمانية، وتستخدم لتمكين المرأة والأقليات من الوصول إلى المناصب السياسية خاصة التشريعية منها.
والكوتا النسائية بدأت تظهر فعلي في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين عام 1995كمحاولة من المجتمع الدولي للتغلب على المشاركة الضعيفة للمرأة في الحياة السياسية، ومراكز صنع القرار، وأخذت المجتمعات بهذه الآلية لمحاولة تحقيق المساواة في البرلمانات من خلال أحدى الطرق الثلاث :
1-الكوتا القانونية أو الدستورية ومن خلالها يتم تخصيص نسبة من المقاعد البرلمانية لصالح المرأة وذلك من خلال القانون الانتخابي أو الدستور الرسمي للدولة ، ومثال على ذلك العراق الذي خصص نسبة 25% من مقاعد البرلمان للمرأة العراقية ، وقانون الانتخابات الأردني والذي خصص نسبة 10% من المقاعد التشريعية للمرأة .
2-الكوتا الترشيحية ، والتي يجبر القانون من خلالها الأحزاب السياسية على ترشيح نسبة محددة من النساء على قوائمها ومثال على ذلك قانون الانتخابات الفلسطيني لعام 2005.
3-الكوتا الطوعية والتي تتبناها الأحزاب في لوائحها دون نص قانوني ملزم مثلما هو الحال في العديد من الدول الإسكندنافية مثل السويد والنرويج.
و تأخذ الكثير من الدول خاصة دول العالم الثالث بهذه الآلية للتغلب على المعوقات التي تقف أمام تمكين المرأة ومشاركتها السياسية الناجحة ، ولعل من أهم هذه الأسباب التي تعيق مشاركة المرأة العادات والتقاليد والثقافة الأبوية والتي ترى أن الرجل هو الأقدر والأجدر على أن يكون عضوا في البرلمان خاصة في المجتمعات الريفية والقبلية التي ترفض خروج المرأة للعمل وبالتالي فهي ترفض العمل البرلماني وما يتطلبه الأمر من العمل إلى جوار الرجل ، وظهور المرأة العلني وظهور صورها، وتنقلها وأحيانا سفرها خارج نطاق منزلها وهو أمر ترفضه تلك المجتمعات جملة وتفصيلا، ولا يقتصر هذا الرفض على الرجال فقط في تلك المجتمعات لكن المرأة في كثير من الأحيان تكون أكثر رفضا لعمل المرأة البرلماني وتفضيلا للرجل الذي تراه هو الأجدر والأقوى ، كذلك يلعب العامل الاقتصادي دورا في قلة عدد السيدات في البرلمانات ،حيث أن كثير من النساء يفتقدن إلى الموارد المالية اللازمة لمساعدتهم في الوصول إلى المجالس التشريعية والتي يحتاج الوصول إليها في دول العالم الثالث إلى رف مبالغ مالية طائلة بما فيها من شراء الأصوات وتقديم الرشاوى الانتخابية وهو أمر يقلل من قدرة الكثير من النساء على الوصول للمجلس النيابي .
إن كل العوامل السابقة جعلت من الكوتا البرلمانية حلا مثاليا لتلافي كل تلك المعوقات والعمل على إيصال صوت المرأة ، ولكن هذا الحل يجب أن يكون مؤقتا وذلك لأن الكوتا البرلمانية في نظر الكثيرين تحتوي على العديد من السلبيات والتي يمكن ايجازها في النقاط التالية :
1-إن النساء اللواتي يصلن للمجالس التشريعية عن طريق الكوتا النسائية يصبحن أقل نفوذا في البرلمان مقابل الأعضاء الذين يعتمدون على أصوات الناخبين ، ويكتسبوا قوتهم من التفويض الذي منح لهم من قبل الناخبين.
2-يرتبط بالنقطة السابقة حقيقة ملاحظة أن أغلب النساء اللواتي يصلن بهذه الطريقة يصبحن أداة في يد من أوصلهن للمجلس النيابي سواء أكان النظام السياسي أم الأحزاب السياسية، وهنا تفقد المرأة دورها كمدافع عن المرأة وحقوقها وتتحول لمدافع عمن اوصلها حتى وأن تطلب الأمر اغفال أهمية الضغط على المجلس النيابي والنظام السياسي لاستصدار قوانين تساهم في تمكين المرأة و رفع الظلم الواقع عليها اجتماعيا وسياسيا ، بل وقد يصل الامر أن تشارك في الموافقة على قوانين تضر بمصالح المرأة وتزيد من الظلم الواقع عليها ، وبالتالي فالكوتا تحقق الزيادة الكمية لعدد النساء في المجالس التشريعية ولكن هذه الزيادة تصبح بلا فائدة لأنها لا تحقق أي تغيير في وضع المرأة ،وتزيد حدة هذه المشكلة في حالة وصول المرأة للبرلمان عن طريق الأحزاب السياسية الدينية والمتشددة فهنا التصويت يتم بصورة الكتلة حيث يجبر أحد الحزب في البرلمان على التصويت وفق التعليمات الواردة إليهم من خلال قيادة الحزب .
3- يرى بعض الباحثين أن الكوتا تحتوي على قدرا من التمييز ضد الرجل حيث أن المراة في هذه الحالة تعطي فرصا للوصول للبرلمان لا يحظى بها الرجل ، كما أن الكوتا الحزبية تستلزم حرمان بعض الرجال الحاصلين على عدد أكبر من الأصوات لصالح نساء حصلن على أصوات أقل ولكن القانون يجبر الأحزاب على منحهن المقاعد البرلمانية ،كما يرى البعض أن مثل هذه الطريقة تؤدي لحرمان الكفاءات من الوصول للبرلمان لصالح مجموعة من النساء لا تمتلك كفاءة مماثلة .
4-أن الكوتا في رأي هي حل مؤقت لا ينبغي الاعتماد عليه لفترات طويلة لأنه يقلل من المحاولات الحقيقية التي تبذل من أجل القضاء على المعوقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تتعلق بترشح المرأة وانتخابها ويجعلها رهينة في يد المشرع يمنحها وقتما شاء ويقللها وقتما يريد ، كما أن الكوتا تعطي طابعا نوعيا للتنافس من أجل الوصول للبرلمان ،فبدلا من أن تكون المنافسة بين المرشحين أيا كان نوعهم تصبح بين النساء بعضهن البعض مما يضعف من نفوذ المرأة في العملية السياسية ،حيث أن الاختيار هنا يكون وفق اعتبارات خاصة قد لا يكون منها الكفاءة والجدارة .