ثنائية خارج ثقافتنا
لطالما كان الحديث عن المرأة في السياسة مشدودًا بين قطبين: دعاة مساواة يطالبون بكسر “الهيمنة الذكورية“، ومعارضين يرون السياسة ميدانًا لا تحتمله الطبيعة الأنثوية. لكن هذه الثنائية العقيمة تتجاهل سؤالًا أعمق: ماذا يمكن أن تضيف المرأة في العمل السياسي كرؤية، كمنهج، وكقوة تغيير؟
إنها ليست معركة امرأة ضد رجل أو جنس مختلف على تعريفه يريد أثبات نفسه، بل قضية إنسان يحمل مشروعًا قادرًا على إعادة تعريف السياسة ذاتها، إنسان متميز في ثقافتنا رغم سوء الفهم والتفسير الراسخ فعلا من ثقافات دخيلة
حينما قال القرآن أن الشهادة بامرأتين ورجل كان يقول أنالمرأة ذكية موهوبة وهذا الموضوع أكرر ذكره لسوء فهمه، فلماذا امرأة واحدة لا تكفي،” هل رأيت لو أن والدتك غاضبة من أخيك وتحكي لك عنه، فإنها ستثير في نفسك تعاطف معها وموقف ضده، ولكن إن تصالحت معه ستقص ذات القصة ولكن بطريقة أخرى تجعلك تبتسم وتتعاطف معه، فما بالك لو أن احدى الشاهدات تحب المتهم أو المدان، إنها ستفعل كما فعلت حواء ستجد رواية تجعل منه بريئا، لكن الأخرى لا تحب نفس الرجل بنفس الصيغة فستعدل رواية امرأة تحبه، لم يقل القرآن إن تنسى إحداهن، بل قال أن تضل وهنالك فرق فهي ستذهب إلى الضلال، أما الرجل فلن يتقن حبكة الرواية بذات القدرة.“ في السياسة، هذه الموهبة الطبيعية تتحول إلى قوة كبرى في التفاوض، وبناء التحالفات، وحل الأزمات التي تتطلب قراءة دقيقة للمعطيات وتقديم حلول إبداعية.
الصبر والذكاء وأدوات التأثير
وتوسيعا لما ذكرنا فبحكم ما تمر به من تجارب نفسية واجتماعية مركبة منذ الطفولة وحتى الأمومة، بنوع من الصبر الاستراتيجي والذكاء العاطفي اللذين يمكن أن يكونا رأس مال قوي في العمل السياسي. فهي أكثر ميلًا للتأني قبل اتخاذ القرارات، وأقل انجرافًا وراء نزعة المغامرة غير المحسوبة التي كثيرًا ما طبعت تاريخ العمل السياسي الذكوري، هذا الصبر مقترن بقدرة عالية على الإقناع، ليس الإقناع القائم على الصخب والمغالبة، بل إقناع هادئ ينفذ إلى الآخر عبر فهم دوافعه، والتعامل مع تناقضاته دون صدام مباشر. هذه القدرة التي ذكرناها تجعلها أحيانًا بارعة في إدارة المواقف المتناقضة وتحويلها إلى مساحات مشتركة، ليس عن طريق الكذب أو التلاعب، بل بذكاء إدارة توزيع عناصر المشهد وفق رؤيتها.
المنهج وليس الأنوثة
عندما نطالب بتمكين المرأة سياسيًا، يجب ألا يكون الدافع مجرد تصحيح مظلمة متخيلة مستوردة، أو إرضاء اتجاهات فكرية حديثة، بل لأن حضورها قد يحمل منهجًا مختلفًا في الحكم والإدارة. هذا المنهج يقوم على ما يلي:
تحديات وفرص
التجارب الحديثة –من المستشارة الألمانية ميركل إلى رئيسات حكومات الدول الإسكندنافية– أثبتت أن المرأة حين تتصرف وفق رؤيتها الخاصة، تحقق نتائج قد تفوق ما ينجزه النموذج التقليدي.
هذا لا يعني أن الطريق أمام المرأة في السياسة مفروش بالورود. لا تزال الثقافة الذكورية، ومقاومة التغيير، وحروب المصالح عوائق حقيقية. لكن هذه العوائق لا يمكن مواجهتها بخطاب “ضد الرجل” أو باللعب على وتر المظلومية، بل بتقديم نموذج أداء مختلف يجعل المجتمع نفسه يرى قيمة هذا الحضور، ما نبهني لهذا المقال ما قرأته في وصف السيدة ميساء خيري وهي سيدة أعمال تعمل في السياسة، “أنها امرأة لا تعرف التراجع“…. الحقيقة أن هذا الوصف ينتقص من اهم ميزة في المرأة وصلاحيتها للعمل السياسي، فالكلمة ليست مدحا لأنها ترفع ميزة كونها مهارة سياسية أن تتراجع وتنسحب وتقف، في حين الملاحظ لنشاط السيدة يجد أنها مؤهلة وكاريزما جذابة ومتكلمة وهي رقم كبير قياسا لمن يترشحون للعمل السياسي في هذه الفترة مثلها والدكتور محمد خليف نزال كأول دخول للبرلمان يشيرون نحو الأمل.
من خلال تجربتي الشخصية وجدت إن المرأة عندما تقتنع بأمر لا ينزعها عنه أي معاناة أو تحديات، لذا ينبغي أنيكون هذا دافعا لإنتاج رؤية للمجتمع وهو ما ينقص الساسة الذين هدفهم قدر ماء على النار وحسب.
خاتمة: السياسة كفن للتأثير
المرأة التي تدخل السياسة وفي يدها رؤية، وبذهنها منهج، ليست مطالبة بأن تكون صورة للرجل أو نقيضًا له. إنها مطالبة بأن تكون ذاتها: تحمل خبرتها الإنسانية الطويلة، وصبرها على التفاصيل، وذكاءها في إدارة التعقيد، لتعيد تعريف العمل السياسي ذاته.
النجاح السياسي ليس مرهونًا بجنس الفاعلين فيه، بل بقدرتهم على تجاوز انقسامات الهوية نحو بناء مشروع جامع، والمرأة بكل ما تحمله من مقومات قادرة على أن تكون مهندسة هذا المشروع إذا هيأت مفاصل المجتمعالفرصة.
السياسة في جوهرها إدارة، إدارة التباينات، وتحويل التعقيد إلى حلول. المرأة بحكم تكوينها الاجتماعي وتجربتها الإنسانية الطويلة في مواجهة تحديات الحياة، تمتلك خصائص تجعلها مرشحة لابتكار مقاربة سياسية أقل خشونة وأكثر استدامة. فهي ليست مطالبة بالدخول إلى ساحة السياسة كـ «امرأة تواجه رجلاً»، بل كإنسان يحمل رؤية ومنهجًا قادرين على إقناع الآخرين، وصناعة الفارق فالرؤية تتكلم، هي ليست رمز حضور في عمل سياسي جاد ولا مشاكسة من اجل الظهور بل مفاوضة وتصنع الحدث.
لننتقل من سؤال “هل تستطيع المرأة؟” إلى كيف يمكن لحضورها أن يصنع سياسة جديدة، أكثر توازنًا وإنسانية واستدامة؟