في روايته المعنونة ” ذلك الجانب من الجحيم “يحاول الكاتب علي السباك أستثمار الواقع العراقي بكل تفاصيله ومافيه من معاناة وألم وتحويله إلى أدب من خلال شخوص روايته والتي مثلت كل شخصية فيها عالما متكاملا مستقلا داخل نسيج الرواية وبالأخص بطلها والشخصية المحورية فيها مهند والذي نجد فيه صورة حية للمجتمع العراقي بكل تناقضاته، ومعاناته وبطولاته المغمسة بالوجع والحرمان والكبت، فمن محارب في جحيم النظام الدكتاتوري الى صحفي في نظام سياسي يدعي الديمقراطية والحرية كان بطل الرواية يجاهد في عالم ضيق صنعته مسؤولياته العائلية كزوج واب وابن وحيد لينقذ ما يستطيع من حياته التي ظل الآخرون طوال عمره يتحكمون بها ويحركون خيوطها. .
نثر الكاتب علي السباك روايته على سطح ١٦٢ صفحة وسيجد القاريء في كل شخصية فيها شيئا منه، او من اناس يعرفهم وهذا يحسب للكاتب . ويحسب للكاتب أيضا هذا الحضور الطاغي للمرأة في الرواية ولكن هذا الحضور الذي احتل مساحة كبيرة من ” ذلك الجانب من الجحيم” كان سلبيا وباهتا على الاغلب حيث ظهرت المرأة بصورة نمطية ومحددة فكانت الام والزوجة “والخليلة” وماعدا ذلك تكاد تخلو الرواية من المرأة الصديقة، الزميلة، او المرأة القيادية القوية فتجد المرأة مرتبطة ومرتهنة بشخصيات الرواية الذكورية والتي لا تنظر إليها الا من زاوية الاثارة و الجنس!! .. أضف إلى ذلك أن كل الشخصيات النسائية في الرواية كانت مأزومة ومضطربة ومهزومة حتي في نموذج المرأة الأم ” ام البطل” وصفها في ص٢٧ قائلا؛ “لم يعرف الطفل ابن السادسة حينها سوى بكاء والدته وندبها المتواصل لحظها العاثر””
اما شخصية الزوجة زوجة الشخصية المحورية مهند فنجده يصفها قائلا؛ سماح تلك المرأة الصامتة، الفاترة الملامح تتحول كل يوم إلى صندوق يخبئ في جوفه ألاما ووساوس وانفعالات، ويحبس في داخله غضبا يسمعه كل من يمعن النظر في عينيها المغمضتين على أسى مر”
ومن الواضح أن كل هذه الأوصاف والإحكام السلبية عن المرأة هي نتاج النظرة الكلاسيكية السائدة في المجتمع العراقي والتي كان تأثيرها واضحا في الرواية وبالاخص فيما يتعلق بشخصية الخليلة” التي كانت تهرب من عنف المجتمع وذكورية العادات والتقاليد لاحضان البطل ولكننا وجدنا الكاتب ينهال عليها بسياطه ويجردها من روح الانسان الباحث عن الرفيق والسند الروحي وحولها إلى امرأة تسعى فقط وكل هدفها هو اشباع رغباتها الجسدية وهي ليست الشخصية الوحيدة التي ينظر اليها بهذه الطريقة فكل الشخصيات النسائية في الرواية صورها الكاتب ساعية إلى هذا الهدف..ومن الأشياء المثيرة للانتباه هي اختيار اسماء النساء في الرواية وماتنطوي عليه من اسقاطات نفسية حيث ان الزوجة حملت اسم سماح وهو انعكاس لإحساس الرجل بالذنب تجاه المراة ” الزوجة” في حين حملت “حبيبة البطل اسم فاتن وهو اسم مشتق من الفتنة والاثارة التي يجدها كل رجل في الحبيبة والخليلة
ولكن كل ماذكرناه لا يعني غيابا كليا للصورة المشرقة للمرأة في الرواية فهي حاضرة في مواضع كثيرة ومنها ” فيتلاشى الاثنان في بعضهما البعض مثل حلمين او شعاعي نور يطوفان في الأفق يبعثان البهجة والحبور بوجهه المكان وشفاه الأشياء” في هذا النص وهذا الوصف للعلاقة التي كانت تربط البطل باحدى حبيباته يشعرنا الكاتب اننا أمام مشهد أو صورة للجنة وهذا هو الوجه الأكثر اشراقا للمرأة في الرواية فقد جعلها الكاتب ترياقا أو مكانا مخفيا سريا يعيد فيه الرجل ترميم تصدعات حياته العبثية التي يعيشها في واقعه واحلامه ، وكانه يؤكد لنا ان “في كل جانب من الجحيم ثمة جنة تشيدها أمرأة”