18 ديسمبر، 2024 3:01 م

المرأة عقدة السلفيين وغوايتهم

المرأة عقدة السلفيين وغوايتهم

الكتب المنتزعة من مجلدات تراثية، تلد كتيبات توزع مجانا وتؤسس النظرة السلفية المهينة للمرأة، وتتبناها نخبة تتسع لتشمل كل من قرأ كتابا في الفقه، فيعلن نفسه فقيها.

نسفت الثورات العربية طبقات من الغبار والأوهام، إذ فاجأت الكثيرين، خصوصا المستشرقين المحليين، بوجود الملايين من السلفيين. وطرح الذين عاشوا أعمارا من الاستعلاء الثقافي والاجتماعي سؤالا ساذجا: من أين جاءت كائنات الجلابيب القصيرة واللحى المصبوغة، المرسلة من غير تهذيب؟ ولم يكن السلفيون إلا نحن، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وهم مغتربون نفسيا عمّن حولهم، ويلتمسون العزاء في حديث “بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء”.

لم يفاجئني السلفيون إلا بنبرة الصلف وابتسامات لزجة مصطنعة لا تخفي الزهو بما يظنونه درجة أعلى من الإيمان عن غيرهم من المسلمين. كانوا متواضعين يعلنون تجنب السياسة، ويستشهدون بقول الإمام محمد عبده “لعن الله السياسة وساس ويسوس وسائس ومسوس، وكل ما اشتق من السياسة فإنها ما دخلت شيئا إلا أفسدته”.

ويكفي الاستشهاد بكائن اسمه وجدي غنيم، سمعت أشرطته في الثمانينات، وكان في مرحلة الاستضعاف يؤدي دور واعظ عصري خفيف الظل، وكشفت الثورة كراهيته للمختلف في الدين والتوجّه، وأزاحت قناعا عن غلظة ملامحه وقتامة روحه، إذ يخوض في السياسة خوض حاطبي الليل فلا يفرق بين حكومة يعارضها ووطن لا يصح التحريض عليه، وجيش يعلن أنه “أنجس أجناد الأرض. والله العظيم أنجس وأحقر وأقذر أجناد الأرض”، داعيا إلى السيطرة على مواقع الجيش وسرقة السلاح.

أنساني هذا “النموذج السلفي” ما نويته من البدء بإكبار أم المؤمنين خديجة بنت خويلد. كانت أفضل نساء قومها عقلا ونسبا وثروة، ولم تستجب لضغوط سادات قريش للزواج، ولم تمنعها كبرياؤها من قرار الزواج بشاب خبرت أمانته، وحدثت صديقتها نفيسة بنت منية بما في نفسها، فذهبت إلى محمد تفاتحه في الزواج من خديجة.

في “اللغط” الإسلامجي والعلماني بمناسبة اليوم العالمي للمرأة يتم تجاهل اسم السيدة خديجة، فذكرها ينسف تصورات “فقهية” جاهزة، ولن أعود في هذا الشأن إلى كتب التراث، وإنما إلى بعض مما عثرت عليه في مكتبة صغيرة تشكلت قبل التحاقي بالجامعة، وتلف منها ما تلف، وضاع ما ضيعه عبث موجات من أطفال العائلة، فضلا عن استعارات تستبيح عدم رد الكتب، ولو كانت تنشد إقامة ما يسمى الدولة الإسلامية والشريعة وفي المقدمة منها امتهان المرأة. وسأتفادى التعليق على ما أنقله من نصوص:

في كتاب “100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي” (1983) للشيخ محمد متولي الشعرواي، إعداد عبدالقادر أحمد عطا، سؤال عن حكم زواج غير المحجبة “امرأة تقيم فروض دينها، ولكنها لا ترتدي الزي الإسلامي، وهي مقتنعة به، ولكنها لا تقدر عليه، فهل يجوز الزواج بها؟”. وبدلا من رفض السؤال وأنه غير لائق، جاء الرد “فاظفر بذات الدين تربت يداك”، أما حكم الزواج بها فجائز.

هل يختلف هذا عن دعوة صبحي صالح محامي الإخوان، في مؤتمر للجماعة بالقاهرة يوم 20 مايو 2011، شباب الإخوان للزواج من “الأخوات”؛ لأن “زواج الأخ من بنت غير إخوانية، ولو كانت محترمة ومتدينة ومن بيت طيب، يعطل النصر”. وعزز كلامه بآية “أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير”، وأحكم النص قائلا إن الأدنى هو غير الأخوات.

في كتاب “هذا حلال.. وهذا حرام” (1980) لعبدالقادر أحمد عطا بضع صفحات عما يحرم كشفه من المرأة وما يباح، وبعد سلسلة من العنعنات خلص إلى عدم جواز كشف الوجه والكفين وضرورة ارتداء “الجلباب، وهو فوق الملابس العادية للمرأة وفوق الخمار، وهو يستر جميع بدن المرأة من أعلى رأسها حتى قدميها، ولا تظهر منه سوى عين واحدة”.

لم أعثر على كتاب “جريمة الزواج بغير المسلمات” لعبدالعال محمد الجبري، ولكني وجدت كتابه “المرأة في التصور الإسلامي” (1981)، وفيه يقول إن المرأة لا يجوز لها أن تظهر لأعمامها وأخوالها إلا الوجه والكفين؛ لأنهم “يصفون لأبنائهم ما يرونه من جمال بنات إخوتهم حرصا على تحبيبهن إلى قلوبهم ليتزوجوهن، فيهيجون جنسيا”.

في كتاب “مشكلات الشباب الجنسية والعاطفية تحت أضواء الشريعة الإسلامية” (1984) لعبدالرحمن واصل تحذير من “دعاة الانحلال والتحلل، فإنهم يسرقون الفضيلة.. فهم اليوم يدعون إلى تعليم المرأة، فإذا تم ذلك، فدعوة إلى السفور”، وسيصل الأمر إلى “الشذوذ الجنسي.. وعبيد الغرب عندنا في ديار الإسلام قد نجحوا في هذا المضمار نجاحا لا نظير له”. وفي هذه النتيجة المتخيلة اتهام للإسلام بالهشاشة، وللمسلمين بقابلية التأثر بأي دعوى. والمجتمع لدى المؤلف يشبه المرأة تلك المخلوقة الناضرة المتألقة، الجوهرة المكنونة، “القارورة في ضعفها لا تستطيع وحدها أن تكابد مشقات السفر وتبعاته، فهي في حاجة إلى من يعينها ويحميها من سباع الطريق وذئابه”.

في كتاب “منكرات الأفراح وآثارها السيئة على الفرد والأمة” (1984) يذكر محمود مهدي الإستانبولي أن نكاح الكتابية مذموم؛ “لأنها تأكل لحم الجنزير وتشرب الخمر وتربي أولادها تربية بعيدة عن الإسلام”، وأنها إذا أرادت الذهاب إلى بيت عبادتها فيجب أن يكون ذلك خفية عن أولادها، “وإذا علم الزوج أنها لا تتقيد بذلك، فيحرم عليه الزواج بها”.

في كتاب “فتاوى وأقضية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب” (1985) يتجاهل محمد عبدالعزيز الهلاوي التطور الأخلاقي البشري، فيورد أسئلة تدخل في باب البحث التاريخي، ومنها “هل للمرأة أن تتسرى بعبدها؟” ويتفانى في الإجابة فيورد قول امرأة إنها ظنت أن الغلام يحل لها كما يحل للرجل ملك اليمين، ولكن عمر عاقبها بتحريم ما أحل الله، “والله لا أحللك لحر بعده أبدا”، وأمر العبد ألا يقربها. وفي واقعة أخرى ضرب العبد، وأمر ببيعه.

هذه الكتب، المنتزعة من مجلدات تراثية، تلد كتيبات توزع مجانا في المساجد وتؤسس النظرة السلفية المهينة للمرأة، وتتبناها نخبة دينية تتسع لتشمل كل من قرأ كتابا في الفقه، فيعلن نفسه فقيها، وينشر شرحا لمتن كتبه “فقيه” سابق. ومن هذه الكتب، ومع حرص السلفيين على جني ثمرة ثورة كانوا يحرّمون الاشتراك فيها، عقد حزب “النور” اليميني عام 2012 “المؤتمر النسائي الأول” بحضور ياسر برهامي وعماد عبدالغفور وحازم شومان، في غياب النساء ولو بالنقاب.

على الجانب الآخر، لا يقل امتهان نخب علمانية للمرأة، وهذا حديث ذو شجون.

نقلا عن العرب