23 ديسمبر، 2024 11:19 ص

المذكر والمؤنث اجتماعيا

المذكر والمؤنث اجتماعيا

في الاسطورة والرواية والقصة والشعر ، كذلك في المسرحيات والأفلام والنحت والرسم والموسيقى ..
كذلك ،عندما نتصفح المستمسكات الثبوتية للأفراد، عندما يملئ أحدنا الاستمارات المطلوبة في كافة المراجعات، في كل البيانات المقدمة رسميا وشخصيا، نجد مطلوب الاجابة على حقل الجنس، تكون الاجابة : ذكر أو أنثى. هل هذا صحيح ؟ ماذا عن الأجناس الأخرى، لماذا لا يكون الاستفسار أصلا بكلمة ما هو النوع بدلا من الجنس، وما هو الفرق ؟ .
الحديث هنا، ليس عن من يتصنع مغايرة جنسه من الناحية الجراحية أو الكمالية أو السلوكية، لا عن الخلل البيولوجي أو الوراثي الذي يزود به المولود رغما عنه، بل عن الاستخدام القسري لهذا المصطلح أو المفهوم الاجتماعي.
عالم النفس الامريكي روبار ستولر يعود له الفضل في تعميم مفهوم الجندر سنة 1968 . كان هذا المفهوم مستعملا قبل ذلك منذ بداية الخمسينيات بين علماء النفس الامريكيين لفهم الانفصال بين الجسد والهوية، الموجودة عند بعض المرضى.
 لعل منذ ذلك الوقت بدأ التفكير في عدم وجود توافق حقيقي بين النوع (مذكر / مؤنث) والجنس (رجل / امرأة ). كذلك، يجب أن تعرف، ( المخنث) غير (الخنثى) وإن كانت الكلمتان من جذر واحد. أما (الخنثى) فهو الذي له ما للرجال وللنساء جميعا، بحيث أن هويته الجندرية غير واضحة لأسباب بيولوجية. أما المخنث فهو رجل له سلوك أنثوي : أي يتثنى ويتكسر كالنساء…الخ.
في الوقت الحاضر يبدو التصرف غير المنطقي واضح من خلال الاستخدام الجنساني للهويات بالتعريف وصولا الى الإساءة. فالهوية الجنسية الثابتة من جنس (رجل / امرأة) أو نوع ( انثى / ذكر ) المفروض لم تعد تفسر كل ما يخالفها ويناقضها من الهويات الجنسية الأخرى المضطربة كالمخنث والمسترجلة والخنثى والخصي .. التي ليس للفرد دورا فيها ـ كما اعتقد ـ التي تفرزها البيولوجيا غالبا والحوادث والأسباب الأخرى.
هذه التسميات رسخها الاستعمال الشعبي غير العلمي، انها تسميات مولدة بضرب من المقايسة قائمة على التشبيهات. لعل لهذا العنف اللفظي الرمزي ما يبرره حسب حركة التاريخ، لكن اصبح بالمقدور التمييز بينها وبين النوع الاجتماعي أو الجندر Gender  بوصفه مقولة ثقافية، سياسية، اجتماعية، وبين الجنس Sex   باعتباره معطى بيولوجيا ثم الى تحديد المثلية أو التغايرية..
ليس الماضي في مؤسسة الذكورة أو الفحولة سوى ميراث طويل من الهيمنة الذكورية وما يرتبط بها من عنف وقسوة مادية ورمزية. أن المؤسسة إذا فارقت شرطها التاريخي والاجتماعي التنويري الذي اوجدها أصبحت آلة تسحق الذي أمامها، غير معتبرة أن الإنسان مهما كان جندره أو جنسه أو نوعه من حقه أن يعامل على أساس أنه غاية لا وسيلة..أغلى من كل شيء، له قيمة قصوى. وفق منظومة تجعل من الحرية والمساواة في الكرامة والحقوق بين الناس جميعا دون تمييز، قاعدة اخلاقية وفلسفية ورد ذكرها في الفصل الأول من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 : يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء.
مثلا، في حالة تطبيق أركان القياس الفقهي ( الأصل، الفرع، العلة، الحكم) ونجربه على هذه التسميات حتى نقف على آلية توليدها. فإذا ما اعتبرنا أن الأصل هو الذكر والأنثى، والفرع هو كل من كانت هويته الجنسية مضطربة كالمخنث والمذكرة، ثم اعتبرنا أن العلة إنما هي علة الشبه، بما أن المخنث شبيه المرأة والمذكرة مشبهة بالرجل، كان الحكم بمقتضى ذلك القياس تعريفا سلبيا، قد سلب فيه المخنث والمذكرة نوعهما الاجتماعي أو جندرهما كما نقول اليوم فهما في نهاية الأمر ليسا بالذكر ولا بالأنثى، بل يقصي فيه المتلفظ، كل ما من شأنه أن يحدث الاضطراب في هويتهما، والأساس الذي تنهض عليه تلك الهوية، وقد وصل التشويش الى انتهاك ابشع صور الأذى بشخوصهم. 
لقد جاء في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، لكن جاء فيه أيضا أن الله خلق ( الذكر والأنثى). فإذا كان النظام الإلهي الجندري ينبني على ثنائية صريحة لا يقبل جنسا ثالثا، وقد طردهم القرآن من ساحته، أين يذهب هؤلاء، وهل نضيف نوعهم أو جنسهم في هوياتهم الثبوتية والاستمارات البيانية والمعلوماتية ؟.
* باحث اجتماعي وكاتب