{قبل قراءة المقال أقول قد أعجز عن إيصال فكرتي ولكني أرجوا أن لا تسيء الظن بي كل ما في الأمر إني حاولت أن أخرج من (العقل الجمعي) و النمطية المفروضة علينا!}
لو لخصنا الموقف السياسي العراقي الحالي بعد 9/6/2014 وإحتلال الموصل من قبل (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) والتعقيدات العسكرية والسياسية التي تلت ذلك بكل أطرافه المؤثرة (الداخلية والخارجية) ومن مختلف أوجهه وجوانبه لوجدنا انه يتجه بشكل مضطرد نحو تقلص (الدور الوطني) والمحلي وتعاضم (الأدوار الإقليمية) وأبرزها إيران بفعل مشاركتها الفاعلة في الحشد الشعبي وتحت شعار الدفاع عن الأراضي المقدسة ودفع خطر الإرهاب و كذلك (الدور الدولي) وكلها تحت المظلة الأمريكية التي تملي إرادتها على كل الأطراف تحت ذريعة (مكافحة) الإرهاب وإنقاذ بغداد المهددة من (عصابات داعش).
ولكن المصلحة الغربية تتناقض مع المصلحة العراقية فإذا كان شعار العراقيين (“طرد” الإرهاب) فإن هذا الشعار يقلق الدول الغربية وأمريكيا على وجه الخصوص وغير معروف في المصطلحات السياسية الخاصة بالإرهاب فهم يريدون (“القضاء” على الإرهاب) أو بموجب المصطلح السياسي الأمريكي (“مكافحة” الإرهاب) وفي ذلك فرق كبير جداً خصوصاً إذا ما عرفنا إن (الإرهاب) ليس دولة يمكن إحتلالها أو إسقاطها والقضاء عليها ! بل أقصى ما يمكن فعله تجاه ما إصطلحت عليه أمريكيا بالإرهاب (من شاءت أن تصفه إرهابي فهو إرهابي) هو (مكافحته أو دحره) لذا فهم أكثر أمانة ودقة منا نحن الشرقيون في إستخدام (المصطلح السياسي “الرسمي) فهم يعرفون تماما إن (ظاهرة الإرهاب) لا يمكن القضاء عليها وهي تنموا بسرعة أكثر من سرعة إستاصالها (طالما بقت ظروف نموها) لذا فهم يميلون إلى مصطلح (مكافحة الإرهاب) كمكافحة الأفات الزراعية سعياً للقضاء عليها . و (طرد) الإرهاب يعني تخليص منطقتنا منه ودفعه من حيث أتى وقسم كبير منه أتى منهم لذا فإن ذلك غير مناسب تماماً لرغباتهم . وهم يبذلون الجهد في تطبيق سياسة (الإسفنجة) أو (الثور الإسباني) التي تقتضي تجميع كل (أعداء أمريكيا) في مكان محدد ومحصور في رقعة جغرافية بعيد جداً عن أمريكيا وتوفير ظروف مقتلهم هناك والقضاء التدريجي على أكثر ما يمكن منهم وجرهم لبؤرة صراع محددة ومختارة بدقة وعناية كلما نمت أطرافه جذبوها إلى ساحة الصراع هذه و قطعوها وهكذا…!.
وهم يفضلون أن يتولى مهمة الحرب على الإرهاب بشكل عملي وفعلي في تلك البؤرة البعيدة من غير الأمريكان وهم يتولون التخطيط والدعم الفني واللوجستي والمخابراتي والجوي والتدريب وهي مهام ليست بالبسيطة ولا يقدر عليها اطراف الصراع المحلية (العراقية أو السورية) المختلفة عدا الدول الغربية وامريكيا المتحضرة والتي تمتلك التقدم التكنولوجي والحريصة جداً على حماية مواطنها ومصالحها وهم صريحين في ذلك ويفكرون مائة وخمسين مرة قبل ان يدفعوا جندي امريكي واحد يتمتع بحصانتة لا يتمتع البرلماني في بلادنا المقهورة المغلوبة المغيبة ؛ واستعير نص صريح في ذلك للرئيس الأمريكي قاله بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر، 2014 وهو يتكلم (عمّا ستقوم به الولايات المتحدة مع أصدقائنا وحلفائنا للحط من قدرة الجماعة الإرهابية المعروفة باسم داعش، وفي نهاية المطاف القضاء عليها. إننا سنزيد دعمنا للقوات التي
تقاتل هؤلاء الإرهابيين في الميدان. يوم 1 حزيران/يونيو أصدرت توجيهاتي بإيفاد عدة مئات من العسكريين الأميركيين إلى العراق لتقييم كيف يمكننا دعم قوات الأمن العراقية على أفضل وجه. والآن، بعد أن استكملت هذه الفرق مهمتها وشكل العراق حكومة، سنقوم بإرسال 475 عسكريًا آخر إلى العراق. وكما ذكرت آنفا، هؤلاء العسكريون الأميركيون لن يشاركوا في أية مهام قتالية ولن نستدرج لحرب برية أخرى في العراق. لكن ثمة حاجة لهؤلاء العسكريين لمساندة القوات العراقية والكردية في مجالات التدريب والتخابر والعتاد. كما أننا سندعم جهود العراق لتشكيل وحدات الحرس الوطني لمساعدة المناطق السنية على تأمين تحريرها من سيطرة داعش.) فأمريكيا لن (تستدرج لحرب برية) وعلى العراقيين القيام بذلك .
أما إذا واتت الضروف أمريكيا وقام بهذه المهمة من من مصلحتها إضعافهم ليزدادوا حاجة لها فيكون ذلك أفضل ومن الأفضل أن يقوم بهذه المهمة مَن مصلحة الإدارة الأمريكية (الذكية الناعمة) إضعافهم والأفضل من كل ذلك أن يقوم بجزء من هذه المهمة (أعداء أمريكيا التقليدين) وهم في مثل حالنا في العراق الإيرانيين لذا ومرة أخرى تصدق الإدارة الأمريكية القول وعلى لسان رئيسها (بإن من حق إيران الدفاع عن نفسها من خطر الإرهاب ؛ وإن الرئيس الأمريكي سيستعمل الفيتو لإيقاف أي قرار من الكونجرس يهدف إلى فرض عقوبات جديدة على إيران !) ويصحب (كيري) (ظريف) بعد أن التقيا (معا) على هامش منتدى دايفوس الإقتصادي لمدة ساعة كاملة (لقاء غير رسمي!) في جولة حرة وعلى انفرادً ليسيرا في أحد أزقة دايفوس الباريسية بعيداً عن أعين العذال لمدة ربع ساعة أخرى وكلها غير رسمية (طبعاً) (وما محبة إلا من بعد عداوة) ؛ بل أكثر من هذا حذر الموساد الإسرائيلي واشنطن من أن مشروع قانون فرض عقوبات على إيران من الكونجرس سيؤدي إلى تقويض المفاوضات النووية مع طهران، وذلك خلافا لموقف رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بهذا الشأن.!
ولكن إضعاف إيران عسكرياً وأمنياً وإقتصادياً وتوريطها في العراق سيعزز المفوضات النووية وامريكيا تعرف أكثر منا أن إيران لن تقاتل (داعش) لوحدها في العراق وإن ذلك قد يدفع أطراف (عراقية متعددة) لرفض هذا التدخل بذات القدر الذي يدفع أطراف (عراقية) للترحيب به ودعمه وامريكيا (تغري) إيران أكثر لتحقيق كل أحلامها في العراق . نعم من المؤكد أن كل هذه المغريات لا تجروء الإدارة الأمريكية على تقديمها إلى إيران لو لا أنها تعرف تماماً نهاية هذا السيناريو الذي أعدته مسبقاً والذي سيوقع أكثر من عصفور في الشباك الأمريكية ولذلك تفضل بقاء الكونجرس في هذه المرحلة بعيداً عن الملف الإيراني !(كما أعلنت ذلك صراحة)
والآن لننظر إلى مشهد الدموي الوحشي في العراق : مليونين ونصف مهجر داخل العراق في ظروف غير آدمية وأكثر من كارثية فوضى داعش تجتاح أربع محافظات عراقية على الأقل والناس بين مطرقة داعش واعدائها تدخل داعش تقتل أعدائها تخرج داعش وتدخل المليشيات والحشد الشعبي فتقتل أعدائها والبيوت تتفجر من كل الأطراف في مشهد عبثي والقتل في كل الأطراف والكل يحرض على القتال والقتل والدم في مشهد قطيعي متوحش والمنتصرين يتكبدون الآلآف القتلى والمهزومين كذلك ولا يوجد (لحد الآن) منتصرين (الرقم المعلن لخسائر الحشد حتى الآن ما يقارب الخمسة الآلآف قتيل ) عدا الجرحى وعدا قوات البيشمركة وعدا القتلى من الأهالي الأبرياء وذنبهم الوحيد أنهم عراقيون ! وإيران تعلن عن مقتل قادة إيرانيون كبار (شهداء في الدفاع عن الأراضي المقدسة في العراق) ! وعشرات بل مئات من أمراء الحرب ورعاياهم يقتلون كل يوم والحرب مستمرة و سجال و(المذبحة) مستمرة والغارات مستمرة والقصف المتبادل مستمر والتهجير مستمر ولا عودة ولا عزاء للمهجرين ! ولا عزاء للعراق ومرة ثالثة تكون الإدارة المريكية اكثر كل الجهات صدقاً فهي تصرح كل يوم (إن الحرب على الإرهاب لن تنتهي بسهولة وستستمر
ما لا يقل عن خمسة سنوات!) وبالمناسبة عشر سنوات هي لا تقل عن خمسة سنوات ! وإذا إفترضنا أن الإدارة الأمريكية هي الأقدر على تحديد نهاية هذه الماساة بفعل مقدرتها وأمكانياتها وقيادتها المطلقة (لعملية القضاء على الإرهاب) فماذا سيحدث لشعبنا بعد ثلاث سنوات أو خمسة من هذه الحرب المجنونة ! أو (المقدسة) ثم كيفية نضمن تداعياتها الإنسانية والإجتماعية والطائفية ؟! وإذا ما وفرنا وقود الحرب وقنابلها وطائراتها ودباباتها فمن أين نوفر (دمائها)؟ وإذا عوضونا عن خسائرها المادية فمن يعوض العراق عن هولاء الشباب ورود العراق ومستقبله؟ ومن يعوض لنا هذا ضياع المستقبل وتاخرنا عن ركب الحضارة التي يتسابقون في امريكيا والغرب في صناعة (الرفاهية) كما نتنافس نحن في صناعة الإرهاب والإرهاب المضاد والتخلف ؟ ولماذا يستوطن الموت في ربوعنا وقرانا التي (كانت آمنة) ونزداد تخلفاً وموتاً ولا مكان للحياة هنا و (سعيدنا المحظوظ) من يجد فرصة للجوء الإنساني حتى لو في صقيع كندا او غابات أستراليا ! تاركاً بلده في هذه التراجيديا الملهاة !…لماذا ؟!
لماذا نهجر العراق أو نهجر منه أليس هو مهد الحضارات وهو من علم الإنسانية القراءة والكتابة والزرعة وهو من صنع الحرف والعجلة والقيثارة ؟ أليسوا هم من أمة إقراء ؟! لماذا يترك العراق يحترق ويسكب النفط على النيران لتزيد أشتعالاً وتأكل الأخضر مع اليابس ! هل هناك طريق أخر غير الطريق الأمريكي للعراق ؟ هل يمكن أن نتوقف قليلاً لنتسائل (هل هناك طريق آخر ؟!) هل نمنح لأنفسنا نحن العراقيين قبل الذهاب الى (الحروب الأزلية المقدسة الامنتهية) فرصة لنتسائل هل يمكننا إطفاء حرائقنا بالماء بدل النار ؟! هل نحتاج إلى مراجعة واقعنا من جديد ونسال نفسنا بصدق وأمانة هل نحن فعلاً مستعدون لهذه الحرب ؟ قادرون على حسمها لصالح العراق وليس لمصلحة طائفة أو قومية منه ؟ إلا تحتاج هذه الحرب إلى مجتمع قوي قارد على مواجهة لحظة الحقيقة والتي يجب أعداد عدتها ؟ إلا نحتاج أن نجيب على السؤال الأصيل لماذا تمكنوا منا ؟ وكيف يمكننا أن نتخلص من هذا الكابوس ؟ وهل يمكننا (دحر الإرهاب) ومتى وكيف ومن سيدفع الثمن ؟ ومن سيقدم أرواح شبابه لإندحار الإرهاب هذا ؟ هل الأفضل لنا (طرد) الإرهاب تاركين (دحره) أو (القضاء) عليه للآخرين ؟ ولماذا نتحمل نحن عن العالم مأسيه كما يلقون بمخلفاتهم الضارة إلى صحارينا ؟!
وإذا ما إخترنا (طرد الإرهاب) بخيار عراقي وطني نتسائل كيف يمكننا ان (نطرد الدخلاء) ؟ لن يكون إلا بوحدتنا وحبنا للعراق ومن خلال دولة مدنية عادلة توحدنا وتوحد مكوناتنا ولا تعمل على زعزعتها في حروب الطوائف وحروب الجهل البربري المتخلف كفانا نقاتل بالنيابة وكفانا نقدم ورودنا قرابين لحضارتهم وامنهم ونضحي بمستقبلنا قرباناً لمستقبلهم وموتنا قرباناً لرفاهيتهم . إذا أحتظن العراق ابنائه كلهم دون تفرقة أو تمييز وبعدالة وبحضارة وبكرامة الإنسان واعدنا للعراقيين كبريائهم المستلبة عندها سنخنق كل الدخلاء بوحدتنا . هناك أناس لا يثقون بهذا ولا يثقون الآ بالموت ولا يريدون غيره وهناك من يريد الحياة الكريمة الطيبة الآمنة الرغيدة له وللأجيال القادمة هناك من يبحث عن حل آخر لا نكن فيه الضحية . نعم هناك حلاً آخر … أبحثوا عنه ستجدوه بوحدتكم وإستعادة الثقة بأنفسكم .