23 ديسمبر، 2024 10:05 ص

المدينة المنورة وفخرالدين باشا

المدينة المنورة وفخرالدين باشا

قبل فترة اعاد وزير خارجية دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نشر تغريدة متغطرسة مكتوبة بلغة ركيكة مليئة بالكذب والافتراء في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر منقولة عن تغريدة لشخص عراقي جاء فيها “هل تعلمون في عام 1916م قام التركي فخري باشا بجريمة بحق اهل المدينة المنورة فسرق اموالهم وقام بخطفهم واركابهم في قطارات الى الشام واسطنبول برحلة سميت (سفربرلك) كما سرق الاتراك اغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة وارسلوها الى تركيا.هؤلاء اجداد اردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب” .

كان الاجدر بوزير خارجية الامارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان الاطلاع على التاريخ البطولي للقائد العثماني بطل المدينة المنورة فخرالدين باشا (تورك قان) الذي تولى حمايتها نحو ثلاث سنوات والذي كان البريطانيون يلقبونه ب “نمر الصحراء التركي” والذي دافع ببسالةعن المدينة المنورة والروضة المطهرة والمسجد النبوي رغم امكانيته المحدودة ضد العصاة المتمردين بقيادة شريف مكة حسين بن علي بدعم من الاستعمار البريطاني ، واستشارة مساعديه ومستشاريه للتأكد من صحة المعلومة الكاذبة الواردة في التغريدة قبل ان يعيد نشرها.

ولكن يبدو ان وزير الخارجية الاماراتي الشاب شبه المتعلم المفتقر للتجربة السياسية والدبلوماسية ، افسدته ودللته مليارات النفط وخدعته نصائح مستشاريه ،او انه التحق بركاب المتصهينين وما اكثرهم في البلدان العربية الحاقدين على الخلافة الاسلامية العثمانية بوجه خاص وعلى الامة التركية بوجه عام ، وهو ما دفعه لكي يشارك في تشويه سمعة البطل العثماني فخرالدين باشا ولينسف بجرة قلم العلاقات المتميزة والتي تطورت في جميع المجالات بين بلاده وتركيا التي ساهم في ارساء دعائمها والده مؤسس دولة الامارات العربية المتحدة المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كان كثيرالاعتزاز بالدولة العثمانية وبمؤسس جمهورية تركيا الحديثة مصطفى كمال آتاتورك.

وحول الموقف البناء للشيخ زايد من دولة الخلافة العثمانية وآتاتورك ،اود أن أنقل هنا شيئا للتاريخ نقلا عن صديق لي سبق له وان حضر جانبا من لقاء في استانبول بين الرئيسين التركي كنعان افرين والاماراتي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان اواخرعام 1987 . فقد ذكر لي صديقي ان الشيخ زايد عبر في هذا اللقاءعن اعجابه بعظمة الدولة العثمانية وتقديره اصلاحات مصطفى كمال اتاتورك حيث انه قال للرئيس التركي أفرين” نحن الحكام العرب نقدراصلاحات اتاتورك ولكننا لا نجرؤ القيام بما قام به “.

ليعلم وزيرخارجية الامارات عبدالله آل نهيان انه لولم يقم قائد المدينة المنورة فخرالين باشا بنقل الامانات الاسلامية المقدسة من المدينة المنورة الى دمشق ومنها الى استانبول بالقطار وتحت حراسة قوة عسكرية قوامها الفي جندي لاستولى عليها متمردو ثورة الخيانة العربية الكبرى من انصار شريف مكة حسين بن علي (مواليد استانبول عام 1854م)، وسلموها الى اسيادهم المستعمرين البريطانيين.

الامانات الاسلامية المقدسة موجودة الان في متحف طوب قابي باستانبول ويهرع الملايين من الاتراك المتشوقين والمتلهفين لرؤيتها في متحف طوب قابي خلال ايام شهر رمضان من كل عام . ولولا الخطة الحكيمة للقائد العثماني فخرالين باشا بنقل الامانات المقدسة الى استانبول لكانت تلك الامانات المقدسة الان في حوزة البريطانيين ومعروضة في متحف لندن وليس في متحف طوب قابي باستانبول.

ان القائد العثماني العظيم فخرالدين باشا لم يسرق الامانات الاسلامية المقدسة وانما دافع عنها وحافظ عليها وحال دون وصولها الى ايدي المستعمرين البريطانيين عن طريق متمردي ثورة الخيانة العربية الكبرى. كما لم يخن فخرالدين باشا اهل المدينة المنورة حسبما يزعم بعض الجهلاء وغير المنصفين من العرب، وانما استمات هذا القائد الفذ في الدفاع عن اهل المدينة وعن اموالهم ضد المتمردين والتاريخ شاهدعلى ذلك .

لايعلم وزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان ان ابناء بعض القبائل في الجزيرة العربية بينها قبيلة آل مكتوم كانوا لصوصا وقطاع طرق يهاجمون القوافل وينهبونها ، ويعرضون الامن والاستقرار للخطر في الجزيرة ، مما حدا بالوالي العثماني في البصرة الى تاديبهم وفرض سلطة الدولة عليهم واسكانهم في بعض القرى مثل دبي وخصص لهم رواتب شهرية لقاء تجنبهم القيام بالسرقة والنهب والاغارة على القوافل ، والارشيف العثماني فيه اكثر من وثيقة تاريخية في هذا الشأن.

ان الدولة العثمانية احترمت واحبت العرب ولغتهم العربية اكثرمن حبها للغتها التركية ، ووصفتهم ب “القوم النجيب” احتراما واجلالا للقرآن الكريم والرسول الاكرم محمد (ص). وحب الدولة العثمانية الشديد للغة العربية دفعها لكي تبتكر لغة جديدة للدولة سميت باللغة العثمانية فهي مزيج من اللغات العربية والتركية والفارسية ،والمفردات العربية في اللغة الجديدة بلغت نحو 70%.

كانت الدولة العثمانية شديدة الحرص على حماية اللغة العربية والبلدان العربية واماكنها المقدسة كالقدس ومكة والمدينة المنورة وبغداد وكربلاء والنجف ودمشق وغيرها لاكثر من اربعة قرون وانفقت عليها اموال طائلة وقدمت في سبيلها الالاف من الشهداء.

حركة التمرد ضد الدولة العثمانية بقيادة شريف مكة حسين بن علي (لفظ شريف لا علاقة له بالشرف انما هولفظ يطلق على من كان يتولى امارة مكة) والتي سموها الثورة العربية الكبرى طعنة خبيثة في ظهر دولة الخلافة العثمانية. وان تلك الثورة لم تكن سوى خيانة عربية كبرى ضد العرب والمسلمين والخلافة العثمانية. ولم يستطع قائدها شريف مكة ان يحفظ عرشه في الحجازاكثر من ثمانية اعوام اذ انقلب عليه شركاءه في الخيانة السعوديون وطردوه من الحجاز ومات في عمان.ولقاء خدمات شريف مكة لها نصبت بريطانيا عددا من ابنائه ملوكا على الاردن والعراق والحجاز حيث سار هؤلاء على النهج الخياني لأبيهم شريف مكة في اسداء الخدمات لبريطانيا وشاركوها في انشاء وطن قومي لليهود على ارض فلسطين .