اما بعد : عمّ يتسائل شعب العراق واهله وقد جرى عليهم ما جرى من هذه الفئة المتجبرة ؛ هل يتسائلون عن يوم التغيير الموعود وعن اولي الامر منهم الذين خذلوهم ولم يوفوا بما رفعوا من الشعارات والوعود الذين تحاصصوا وتواصوا بمواثيق الشرف والعهود وقد ملكوا السلطة وغنموا العراق ملك اليمين لهم كالفراش الممدود؛ بأي حبل سيتمسك العراقي ويعتصم فاما الحبال فاختلطت واما العقد فكثرت واما العقول فمسخت فنسجت شبكة من التضليل والتجهيل والترهيب واستمكنت ولا من ناصر ينصرهم ولا من مجيب يجيبهم فتلك الاصوات قد ولت وبحت فتفرق القوم الى طوائف ومكونات فاما تابعين واما مقلدين واما يسلموا تسليما وقد تعاظم فيهم الخراب والفساد فلا اصلاح ولا تبديل فمن ذا الذي بيده مفاتيح الخلاص فيسعى لقلب الموائد على من افسد واهدر ولازال يمشي في الارض مرحا ما استطاع اليه سبيلا؛ وقد عصم الذين عاثوا في العراق فسادا انفسهم في قلعتهم الخضراء وتركوا الذين بايعوهم جهلا وعمدا بلا عصمة ولا كساء ولا امن ولا علم ولا عمل يقيهم من منابر الفكر الذي يفتح ويغلق ثغرات التناقض والتخالف وما تشابه منها انه كان موروثا قد ملأ بالزيف والزخرف من الحديث والتأويل فحمّلوة وجوها جرّت علينا من الغلّ والخلاف والاحتراب تاريخا سقيما .
اليوم باتت حلبة الصراع جلية لا شك فيها ولا ريب فقد دمجوا المنهجان اللذان لم ولن يلتقيان الا وكانا باغيان فاخرجوا عليكم منهجا مضللا مرعبا فاعتلوا على العروش وعصموا انفسهم بالعصمة السياسية بعد ان توهموا ان لهم عصمة شرعية من فقه او ارث او نسب من زمن قد مضى وانتهى فتشكلت الجماعات والتيارات والحركات وكل يرى ان الحق يدور معه حيثما يدور؛ ذاك هو منهج الاسلام السياسي الذي فيه يختلفون ولكنهم اذا خلوا الى سلاطينهم ظلوا متآلفين ومتحالفين وكان بعضهم لبعض ظهيرا؛ وعلى العقول المتنورة ان تنظر ببصيره الى خطورة الصراع والى عمقه واستراتيجيته التي بدأت تظهر والى المؤسسات والتجمعات التي تُسوق الامل الى شريحة الشباب والى الخطاب والاحداث وما ستجره من ويلات على العقول المسلوبة والقلوب الغافلة وربما تخرج محاكم للتفتيش والترهيب وستكون القوادم لاجيال غير منضبطة ليس لها انتماء ولا هوية انما هم اتباع لمن طغى فاعتلى فاصبح قاب قوسين او ادنى وبالتالي سندخل في حلقات من النزاعات يصبح فيها المجتمع عقيما لا ينتج غير السذاجة والخرافة بدلا من المعرفة والثقافة؛ وكل التصريحات التي أشارت الى صراع خطر قادم على السلطة هي واقعية وتنطلق من دراية تامة بالمعطيات والحيثيات والاجندات التي تدخل في معادلة الاطراف المتحكمة في القرار وسيكون من الصعب على الفرد العراقي ان يجتاز المرحلة القادمة وهو لا يملك الحد الادنى من الادوات والاليات التي يمكنها ان تغير من مسار المعادلة السياسية باطرافها المحورية ولا سيما محور جماعات الاسلام السياسي الذي نما فكره وانتشر كالوباء او لعله اخطر وسيكون النظام الانتخابي القادم معجونا بذلك الفكر الاصولي المنحدر وكيف لا وقد تفاقمت هيمنة التحشيد السياسي والاعلامي واصبحت الية ظاهرة بيد الولاية والخلافة وهي باقية وتتمدد لتظهر على المشهد كله ومن المحال زحزحة تلك الطبقة السياسية التي احترفت المناورات والتحالفات واصبح لها خلفيات ومرجعيات عديدة ناهيك عن القيادة الحكومية ومن على راسها وهي لا تملك ادنى حد من الشجاعة القيادية المسؤولة وتقتصر على تصريحات مكررة مملة لا تسمي المسميات الا بالبعض وما ادراك ما البعض ولم تستطيع ان تكون لها قاعدة شعبوية وبقيت ضمن حلقة الصراع تهادن وتغض النظر عن ملفات الفساد تمهيدا لولاية ثانية ولكنها بطبيعة الحال ستخرج من قيادات المرحلة القادمة بسبب معارضة الاسلام السياسي والجماعات المرتبطة بالولاية وفقهها والتي تحاول ان تدخل المشهد السياسي بمشروع الاغلبية وتحويل نظام الحكم الى جمهوري من خلال تحالفاتها في البرلمان اما طرف المؤسسة المرجعية فانها باتت كهله ولن تكون فاعلة في مجريات القوادم لانها فقدت فاعليتها وسيطرتها في توجيه الواقع وهي مشغولة في بناء امبراطورية المؤسسة من خلال واجهات استثمارية ومن خلال تمويل مالي ليس له حدود وسيكون من السذاجة ان تعيد الحديث التجريبي ليصبح واجبا شرعيا من المؤكدات المستحبة والاليات التي تصاحب الناخب فيدعو بالحديث ولا من قريب ولا مجيب ولن تستطيع ان تنأى بنفسها عن الحدث التأسيسي كالدستور الذي سترهم وقوائم المجربين الذين دعمتهم فأن ندمت على ما خلا فلتعلن ذلك على الملأ انه افضل فعلا واحسن تقويما؛ ولازال السؤال العراقي (الى من يعطي الناخب صوته وقد سأم سأما شديدا) .
لنرجع بالذاكرة الى اليوم الذي خرجت به العامة من الناس بالفطرة وقد رفعوا شعارا قد قضّ مضجع السلطات وكان عليهم ثقيلا (باسم الدين باكونا الحرامية) الا انه لم يستغل بالشكل المطلوب ثم ظهر علينا انصار فكر حديث اطلقوا عليه المدنية ولا نعرف ما هو توصيفه فهم ليسوا تيارا ولا حراكا ولا حزبا ولا تجمعا ولا منظمة ليس لهم ايديولوجية ولا خلفية فكرية واضحة ولا قيادات صريحة ولا زالوا يخرجون الى الساحات باعداد قليلة ويطلقون شعارات اصبحت غير مستساغه لعلها من السبعينيات (خبز حرية دولة مدنية) ويكررون ذلك النمط (جمعه وره جمعه والفاسد انطلعه) وكانه نشيد لابد من سماعه كل اسبوع فاعتادتها السلطة الحكومية واصبحت تستمتع بها وتريد ادامتها لتبعثر ظهور معارضة حقيقية وتكون بديلا مسرحيا عنها ثم وبطريقة خلط الاوراق ولج الى الساحات تيارا كان له الاثر الواضح في تاسيس السلطات وهو لازال منها ولن يتخلى عنها ولن يغادر نمط الصراع عليها فأبلست المدنية وتشتت بسبب ذلك واصبحت مجرد كتابات تنظيرية تسطرها النخبة الخاصة الذين يميلون اليها لكي يتخلصوا من سطوة الاسلام السياسي وخطره الداهم القادم ولكن المشكلة الاساسية ان تلك النخبة اخذت تنجر الى الحدث الحكومي ويقدمون المشاريع كالتي تقدمها عناوين السلطة المشاركة في المنظومة الحكومية والتي تريد بذلك ابقاء النفوذ والهيمنة باي وسيلة حتى وان
كانت من خارج الحدود وايضا تعددت المشاريع المدنية من المبادرات الوطنية والشخصية وغيرها ولكنها لم ولن تاخذ دورا مهما لانها بالتاكيد تريد ان تدخل في حلبة الصراع النمطي على السلطة بالانتخابات وهذا بالتاكيد خطأ استراتيجي سيقوض العمل بالفكر المدني لان الجماعات المتسلطة لن تسمح بذلك حتى تلك التي تهادن اليوم تكتيكيا؛ ولن يكون التغيير فاعلا ان اعتمد على اليات خارجية مالم يستند الى قراءة عراقية ستراتيجية كما ان الرهان على توعية العامة رهان خاسر لهذا فليس بالضرورة على من يتمسك بالمدنية ان يقدم مشروعا او وعودا انتخابية ولا بد من الخروج عن هذا النمط فهناك غضب متنامي من قبل طبقات الشعب المتوسطة وهناك معارضة حقيقية ولكنها مبعثرة وغير جاهزة وعلى النخبة الخاصة ان تقوم باستغلال ذلك الغضب والرفض العارم للطبقة السياسية وخلفياتها الدينية وتوجيهه بالشكل الحضري المتمدن (ولكم في اهل مصر اسوة حسنة) ليكون معارضة شعبية مدنية ذات قيادة نخبوية وذات محاور واضحة تنطلق من عدم القبول بالمخرجات التي تطلقها السلطة وان لاتدخل حلبة الصراع وان لا تعمل ضمن اي ايديولوجية او اي توجه فكري من الموروث الذي ابتلى به العراقيون من القرون الماضية وان لا يؤشر ذلك تماما الى تاسيس مشاريع حزبية ويكون المحور الاساسي فيه هو الدعوة تعبويا وفكريا الى مراجعات حقيقة في بنية العملية السياسية التي تشكلت من قواعد كانت طبيعتها سياسية ودينية وعشائرية واقرار قانون ادارة الدولة من طبيعة قانونية خالصة وهذه هي البذرة الاولى التي يمكن ان تنطلق منها (الدولة) المدنية مع التحفظ التعريفي باقران الدولة بالمدنية؛ فغادروا الساحات والشعارات وغادروا النمطية في حلبة الصراع على السلطات واستثمروا الغضب المتنامي لدى شعب جرى عليه ما جرى من البلاء والويلات .