دائما رد فعل اي انسان تكون صادرة عن ما يوجد من ترسبات فكرية ومشاعرية باتجاه المجتمع وهذا ما يقر به نفسه الدكتور علي الوردي بان الانسان لا يمكن ان يتجرد عن ما يؤمن به والوردي يؤمن بثقافة الغرب وتخلف العرب .
المدنية هذا المصطلح الذي يتحدث عنه التنويريون وحقيقة هو مصطلح لا يستحق هذا الكم من البحث والدراسة ، باختصار هو المدينة مجرد استبدال الياء والنون فيما بينهما ، والمدنية عكسها الريف او المناطق الزراعية ، كيف يتحدث الوردي عن المدنية كما جاء في كتابه مهزلة العقل البشري والافضل ان يكون عنوانه مهزلة العقل التنويري ، ولان الدكتور علي الوردي ( 1913 ـ 1995) من المعجبين والمولهين بالمستشرق توينبي (ارنولد توينبي انكليزي 1889ـ 1975 ) فينقل ارائه ويؤيدها بمنمقاته المستهدفة للمجتمع العراقي ، كتب الوردي يقول توينبي: ان المدنية مسرح الشيطان ومجاله الذي تخصص فيه اي المدنية في رايه هي نتاج التنازع بين الله والشيطان وقد خلق الله الشيطان عمدا وسلطه على الانسان لكي يسيره في سبيل المدنية ” هنيئا لك المدنية يا وردي
والقصة التي استشهد بها مصدرها التوراة اي قصة ادم وابليس والجنة اخذها من التوراة ولم ياخذها من القران فلاحظ ، وهي اي القصة فحواها اغراء الشيطان لادم واخراجه من الجنة وهي قصة اخراجه من طور الحياة البدائية الى طور المدنية ( مهزلة العقل البشري ص 29 ) اي ان حياة ادم في الجنة كانت بدائية وعلى الارض اصبحت مدنية
واما ما كتب عن هذا الابداع التوينبي حدث بلا حرج وما من نقطة او حرف من كتابته الا ويستحق ردا لانه بمنتهى الهشاشة والهزالة .
ينما الدكتور جواد علي ( 1907 ـ 1987) يقول عن المدنية بانها : يراد لها المظاهر المجسمة البارزة للروح مثل البناء الصناعة التقنية المعامل الاختراعات والمبتكرات وكل ما يخلقه الانسان مما يرى ويلمس فالناحية الخلاقة المبدعة للاشياء هي هذه المدنية ( موسوعة المفكرين والادباء العراقيين حميد المطبعي 1/449)
كلاهما علي والوردي اصدقاء وعاشا نفس الفترة ودرسا في الغرب واطلعا على ثقافته وحتى توينبي صديق الدكتور جواد علي ولكن كيف يفكر جواد علي ؟ هنا تظهر ثقافته من خلال ما يحمل من ترسبات فكرية في عقله ؟ وتعريفه للمدنية كان بمنتهى الموضوعية ، طبعا تكلم بالعموم فهنالك صناعات تقتل البشرية بل وبعضها تحطم القيم الانسانية .
ولان كلاهما فارقا الحياة رحمهما الله فان ما يقوم به الغرب اليوم لهو خير دليل وجواب عن المدنية التي تحدثا عنها .
المشكلة الاخرى عن الدكتور الوردي هو مزاجية التلاعب بالمقصود من الايات القرانية فيلصقها بافكاره باعتبارها تؤيده ومنها على سبيل المثال يتحدث الوردي عن عقلية المجتمع العراقي بعد الاحتلال الانكليزي انه يرفض كل جديد فالبشر قبل ظهور المدنية ـ اي قبل الاحتلال ـ في نعيم لا يقلقون ولا يسالون لماذا ؟ لان كل شيء جاهز بين ايديهم قد اعده لهم الاباء والاجداد واستشهد بالاية القرانية (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) .
لاحظوا الاية التي استشهد بها فالاية تتحدث عن الكفار الذين بعث لهم الرسول لكي يعبدوا الله عز وجل ويتركوا عبادة الاصنام فكان جوابهم كيف يتركون ما وجدوا عليه ابائهم اي التمسك بعبادة الاصنام وليس بما يذهب اليه الوردي .
طبعا استشهد باكثر من اية لاكثر من موضوع بعيدا عن الاية ، واما تحامله على الشيخ محمد رضا المظفر كان بلا حدود وغير موفق عندما وصف كاتب مقدمة كتاب السقيفة للشيخ المظفر الذي قال اي كاتب المقدمة ان المظفر تجرد من كل شيء وعالج موضوع السقيفة بكل حيادية وانتهى بما لصحة ما معتقد هو به .
يقول عنه الوردي عن المظفر بان المنطق الحديث يصف هذا بالخرافة فالمتدين المؤمن بعقيدة من العقائد لا يستطيع مهما حاول ان يتجرد من عاطفته المذهبية ( ص50 ) ومن ثم يقول عنه وهو منغمس في ايمانه الى قمة راسه فمعنى ذلك انه مغفل ومخادع ( ص57)
هذا الرجل معذور لانه يتحدث بنوازعه وليس بعقله والا كان الاحرى به بدل هذا السيل من البذاءة ان يقرا ما كتب الشيخ المظفر ويستدل من الكتاب على ما يدعي من راي لكنه لا يريد ان يقرا عن ما يريد ان يستهدفه بكلامه البذيء