حاولتُ قبل أيام،مع بدء شهر رمضان إجراء مصالحةٍ مع شاشة التلفزيون بعد نحو سنةٍ من العزوف عنه، والاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي، ففشلتُ !
شيءٌ لا يصدق أن تستغني بشاشة الموبايل التي لا تتجاوز مساحتها راحة اليد عن شاشة التلفزيون الحائطي التي هي بحجم ٣٢ عقدة !
ولكنَّ هذا ما يحصل فعلاً !
أغلب الأعمال الدرامية المعروضة في القنوات الفضائية العربية تدعو إلى اليأس والإحباط،وتُكرِّس عوامل الهزيمة لدى المشاهد، ولا أدري هل هي موجةٌ تعكس حجم الخراب في الواقع العربي، أم أن الجهات الإنتاجية تعمل على وفق منهجية في كسر إرادة المشاهد بعد عناء يومٍ من الصيام ؟
عدتُ إلى المسلسلات السورية الكوميدية فوجدتُ بعضها قد جرى تلوينه، وأعني به مسلسل (مقالب غوار) الذي أنتج عام ١٩٦٧م وبُث سنة ١٩٦٨م ،وهو من تأليف نهاد قلعي، وإخراج خلدون المالح، ومن بطولة دريّد لحام، ونهاد قلعي، وعبد اللطيف فتحي، ورفيق سبيعي، وناجي جبر، وزياد مولوي،و نجاح حفيظ، وياسين بقوش.
الا يدل رجوعي بآلة الزمن لأكثر من نصف قرن على نجاح العمل برغم قدمه؟
قضيت ساعةً ونصفَ الساعة على اليوتيوب مع حلقة (غوار والحمار) من مسلسل (عودة غوار) المنتج سنة ١٩٩٨م،لمؤلفه دريّد لحام، وطلال نصر الدين، وأحمدالسيد، وإخراج مروان بركات
، وبطولة دريّد لحام، وناجي جبر، وحسام تحسين بيك، وانسجمت غاية الانسجام مع
مجسِّد شخصية الحمار الفنان ناجي جبر
( ١٩٤٠م ـ ٢٠٠٩م)، و المدهش هو قوة الإقناع بأنَّ الحمار يفكر بشكلٍ منطقيٍّ مثلما نفكر، ويشعر بالضيم، وله آراء حكمية!
الطريف في الأمر أنَّ الحمار ينادي صاحبه غوار بالقول : يا أخ ! وحين يستهجن غوار النداء، يرد عليه الحمار بالقول : نحنُ حين نريد أن نهين حماراً نناديه : يا آدمي، وحين نريد تكريمه نخاطبه : يا أخ !
وُلد الفنان دريّد لحام (دريّد محمّد حسن اللحام) في دمشقَ سنة ١٩٣٤م، لأبٍ سوريّ وأمٍ لبنانيّة من بلدة مشغرة في قضاءِ البقاع الغربي. ودرسَ الكيمياء في جامعة دمشق، وعمل مدرساً جامعياً في القسم نفسه.
بدأ رحلته الفنيّة مع بدء بث التلفزيونِ السوريِّ سنة ١٩٦٠م تاركاً عمله في الجامعة، مصرحاً في ما بعد أنَّ تكريس حياته للفن كان من أكثرَ القرارات حكمةً التي اتخذها في حياته.
قدم بالاشتراك مع الشاعر محمد الماغوط مسرحياتٍ عُدت من أهم المسرحيات العربية الرافضة مثل ؛ (ضيعة تشرين)/١٩٧٤م ، و(غربة)/١٩٧٦م (كاسك يا وطن)/١٩٧٩م و(شقائق النعمان) /١٩٨٦م، و (صانع المطر) /١٩٩٢م فضلاً عن مسلسلاتٍ، وأفلامّ سينمائية بعضها يحمل هموماً سياسيةً مثل : (الحدود)/١٩٨٤م، و(التقرير)/١٩٨٦م، و(كفرون)/١٩٩٠م، و(الآباء الصغار) /٢٠٠٦م. وقد أصبح سفيراً للنوايا الحسنة لمنظمة اليونسيف في شمال أفريقيا والشرق الأوسط سنة ٢٠٠٤م، وذهب إلى الخرطوم لتدشينِ مشروعٍ تطوعيّ لإزالة الألغام في جنوب السودان بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإنسانية في السودان.
نجح في التقديم أيضاً ومن برامجه المنوعة الساخرة : (على مسؤوليتي)، و(عالم دريّد)،
و(دريّد هذا المساء) .
في لقاءٍ إذاعي أجرته معه إذاعة (المدينة إف إم) في برنامج (المختار) بُث في ٢٠٢١/٢/١١ بمناسبة عيد ميلاده الـ٨٧ قال دريّد لحام :إنَّه لا يخشى التقدم في العمر، أو من فكرة الموت، وأنَّ ذلك هو المسار الطبيعي للحياة، متمنياً أن يترك أثراً طيباً يذكره به الناس بعد وفاته، قائلاً : أتمنى أن أرحل لا أن أغيب،مقترحاً إنتاج مسلسل تلفزيوني يروي سيرته الذاتية عنوانه (المنتمي) ، ورشح نجله الأكبر لتجسيد شخصيته في الأحداث.
ورداً منه على استئثاره بالنجاح لنفسه، وحجبه عن باقي المجموعة، أوضح أنَّه كان الألمع في الفريق، وقال: يتحدث الناس اليوم عن نجوم كرة القدم رونالدو، وميسي بوصفهما الأهم في فريقيهما، إلا أنَّهما لن يستطيعا تحقيق نجاح دون أن تجتمع كل عناصر القوة في المجموعة، وهذا ما حدث معي.
وفسر النجاح الكبير الذي حققته شخصيته (غوار الطوشة) بأنَّه صعلوكٍ فقيرٌ يحاول تحقيق أهدافه بطريقةٍ مؤذيةٍ وينتصر على من هم أقوى منه بالدهاء.
اختتم دريّد لحام حديثه بوصيةٍ إلى جمهوره هي: “احلموا، ودافعوا عن أحلامكم بأقصى ما تستطيعون ليكون الغد أفضل !