7 أبريل، 2024 1:25 ص
Search
Close this search box.

المدافعة عن صديق العمر التلفاز

Facebook
Twitter
LinkedIn

في عام 1975 اشترى أبي جهازاً كبيرا ذو شاشة حجمها20 بوصة بغطاء صاجي يحيط بها من جميع الجهات وعلى يمينها مجموعة من الأزرار الصغيرة والكبيرة التي تتحكم بتشغيل وتغيير القنوات والتحكم بالصوت . تطلب نصب الجهاز الجديد حوالي يومان لأنه تطلب نصب شبكة خارجية على عمود حديدي بلغ ارتفاعه في حينها أكثر من عشرة أمتار وكان الأعلى في وقتها أملا بالتقاط البث التلفزيوني بصورة جيدة لأننا كنا في حينها نسكن بعيداً عن محطات التقوية الموجودة في بغداد.
اشتغل التلفاز في حينها بالأسود والأبيض وعشنا معه أفضل الأوقات , وكان منصفاً ولم يتجاوز على وسائل الاتصال القديمة كالإذاعة والجريدة والمجلة والكتاب ويأخذ مكانها بل بقي الجميع يثقف ويسلي ويعلم المجتمع في آن واحد…. انه عصر الإعلام المتكافئ .
شيء جميل ….. لم تصدر في حينها شكوى من الإذاعة عن تأثير التلفاز على بثها الإذاعي ولم تصدر شكاوي من الصحف والمجلات والكتب عن تأثير التلفاز على منشوراتها وطبعاتها . كل ذلك كان يحدث بهدوء وبتقبل من الجميع .
الآن…. بالنسبة للكثير من الذين عاشوا جيل المذياع والتلفاز أصبح التلفاز بالنسبة لهم صندوقاً ثميناً يحوي الكثير من ذكرياتهم السعيدة والحزينة ,فهو لهم بمثابة منشط للذاكرة , يتذكرون الأحداث من خلال الأعوام التي عرضت وبثت في حينها على التلفاز , بالنسبة لي يذكرني هذا التلفاز بكأس شباب اسيا لعام 1977في ايران ومؤيد البدري الذي علق تلك المباراة التاريخية التي فاز بها العراق , ويذكرني بأول عرض لفلم الرسالة في السبعينات ويذكرني بقراء القران الكريم من العراقيين والمصريين أمثال عبد الباسط عبدالصمد ومحمود عبد الوهاب والحافظ إبراهيم وغيرهم من القراء الكبار الذين كان تلفزيون العراق يفتتح برامجه بقراءة لهم . ثم جاءت حقبة الثمانينات وذكرى معارك الجيش العراقي الباسل مع ايران وعلى مدى ثمان سنوات وأعييننا مصوبة نحو التلفاز لمشاهدة صور المعارك التي كانت تبث حينها .وجاءت التسعينات والتلفاز يمارس نفس الدور الذي بدأه قبل عقود من السنين على المشاهد العراقي ولم يستطع أي جهاز أو أداة إعلامية أخرى أن تهز من مكانته .
رغم ظهور الانترنيت في منتصف التسعينات إلا إن تأثيره كان محدوداً جدا على التلفاز. محاولات تحديث التلفاز وتطويره من حيث ربطه بالأقمار الصناعية وزيادة قنواته الفضائية ومن حيث خفت وزنه وكبر حجم شاشته والميزات الأخرى التي
أضيفت له على مدى العشرين سنة الماضية أبقت علية متواجداً في بيوت محبيه ومشاهديه .
اليوم وبعد ازدياد واتساع خدمة الانترنيت ودخوله معظم بيوت المواطنين بدأ الخوف يزداد على سمعة وشعبية التلفاز خصوصاً مع جيل الشباب والأطفال الذين وجدوا ضالتهم بالسوشل ميديا من خلال الايفون والسامسونغ وبقية الأجهزة .هذا الجيل بدا بهجر التلفاز والانتقال تدريجياً إلى الفيس بوك وتويتر وسناب جات والاستغرام, فبالإضافة إلى الخدمات الكبيرة التي يقدمها الانترنيت أصبح يتجاوز على ما كان حكرا للتلفاز وهي اللقاءات الرياضية المشفرة والأفلام والإخبار وغيرها من البرامج التي بدأها وحافظ عليها التلفاز على مدى العقود الماضية .
لكي لا نفقد أخر ما تبقى لنا من جيل الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات ومن اجل أن نحافظ قليلاً على تقليدية الحياة الطبيعية , يجب علينا البدء بحملة مدافعة عن التلفاز والحد من محاولات وضعه في خانة المذياع القديم والريكوردر وغيرها من الأجهزة التي ذهبت مع زمانها ولم يبقى منها إلا نسخ قديمة مصفوفة في محلات الانتيكات والمتاحف وهواة اقتناء الأجهزة القديمة .
دعوة لجميع محبي التلفاز إلى التهيؤ مبكراً لبدء حملة المدافعة عن حقوق التلفاز التاريخية والحد من التجاوزات الحاصلة عليه من قبل الانترنيت .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب