منذ عشر سنوات واكثر شهدت النجف تغيرات كبيرة على مستوى افتتاح مدارس دينية كثيرة وهو امر ايجابي حسب الظاهر لان النجف كانت تفتقر الى وجود مدارس دينية جديدة بعد ان جمد النظام السابق فتح مدارس جديدة الا بعد مراجعات لا تنتهي الى شيء …
وكانت الاجهزة الامنية في فترة التسعينات تتجول بين غرف الطلبة من اجل القاء القبض على الطلبة الهاربين من اداء الخدمة العسكرية او الذين عليهم مؤشرات امنية وما شاكل ذلك من حجج …
ومن الغريب ان تشهد النجف افتتاح مدارس ليست مثل المدارس المعروفة ولا تتبع نفس المنهج ولا الالية المتبعة في الحوزة العلمية في النجف منذ مئات السنين .
وشهدت النجف الاشرف ظهور عدد من المدارس طوال فترة السنوات العشرة الماضية وكانت الخريطة الجغرافية للمدارس ليست على مستوى واحد .
فمنها البنايات الضخمة التي اخذت مساحات واسعة تقدر بالدوانم ومنها ما كان اقل من ذلك ومنها ما كان على مستوى بناية مسجد متواضع ..
وكانت بعض تلك المساحات اعطيت بصفة حزبية وليس بصفة قانونية من اجل تجميع الانصار خصوصا المدارس التي تمول من خارج العراق .
وانتشرت تلك المدارس في بعض الاحياء الشمالية او الجنوبية وصارت معلما واضحا من معالم النجف الجديدة بعد التغيير .
والمعلوم ان وجود هذا الكم الكبير من المدارس يساعد في حل جزء من المشكلة الاقتصادية في البلد لحاجة تلك المدارس الى موظفين على مستويات مختلفة من التخصصات ويعتبر هذا جانب ايجابي في وجود مثل هذه المشاريع التعليمية .
المهم في هذه المشاريع ان تتضح الرؤية التي تقف خلف وجودها في النجف لانها تمثل المحور الحقيقي المحرك لادارات هذه المدارس نحو تلك الاهداف .
ومن خلال التتبع العام لمجمل المدارس التي وجدت ولا زالت في النجف يمكن القول ان هناك اختلافا واضحا بين المدارس ذات البعد العلمي والتعليمي وبين المدارس ذات البعد الحركي والحزبي السياسي .
ولعب الجانب السياسي في المسالة المذكورة بصورة واضحة وكانت الاموال التي تبذل في جلب الطلبة والأساتذة قد لعبت دورا كبيرا في تغيير كثير من قناعات البعض من الطلبة واقناع البعض منهم بضرورة الانقياد لاوامر ادارات المدارس المذكورة وكأن الإدارات المذكورة مراجع للتقليد مع ان البعض منهم لا يعرف حتى الف باء الاسلام .
وبدات تاخذ بعض المدارس شكلا سياسيا ضمنيا ومن دون التصريح بالجهة التي تقف وراءها خوفا من العواقب التي قد تتعرضلها بسبب الفساد الذي ضرب البلد وضيع مقدراته الاقتصادية .
وأصبح الطالب بعد فترة ليست طويلة مرتبطا بتوجهات هذه الإدارات التي تتلقى اوامرها من صاحب المال السياسي احيانا والحزبي تارة وهكذا وصارت العملية التعليمية في هذه المدارس رهينة بهذه التوجهات التي يسير عليها البعض من مدراء هذه المدارس من دون وعي ودراية بخطورة هذه الجري باتجاه تدمير العملية التعليمية وجعلها ذيلا للتوجهات الخاصة باصحاب رؤوس الاموال .
وانما قلنا ان هذه هو توجه البعض دون الجميع لانه يوجد بين تلك المدارس من اسس على شكل شرعي ومقبول وهي تلك المدارس التي أسسها بعض مكاتب التقليد في النجف وقم المقدستين من قبيل مدرسة الوحيد الخراساني والمدارس التي يرعاها وغيره من المراجع الكرام .
ولكن المشكلة في المدارس التي تاخذ الجانب السياسي اكثر من الجانب التعليمي او التي أسست على اساس غير متين من قبيل بعض المدارس التي ترتبط بالتبليغ الاسلامي وصناعة الخطباء وهي مدارس فاشلة بكل معنى الكلمة وكادت ان تخرج لنا اجيال من الطلبة والخطباء المشوهين والمهجنين .
ولعل اختفاء بعض تلك المدارس كان الامر المتوقع وفعلا بدات بعض تلك المدارس بالزوال لانها لا تمتلك مقومات البقاء والاستمرار.
وكانت المشكلة الاكبر هو عدم الاهتمام بالجانب العلمي للطالب والتأكيد على جوانب الارتباط بصاحب المشروع الذي ينطلق من اجندة حزبية او سياسية بغيضة ولهذا صار الطلبة الذين يبحثون عن التطر العلمي هم الضحية الاولى في هذه المدارس خصوصا الذين يجاهرون لرغباتهم المنافية لسياسة هذه الإدارات البائسة .
ومن المتوقع ان يظهر الاثر السلبي لهذه المدارس في السن ات القليلة القادمة في تخريج جيل من الطلبة الضعفاء في جميع الجوانب خصوصا الجانب العلمي .
وقد عانى الكثير من الاساتذة من اجل تصحيح مسار العملية التعليمية في هذه المدارس من دون فائدة تذكر لان الاتكاء الذي يعتمد عليه هؤلاء هو الجانب المادي والاعلامي ليس اكثر .
والمناهج التي تعتمد عليه هذه المدارس ليست لها استقرار ولهذا عانى الطلبة كثير من هذه الظاهرة التي تشبه ظاهرة تجريب الدواء على الفئران .
وينبغي الحذر من النائب الخطيرة لوجود مثل هذه المدارس التي بنيت بطريقة غريبة ولأهداف اغرب ومن الجدير بالذكر ان الحذر وحده لن يشكل حلا لهذه المشكلة ما لم يكن هناك حل جذري للتصدي لهذه الظاهرة الغريبة على الحوزة العلمية والتي ستدفع ضريبة ذلك من تاريخها المشرق .
ومن المعلوم ان حوزة النجف امتازت عن بقية الحوزات العلمية بتجنب ادخال الجوانب السياسية والفئوية في الجانب التعليمي وبقيت بسبب هذا بعيدة عن كل انحراف والتواء وهذا ما جعلها في الصف الاول من بين الحوزات العلمية في العالم الشيعي ومن اجل الحفاظ على هذا التاريخ المشرق لابد من العمل الحثيث على إبراز عدم ارتباط هذه المدارس بالحوزة العلمية لانها في نهاية الامر ستزول عندما يفشل اصحابها في الحصول على اهدافهم وهذا ما حصل بالفعل مع عدد من المدارس التي اغلقت ابوابها في السنوات القليلة الماضية لان الهدف المتوخى منها لم يحصل وبالتالي صار وجودها بلا طائل .