18 ديسمبر، 2024 11:25 م

المخزون التاريخي الثقافي للأمه

المخزون التاريخي الثقافي للأمه

في ضوء الدراسة التحليلية لتطور العمارة والتخطيط في بغداد في العصور ألاسلاميه المختلف دعت منظمة العواصم والمدن ألاسلاميه إلى استحداث دراسات تحليليه لتطور العمارة والتخطيط في المدن العربية والاسلاميه بغية وضع ألأسس لتعمير وتخطيط إسلاميين معاصرين . لمواجهة طغيان أنماط العمارة والتخطيط الغر بيه الحديثة في مدننا ألاسلاميه 
في ضوء ذلك بتاريخ 30/09/1988 وقعت كل من منظمة العواصم والمدن الأسلاميه وأمانة بغداد عقد تقوم بموجبه أمانة بغداد وعلى نفقتها الخاصة بأعداد الدراسة  التحليليه لتطور عمارة وتخطيط بغداد في العصور الاسلاميه المختلفه
ولقد توليت عملية التعبئه للمشروع وادارته عتبارا من تاريخ توقيع ألاتفاقيه مع منظمة العواصم والمدن ألاسلاميه ولغاية منتصف شهر تشرين الأول/1992 عندها كان  قد تم انجازالمسودات النهائيه للدراسه في ذلك الوقت.
تم عرض نتائج عمل المشروع في اجتماع المنظمه المنعقد في العاصمه ألاردنيه عمان في النصف الأول من شهر تشرين الأول من عام1992 . على أثر ذلك انقطعت علاقتي بالمشروع سيما وأنني قد اضطررت  بعد أشهر قليله لمغادرة العراق هربا, غير أنني عند عودتي لبغداد في ربيع/2004, علمت من المديرة التي أعقبتني في ادارة المشروع د.نيران محمد عبدالوهاب بأن المشروع قد انجزبالكامل وتم تسليم عشرة نسخ منه في حينه لمنظمة العواصم والمدن ألاسلاميه. للأسف لم اهتد في بغداد سوى على بعض المسودات في مكتبتي التي طمرها الغبار وثم حصلت على بعض الجداول من عضوفريق المجموعه المعماريه د.حازم النجيدي.
وعليه التجئت الى منظمه العواصم والمدن ألاسلاميه بأعتبارها الجهه الداعيه لأعداد الدراسه والمسؤوله عن نشرها وتعميمها. بيد انني مع مزيد الدهشه والأستغراب لم أجد اطلاقا أي شئ عن الدراسة التحليليه لبغداد على صفحة الشبكه البينيه للمنظمه. لذلك فقد شرعت بمخاطبة المنظمه وفرعها في القاهره لمعرفة مصير الدراسه التحليليه لبغداد والتي لا أغالي في القول حين أجزم بأنها دراسه متميزه وتؤلف أداة علميه نافعه في أيادي الباحثين والدراسيين والمهنيين في مجال العماره العربيه ألاسلاميه. ان آخر محاوله أجريتها بهذا الصدد هي أرسال خطاب شخصي لأمين عام المنظمه والذي بدوره قد لاذ بالصمت كما فعل موظفيه ومستشاريه في المنظمه التي تتخذ من مهبط  الوحي مكة المكرمه مقرا لها  ان موقف منظمة العواصم هذا يؤلف دون أدنى شك عدم السويه العلميه والتاريخيه والأخلاقيه لادارة المنظمه ولقيادتها على حد سواء.
ونظرا لأهمية الدراسه البالغه والفائده العلميه المرجوه من نشرها أتوجه بالنداء الى كل من ساهم في الدراسه ولديه تقا ير الدراسه أو جزء منها أن يتفضل بأعلامي عن ذلك بغية استنساخها وذلك لاعدادها للطبع ورفد المكتبه العربيه العلميه بنتائجها العلميه والفنيه القيمه.
            من الجدير بالذكر بأنه قد سبق اعداد الدراسه التحليليه لبغداد, اعداد دراسه تحليليه لمدينة القاهره اعدها مكتب استشاري مصري, كذلك أعقب دراسة بغداد دراسه لتطور العماره والتخطيط للعاصمه السوريه دمشق. للأسف لم تتح لي الفرصه للأطلاع على الدراسه السوريه في حين لم أجد أي جديد يمكن اعتماده في دراسة القاهره التي لم تتعدى كونها دراسه توصيفيه آخرى تضاف للمكتبه العربيه ليس فيها ما يبحث عنه المخططون والمعماريون والباحثون من معرفه  لاصول وتطور العماره والتخطيط ألاسلاميين.
كما هو معروف فقد تم في عالمنا ألاسلامي تغطية العماره والتخطيط بصوره تفصيليه من الجوانب السياسه والأجتماعيه والآثاريه ولكن تحليلا معماريا وتخطيطا موثقا لتلك الأبداعات وألانجازات الثقافيه العربيه/ألاسلاميه لم يرى النو رسوى في دراسة بغداد التحليليه والتي تؤلف أداة فعاله وانجازا بالغ الأهميه في تأصيل القيم الحضاريه في العماره والتخطيط المعاصرين بأيادي المخططين والمعماريين ومسؤولي ألادارات الحضريه و في اعمار المدن العربيه وألاسلاميه
            ان انجاز هذه المهمه المتميزه ذات الأبعاد الثقافيه والتاريخيه استدعى تأليف فريق عمل متمرس ومتعدد ألاختصاصات ضم خيرة الأكاديميين والمهنيين العراقيين والذي تم توزيعه على مجاميع عمل متخصصه وفق مايلي:
        * المجموعه التاريخيه وألآثاريه.
        * المجموعه الفنيه.
        * المجموعه المعماريه.
        * المجموعه التخطيطيه.
        * ألملاكات السانده
             كانت المهمة الآولى لادارة المشروع ايجاد لغه مشتركه بين مختلف أعضاء  و مجاميع الدراسه من خلال طرح ومناقشة مفهوم كل اختصاصي من اعضاء الفريق للعماره والتخطيط وعناصرهما المختلفه.
        المقاربه ألآثاريه والتاريخيه
          من اجل تطويرآليه للتحليل المعماري والتخطيطي قامت المجموعه التاريخيه والآثاريه باعداد مقاربتها بعيدا عن الطريقه التقليديه المتبعه في اجراء الدراسات ألآثاريه والتاريخيه
            وعليه فان ألآثارين اعتمدوا أسلوب الدراسه الشامله التي تهتم بالشواهد الماديه واجراء المقارنات والتحليل وتفسير الكشوفات  ألآثريه واستنباط المعلومات ومن ثم ربط ذلك بمجمل
        التأثيرات السياسيه وألاقتصاديه والأجتماعيه والثقافيه والعلميه والنظر الى عوامل البيئه الطبيعه كالكوارث والفيضانات والنزاعات على مستوى الداخل والخارج ودور المؤثرالديني
        اما التاريخين فقد اعتمدوا في مقاربتهم على النظريات التاليه:
        – نظرية الأصول والمصادر والتي تستند الى أن الفن والعمران أصيلان في العراق قدمهما كقدم الحضاره ألانسانيه وعليه فأن تطور العماره في بغداد عمليه طبيعيه تستند للمورث التاريخي والمعالجه البيئه وفي استعمال مواد البناء المحليه في وادي الرافدين
        – نظرية الأستنباط وتعتمد البحوث التاريخيه والآثاريه فالحضاره العربيه / ألاسلاميه قد بنت المدن والمساكن والقصور والمساجد …..الخ واستخدام البناءون لعبقريتهم في تطوير مواد وأساليب العمران وتعبيرات الفنون التشكليه.
        – نظرية التطور وتستند الى تطوروازدهار العماره العربيه/ألاسلاميه علىمرالعصوروالتي تعبرعن التطور بالمحسوس والملموس فعلى سبيل المثال لاالحصرفأن مسجدي القمريه في جانب الكرخ والحظائر(الخفافين) في الرصافه يمثلان التواضع في حجم الكتله المعماريه والزخرفه والخط (الكتابات) في حين نرى أن البنائين قد طور ذلك في المشهد الكاظمي وجامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني
        اسس التحليل التخطيطي
              أعتمد في تحليل الهيكل العمراني علىالمحاورالتاليه:
        – طبيعة وتوزيع استعمالات الأرض في بغداد منذ نشأتها وتحكم القرارات السياسيه والأجتماعيه وألاقتصاديه والبيئيه بذلك.
        – التاريخ الجغرافي لتطور العمران في مدينة بغداد والتأ ثيرات البيئيه والفنيه التي حددت اتجاهات وطبيعة التوسع الحضري في مختلف المراحل وعلاقة ذلك بنهر دجله. – نمط النسيج الحضري ونماذج الهياكل الحضريه
دراسات الهيكل ألانشائي:
توجه البحث ألانشائي الى استحداث دراسه تحليليه للعناصر
الانشائيه لعمارة بغداد التاريخيه والتراثيه اذ تم دراسة وتحليل العقود والدعامات والأعمده والقباب والأقبيه والسلالم والملاقف. لغرض استنباط اسس التصاميم ألانشائيه وشرح طرق ومواد البناء  التي كانت مستعمله في اعمار بغداد آنئذ. ومن ثم تم اجراء تحليل هندسي رياضي لكل عنصر انشائي وذلك بغية تحديد الأسباب الفنيه لأختيار ذلك العنصر في ألانشاء
             ولأجل ذلك فقد تم اجراء مسوحات حقليه شامله للعديد من المباني التاريخيه والتقليديه وتم اعداد مخططاتها وتحديد هيكلها ألانشائي ومن خلال ذلك تم التوصل لمعرفة العلاقات والنسب الرياضيه بين أبعاد الغرف والحجرات والممرات وشكل وأبعاد العقود والأقبيه. كذلك تبين بأن القباب على العموم قد غطت الفضاءات المربعه والمثمنه اما الأقبيه فقد استعملت في الغرف ذات الشكل المستطيل. ان تحليل ا لبرج المثمن الشكل ان القبه الدائريه التي تسقف البرج في الباب الوسطاني (باب الظفريه) تستند على الجدران برقبه قصيره وقد أظهرالتحليل وجود علاقه حسابيه بين ارتفاع البرج وعرضه. كذلك فقد توصلت البحوث ألانشائيه الى أن أوجه جدران الباب الوسطاني الداخليه والتي تحيط الصحن والأوجه الخارجيه للجدران الخارجيه كليهما يميل نحو مركزألمنشأ بنسب ثابته أي أنها ليست شاقوليه مثلما تشيد الجدران في البناء المعاصر. لقد تبين أن ذلك الأسلوب ألانشائي التاريخي يمنح المبانى استقراريه انشائيه للجدار واتساع وانفتاح لصحن المبنى من الداخل وعلى الخصوص في حالة المنشاءآت المرتفعة الجدران. اما مواد البناء المستعمله فهي من ألآجرالأصفر المستوي-الطابوق التاريخي المستعمل في عمارة مابين النهرين ذو الأبعاد 26.26.6سم- ومونة الجص وتكون الجدران عريضه عند القاعده وتضيق كلما ارتفعت.
            اما وحدات القياس التي كانت قيد ألاستعمال حينذاك والمسماة الذراع فهي تختلف عن الوحدات المعتمده في الوقت الحاضروالقياسات هي:-
        الذراع العباسيه وطولها يساوي 54,04سم  والذراع الشرعيه وهي بطول  49,875سم والذراع الهاشميه بطول 66,50 سم والذراع الفضيه 50,3 سم ومن الجدير بالذكر فقد توصل فريق الدراسه ألانشائيه الى تثبيت دقيق لطول الذراع المستعمل في بعض المباني وفق الحقبه التاريخيه التي تم فيها استحداث المبنى
        التحليل المعماري
            ان الدراسة التحليليه لعمارة بغداد ألاسلاميه ذات أهميه بالغه لأنها تتوخى  انجاز نموذجا جيدا يحقق لأول مره في تاريخ العماره ألاسلاميه المعرفه الموضعيه المعلله علميا  للعماره التاريخيه بشقيها الآثاري والتراثي. ومما يزيد في أهمية البحث كون أن بغداد هي أول مدينه شيدها المسلمون كعاصمه تنوعت وتشابكت فيها الثقافات والحضارات من خلال الأقوام التي قصدتها من مختلف أصقاع العالم الاسلامي, ومن هذا المنطلق فأن الدراسه قد قامت بمايلي:
            – التوثيق: غطت هذه الفعاليه عملية تسجيل الخصائص المعماريه لنماذج من الأبنيه التاريخيه والتراثيه في بغداد بأسلوب دقيق وشامل وذلك لغرض توفير نماذج تتيح في عين الوقت المقارنه بين النوع الواحد والأنواع المختلفه من المباني.
            – التحليل: والذي قد تبلورفي اتجاهين هما:
        * تحليل توصيفي: وذلك لوصف وتوضيح طبيعة العماره ألاسلاميه التي اقيمت في بغداد.
        * تحليل تعليلي: والذي من خلالها يصار الى استنباط قواعد واسس التصميم المعماري التاريخي  الذي  قد تم توفيره عبرقاعدة معلوماتيه يتم بموجبها استنباط الخصائص المعماريه.
        * ألاستنباط: من خلال هذه العمليه تم تحديد السماة المعماريه المميزه لعمارة بغداد التاريخيه بالمقارنه مع طبيعة ألاحتمالات الممكنه بصوره عامه في ضوء طبيعة كل خاصيه معماريه  وذلك من خلال ربطها مع بعض المفردات الأساسيه للغه المعماريه ألاسلاميه بغية اعتمادها في المستقبل لأستحداث تكوينات معماريه ذات تحسس للبيئه الأجتماعيه والطبيعيه لمدننا العربيه.
        منهجية التحليل
            اعتمد المنهج التحليل على تحديد السمات العامه المميزه للعماره العربيه/ألاسلاميه من خلال الأبنيه المختاره وذلك بطريقة تحديد مدى التشابه بين الأبنيه بالنسبه للمتغيرات المختلفه- بيئه وظيفه…الخ- ومن ثم فقد جرى على المستوى التفصيلي تحديد عناصر ألاختلاف بين الأبنيه عبر تشخيص التغير في السمات العامه المميزة لعمارة بغداد ألاسلاميه بالنسبه للنوع وبالنسبه للعصر من خلال هذا الأسلوب في التحليل تم التوصل تفصيليا لتحديد خصائص العماره ألاسلاميه القديمه وذلك من خلال إلقاء الضوء على مقدار ألاختلاف بين هذه الخصائص وارتباطها مع الأسباب التي من خلالها يصار إلى تفسير هذا ألاختلاف
            لقد تم اعتماد طرائقيه تحليليه وليس وصفيه عن مدى ارتباط الخصائص ألتصميمه مع أهم المتغيرات الوظيفية لغرض التعبير عن مدى تحقق مفهوم العمارة ألاسلاميه. ان هدف التوصل الى تحديد مدى انعكاس التباين الوظيفي تصميميا ساعد على إدراك فهم الأنماط الأجتماعيه. على سبيل المثال في المستوى العام فأن هناك ارتباط التصميم مع الوظيفه في البنايه ككل مع النوع ( مسجد , دار, مستشفى….الخ) وذلك باعتماد البنايه بشكل كامل كوحده للتحليل. اما من الناحيه التفصيليه فقد تم تحليل علاقة التصميم بالوظيفه وبصوره تفصيليه مع الفضاءات ضمن البنايه من ناحيه وبين الفعاليات من ناحيه آخرى في هذه الحاله فقد تم اعتماد الفضاء كوحدة للتحليل.
        ان الغرض من هذا الأسلوب في التحليل هو اعتماد اسلوب تعليلي وليس وصفي عن طبيعة ارتباط الخصائص التصميمية مع أهم المتغيرات البيئية وهكذا يمكن التعبير عنه في مدى انعكاس التباين البيئي والزمني على العماره ألاسلاميه  وذلك لأدراك العلاقه بين البيئه والعماره وبالتالي كيفية فهم عناصر البيئه من خلال دراسة التصميم في فترات مختلفه ولهذا الغرض ايضا فقد تم تطوير قاعده معلوماتيه على أسسها تم استنباط الخصائص التصميمه للعمارة البغداديه التاريخيه
في ضوء العرض السالف المختصر يمكن أن يدرك الباحثون والمهنيون بأن الدراسه التحليليه لبغداد تؤلف انجازا علميا يتوجب بذل كافة الجهود لغرض رفد المكتبه العربيه والاسلاميه بنتائجها وذلك لأعتمادها في أستحداث عماره وتخطيط اسلاميين معاصرين.