23 ديسمبر، 2024 10:35 م

المخرج الذي يصرح بأنه : يكره الجمهور

المخرج الذي يصرح بأنه : يكره الجمهور

حين ظهر المخرج الفرنسي موريس بيالا على المسرح، لاستلام السعفة الذهبية، التي حصل عليها فيلمه “تحت شمس الشيطان” سنة 1987 ، علا صفير المتفرجين، فما كان منه الا أن رفع قبضته في وجوههم قائلا: أنا أيضا، لا أحبكم.  ويبدو أن المخرج الفرنسي الذي قدم الكثير للسينما الفرنسية الدرامية، لا  “يحضى” بكره الجمهور وحده، اذ يشاركهم في هذه العاطفة كثير من العاملين في السينما، أيضا. ولتعرف هذا المخرج عن قرب، ترجمتُ هذه المقابلة التي أجراها معه شارل تيسون، ونشرَتها مجلةُ فن السينما الروسية. ولمن لم تتح له فرصة تعرف سيرة بيالا وأعماله نقدم هذا المختصر: ولد سنة 1929 ودرس في مدرسة الفنون الجميلة، فعمل رساما. اختاره المخرج الفرنس المعروف كلود شابرول ليمثل في فيلم “دع الوحش يموت”. وجاءته الشهرة بعد اخراجه فيلم “الطفولة العارية”، ثم عزز مكانته في السينما الفرنسية باخراجه عددا من أفلام الدراما الاجتماعية الحياتية من مثل: “لن نشيخ معا”، “لولو”، “تحت شمس الشيطان” ، وآخر أفلامه “الولد”. عبد الهادي الراوي

أنا من ضمن الذين لا يحب الآخرون العمل معهم
                                                           موريس بيلا
شارل تيسون: لقد مرت أكثر من خمس سنوات منذ عرض فيلمك ” الولد” على الشاشة، فما الذي يجري مع موريس بيالا؟ قلتَ لي بالتلفون: “أن أمثالك لا يعملون، لأن كل من هب ودب يصور هذه الأيام”.
موريس بيالا: فعلا، فالقضية في غاية البساطة: لا أحد يحتاجني. بل لا أحد يُحتاج.
شارل تيسون: حين جمعنا –قبل سنتين- المخرجين الشباب في مجلة “دفاتر السينما” بمناسبة سنوية “الموجة الجديدة”، كان اسمك يتردد أكثر ما يكون.
موريس بيالا: لكن هذا لا يعني شيئا، فقد يكون بعض الشباب يكن لي بعض الود. ولأنهم –الآن- في وضع صعب، فانهم لا يدركون مدى تخلفهم، فما تكلموا عنه في لقائكم ، كان سيكون معاصرا قبل خمس عشرة سنة، حين خرج فيلمي “من أجل حبنا”. في ذلك الزمن كانت تربطني–حقا-  بمخرجي “الموجة” صلة ما. وبصورة عامة، حين تنبهر كثيرا بانسان ما، فانك-في الوقت ذاته- تحس بحاجة ماسة للتخلص منه، فالسمعة والهيبة هي تأثير، انها تبعية لشخص آخر، فنان آخر. وباختصار تنبغي قتل الأب…يدهشني ان المخرجين المشهورين ونصف المشهورين-في هذه الأيام-يستعجلون لبس اللجام، بأن يخضعون لوصفات الآخرين. فهم يرون النجاة في ذلك. كان يمكنهم عمل شيء ثمين، لو أنهم فكروا مثلي: “لنر ما الذي سيحدث، لنغامر ونجرب”. لكن هذا لا يعني أني اعمل كل شيء كيف ما اتفق. كل ما هناك فني افضل إتباع الطبيعة، اذا كان هذا القول ممكنا، لا القوانين والنظريات.
اني اجد بقاء كل شيء –اليوم-على حاله، مذهلا. فظهور الكامرا الصغيرة لم يغير شيئا. كل الذين يبدأون العمل، ما أن يحصلوا على شيء من النقود حتى ينزعون الى التصوير كما تفعل هوليود: يكتبون السيناريو التنفيذي، ويؤلفون مجموعة سينمائية كبيرة والخ. مع أن ذلك يفترس ثلاثة أرباع الميزانيةن ان لم يكن أكثر قبل البدء بالتصوير، علما أن كل هذا، لا يعطي شيئا.

استنسخوا “الموجد الجديدة” مرات عديدة. لكن ما الذي استنسخوه؟ حدث أن قرأت مقابلة مع جون فو ، الذي تعجبني أفلامه باستثناء “المهمة مستحيلة 2”: حيث تحدث عن “الموجة الجديدة”. لكن ما علاقته هو بالموجة الجديدة؟ اننا نشهد ظاهرة تظاهر وادعاء عالمية، ألحقت أذى كبيرا بـ”الموجة”. اني أتصور أن “جماعة الموجة الجديدة” لم يروا من ما يحيط بهم شيئا ولم يهتموا بهذا المحيط أبدا، في حين لا نزال نرثيهم. “الموجة الجديدة” ظاهرة غير سينمائية، مثلها مثل محاولات ربط ابداع الفيلم بالسيناريو، ربط النتيجة الجاهزة ربطا عبوديا بالمرحلة الاولية للعملية، أي بالأساس السيناريوي. أنا لا أقول أن السيناريو لا ضرورة له بصورة عامة، فلست متطرفا، لكن حين تصور فيلما، فكأنك تكتب كتابا بالضبط. أنا أعرف كثيرين من الذين اجتهدوا كثيرا في العمل على السيناريو، لكن النتيجة كانت حصول العكس مما كانوا يريدون. وكانت تلك النتائج تراجيديا بالنسبة لأوئك الحروفيين، المخرجين-الكتاب.
شارل تيسون: يؤكد بريسون، أن حياة الفيلم أهم من حياة البطل، وأن هذا ينطبق على الرواية أيضا، إذ ، مثلا ما أن يبدأ بلزاك وصف الأبطال بتفصيل مبالغ فيه، حتى ينتظره الفشل. لدي انطباع أنك في هذه المسألة نقيض لريسون. البطل- بالنسبة لك-وتصرفاته وتلاوين طبعه، وحتى حركيته، تحدد حياة الفيلم، هل أنا محق؟
موريس بيالا: يبدو أنه كذلك. لنأخذ مثلا مشهد السلة في فيلم “يوميات قس قروي”. فإذ أعرف كيف يعمل بريسون، أستطيع التخمين بسهولة أن تصوير هذا المشهد كان سيأخذ يوم عمل كامل، مع أنه لم يكن بصورة بطيئة.  أنا لا أحسن تصوير ثلاث شمعات في سلة في يوم كامل، لأني لا أسمع ما يقوله الممثلون، وهذا –بالنسبة لي- أهم من كل شيء.
شارل تيسون: يعني هكذا، البطل يضع الشموع في السلة؟
موريس بيالا: نعم،  انه يزمع السفر، وتأتي اليه فتاة. يجمع الأشياء ويضع في السلة مختلف الحاجات الكنسية ومن بينها الشموع. اني أرى هذا المشهد بشعا، فهي قد تفككت كلها فجأة. كان الأفضل لو أن البطل لم يعمل شيئا حين كان يكلم الفتاة، وكانت النتيجة ستكون أفضل. عجيب أن بريسون لم يلاحظ ذلك.
على الرغم من هذه المماحكة، فقد أحببت بريسون، وما زلت أحبه، وإن أقل قليلا.
شارل تيسون: أنت تحب كارل دريير بحرارة؟
موريس بيالا: أحببت دريير بحرارة،لكن لا ينبغي عبادة الأشخاص والسجود لهم.
شارل تيسون: لماذا؟
موريس بيالا: لأنك ستسقط حينئذ في ما أسميه الأكاديمية. الأكاديمية في الرسم واضح جدا، في السينما أقل؟ أنا أعرف عم أتحدث. مع أن هناك امكانية للعثور في فيلمي “تحت شمس الشيطان” على بعض الحسنات، فهو فيلم أكاديمي. لقد حصل ذلك بسبب كسلي. كان علي أن أصوره منذ مدة طويلة أو أن لا أصوره أبدا.
شارل تيسون: لماذا تريد إعادة مونتاج “الولد”؟
موريس بيالا: في واقع الأمر، أنا لم أمنتجه، ففيه قدر من الأماكن المهملة، بحيث أعطيت المادة المصورة للمونتيرة، كي أتخلص من التعب في معالجتها. خلال التصوير، كنت أتمنى لو أن الفيلم المصور يحترق، لو ان غرفة المونتاج احترقت، لو لم يبق من المادة مترا واحدا.
شارل تيسون: أنت تتكلم عن النزوع لبلوغ الكمال. رينوار يؤكد أن المنتجين هم الذين يسعول الى الكمال، لكن المهم في الفيلم هي شخصية المؤلف. هل توافقه الرأي؟
موريس بيالا : مئة بالمئة. لكن السلطة كلها بيد المنتجين. في واقع الحال، نحن –دائما- نتعامل مع سينما المنتجين. غالبية المنتجين عاجزين عن إخراج فيلم، لكنهم ينزعون الى ذلك بعنف، لذا يحولون عقدهم الى المخرجين.
شارل تيسون: هل تقول هذا استنادا الى تجربة شخصية؟
موريس بيالا: طبها. فهل كان “فان غوغ” يستحق التصوير؟ من الظاهر أنه لا يستحق. لكن حين شرعنا في العمل، صار التراجع متأخرا. فمثلا التصوير في أوفير غير ممكن بسبب الطائرات المارة فوقها. فوجدنا مكانا آخر بصعوبة بالغة، لذا لن تجد أوفير في الفيلم. وبالنتيجة صورنا فيلما “صامتا” : أنا أسمي مثل هذا الفيلم “صامتا”، إذ فيه من المؤثرات أقل بثلاث أو أربع مرات، والممثلون يمثلون بطريقة سيئة، فهم لا يستطيعون التناغم من غير خلفية صوتية غنية. حين صورنا “تحت شمس الشيطان” تسلينا كثيرا. أتكلم بصيغة نحن لأني اشتركت في التمثيل، واستطيع حتى الافتخار بنفسي كممثل. حتى أنني جعلت الممثلين يغارون مني كممثل، لأني اشتركت في تصويت أكثر المشاهد، في حين لم يكونوا جيدين بدرجة كافية. وعلى ارغم من ذلك، لم أر أحدا يمثل بطريقة أكثر التماعا من ساندرين بونر. فلو كانت مزكومة أثناء التصوير الخارجي، تجدها –خلال الدوبلاج- تعاني ذلك الزكام. لقد اختلفت منذ ذلك الحين، لكنها لم تفقد صفاتها القديمة. وجيرار دينارديو لم يكن سيئا. كانت لدي معه بعض المشاهد، وأستطيع القول اني مثلت أفضل مما فعلت خلال مشاهد التصوير المتزامن. ولو قارننا الصوت المسجل في التصوير المتزامن مع الصوت الذي حصلنا عليه بواسطة الدوبلاج، يظهر أن الأول أفضل كثيرا. لكن يحدث العكس ايضا. فالدوبلاج هو نسخة من الأصل.
شارل تيسون: هل يعرف ممثلوك أنهم سيُدَبلَجون؟
موريس بيالا: أنهم مُنهَكون بما فيه الكفاية، وهو ما شارك في قتل بريسون، كما أرى. فقد كان سيستطيع الحصول على ما يبغي، من غير أن يجبر الممثلين على الكلام بطريقة محددة خلال التصوير، بتنغيم الكلام بهذه الطريقة لا بغيرها. لكن ينبغي الاعتراف أن نتيجة هذا العمل المجد المجهد تبقى لفترة طويلة.
شارل تيسون: لم تصور بعد “الولد” شيئا، هل يمكن أن نسميك مخرجا يحترمونه من بعيد، لكنهم يخشون الاقتراب منه؟
موريس بيالا: أو د أن أسأل من الذي يخشاني ومن الذي يحترمني؟
شارل تيسون: المنتجون يخافوك.
موريس بيالاك المنتجون لا يخافوني، انهم يتجاهلونني ولا يهمهم أمري. طريقي كان طريق الصعود الى الجلجلة. لقد خدعني تصنع المنتجين والموظفين في السينما. ولأني واقعي لم أطلب الكثير، ذلك أني مخرج تحقق أفلامه نجاحا معقولا، لكنه أكيد، وجدت نفسي في حالة انسان يلعب المنتجون معه لعبة القط والفأر. كانوا يقولون لي : “مريح جدا أن نراك، فقد مضت عشر سنوات ونحن نحلم بلقائك”. لكنهم -في الواقع- لم يفكروا بي أبدا. أن من أولئك الناس الذين لا يود أحد العمل معهم. واذا كنت قد صورت أفلاما، فذلك لأن أعدائي أغبياء بدرجة يمكن الاحتيال عليهم بسهولة شديدة.
شارل تيسون: هل لديك فكرة تود تحقيقها؟
موريس بيالا: أستطيع أن أصور فقط، حين أجد ما أناقضه. أنا أعتقد أنه ينبغي اجبار الكثيرين من الفرنسيين على أن يشكوا في أنفسهم. فرنسا غارقة في الباطل. فهل كانت كذلك دائما؟ وفي كل الأزمنة؟ لا أدري. هناك بعض البلدان التي فضحت نفسها بالكذب. ففيشي أكبر من فيشي الشخص، وهذا يخص الكثيرين، ومن ضمنهم أولئك الذين كانوا ضدا لهذا العار الوطني. كان الكلام عن هذا ممتعا البارحة، لكنه كان سيكلف كثيرا، ذلك أن هؤلاء الناس كانوا لا يزالون أحياءا. أماعمل مثل هذا الفيلم اليوم، فلن يهتم به أحد. هكذا تشكلت حياتي ، سينماي كانت اما قبل وقتها أو متأخرة.
شارل تيسون : ما شكل علاقتك بالممثلين؟
موريس بيالا: من وجهة نظري، حين يقف الممثلون أمام الكاميرا، فهذا يعني 80% من الفيلم. أهم ما في الفيلم، تمثيل الممثلين، وكل ما سواها هراء. حين تبدأ التصوير، فلا حاجة بك حتى للسيناريو. يا الهي ، كم تعبت من تكرار هذا لأربعين سنة. كنت أقول: “يا الهي،  الآن، هذه “الموجة الجديدة” الملعونة قد ماتت، وأخيرا يمكن نسيان عبادة السيناريو”.
شارل تيسون: لكن أسطورة “الموجة الجديدة” تأسست على غياب السيناريو، والارتجال في عمل الممثلين.
موريس بيالا: لم يكونوا يرتجلون كثيرا، بشكل خاص.
شارل تيسون: كانوا يصورون على شريط 35 ملم، ورفضوا التصوير على 16 ملم.
موريس بيالا: لحد الآن، وأنا أصور على 35 ملم . شريط 16 ملم مخصص للتلفزيون. أنا صورت عليه أطول أفلامي “البيت الخشبي”.
شارل تيسون: يعدّونك مخرجا-طبيعيا. فماذا تقول؟
موريس بيالا: هذا يبدو مُعيبا، وخاصة في فرنسا. وفي نهاية المطاف، وحتى قبل أن تنطق بالكلمة، الجميع يفكرون بالحقيقية ( verism ). لكن الحقيقية، هي أيضا ليبريتو بوجيني. ولن تستطيع تسمية بوجيني  طبيعيا. ذلك أن الكلام –على أقل تقدير- يدور حول الموسيقى.
شارل تيسون : هل تشاهد الكثير من الأفلام الأمريكية؟
موريس بيالا: لم أفقد شهيتي بعد، نعم ، أشاهد، وأفضلها على الأفلام الفرنسية التي تصيبني بالغثيان.
شارل تيسون: لماذا؟
موريس بيالا: لا أحب ممثلينا، ولا أحب رؤيتهم.
شارل تيسون: وحتى ديبارديه؟
موريس بيالا: معه كل شيء واضح. ما يعمله سابقا، يخرج من بين الأقواس، بالنسبة له الأهم، ما يعمله اليوم. حين أشاهده في “المنبوذون” ألهو كثيرا. منذ البداية معلوم أن كل شيء سينتهي على خير. حتى لو أخذناه، أخذنا بطله بالحسبان. مثل ما لو دخلت الى مطعم واشتهيت أن تأكل كل شيء.
شارل تيسون: أنت تفضل أفلمة الروايات الجيدة؟
موريس بيالا: لكي تصور فيلما جيدا، من غير أن يهتم به أحد، لاتحتاج الى كتاب جيد أبدا. لكن يوجد استثناء، مثل “نزهة خارج المدينة” لرينوار، هذا الفيلم الذي أفضله على قصة موباسان اللطيفة. لقد شاهدته ما يقرب من عشرين مرة. رينوار كان يحب جماعة “الموجة الجديدة”. ولهذا –بالتحديد- كان صعب عليه أن يكرههم: كان يجمعهم ذوق واحد. أنا أفضل…
شارل تيسون: رينيه كلير؟
موريس بيالا: نعم، وبعد ذلك أحببت فورد أكثر من هيوستين.
شارل تيسون: في البداية، لم تكن “الموجة الجديدة”  تحب فوردا.
موريس بيالا: صحيحح؟ الفرق بين السينما الأمركية والأوربية بسيط جدا: ديلانوا الأمريكي هو فورد، وفورد الفرنسي هو ديلانوا. لكن في الآن نفسه، فورد سينما، أما ديلانوا فلا. فورد هو الولايات المتحدة، وديلانوا هو فرنسا. يربكني أن فرنسا –بالتحديد- هي التي تسمح  بادراك الفرق بينهما.وأنا لاأتكلم عن الامكانات المعطاة لفورد أبدا. فكثير من مواضيعه قذارة وغباء. وإذ أتكلم عن ديلانوا، أستطيع ذكر ديوفيفيه.
شارل تيسون: لكن ديوفيفيه أفضل، مع ذلك.
موريس بيالا: مَثَل ديلانوا أقرب لما أردت قوله. ديوفيفيه –مع ذلك- أفضل من فورد الفرنسي. لقد أعدت مشاهدة “هذا هو زمن القتلة” تمثيل بلين وغابين، منذ فترة قصيرة. ليس سيئا على الاطلاق. وخاصة بالنسبة للسينما الفرنسية. عند فورد يظهر جليا، الجهد المبذول. يبدو لي ان موهبة الانسان، افضل ما يوصفها هو بلده. لا القومية، بل البلد. فاذا كان البلد رائدا، فالموهبة رائدة، ايضا. انه من هذا البلد، ويعبر عن مصالحه. ثم ان البلد يعطيه امكانية العمل. أنا لا أعرف الولايات المتحدة، لكني لاحظت أن الأمريكان يفتخرون كثيرا بكونهم أمريكان، لكني لا املك أساسا للافتخار بكوني فرنسيا.
شارل تيسون: هل لا زلت تحب “الانسان-الوحش” لرينوار؟
موريس بيالا: نعم. لأني من عائلة تعمل في السكك الحديد، وبطله يعمل سائق قطار. كان جدي موظفا كبيرا، كما يقولون هذه الأيام. وكان خجولا جدا ومنبهرا بالسواق. وذات مرة أخذني أحد السواق ضيفا الى منزله، حيث كان يسكن في بيت من بيوت الشركة..كل هذا يقربني من رينوار. حين كتبت الصحف أنه سيصور “الانسان-الوحش”، ذهبنا لنتفرج على العمل. أذكر الصور المنشورة وتحتها ملاحظة: لاحظوا دقة الديكورات.
لم تكن عائلتنا تملك كاميرا يدوية، وعلى العكس من كثير من زملائي، لم تكن عندي امكانية تصوير السينما منذ الطفولة تقريبا. لقد كان ذلك حلما بالنسبة لي. حين كان عمري تسع أو عشر سنوات، كان فيلمي المفضل هو “الصلبان الخشبية” للمخرج رايمن بيرنار، عن جنود الحرب العالمية الأولى.   وكنت أعرف طوله بالأمتار، ربما قرأت ذلك في جريدة ما. هكذا كانت علاقتي-بدرجة ما- بالسينما. وهي تختلف-تماما-عن الشكل التعليمي الجامعي  للمتعلمين، الذين لم يتعلموا شيئا، مع ذلك. وتروفو كان انسانا جاهلا تماما.
شارل تيسون: علَّم نفسه بنفسه، وقد كونه بازن.
موريس بيالا: بالظبط، وهذه صارت جامعته. السينما لم تكن لي جامعة أبدا، هذه الفكرة ولدتها “الموجة الجديدة”