22 ديسمبر، 2024 11:04 م

المخدرات لتمويل الجهاد

المخدرات لتمويل الجهاد

 

لاشك انه عنوان صادم، كونه يجمع بين نقيضين، فالمنطق الصوري يرى استحالة اجتماع النقيضين في شيء واحد، لكنه قد يصبح أمرا محتملا ضمن افرازات هذا العالم المليء بالتعقيدات وتضارب المصالح والاهواء والسياسات التي تعتمد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. هكذا جائت افتتاحية صحيفة النبأ العدد 242 بعنوان (المخدرات تنعش العلاقات بين الصليبيين والطواغيت). للرد على المعلومات الاخيرة التي اعلنتها الشرطة الايطالية بمصادرة شحنة ضخمة من المخدرات (حبوب الكبتاغون) بلغت قيمتها مليار دولار تعود “للدولة الاسلامية”. هذا الخبر تم عرضه مدعوما بفيديو يوثق الكميات المصادرة وطريقة تغليفها واخفائها، والتي عكست وجود قدرات كبيرة وخبرات هائلة لشبكات تجيد التهريب باستخدام الموانئ والحاويات وتزور الوثائق اللازمة لادخال ملايين الحبوب من المخدرات تغطي ليس فقط حاجة ايطاليا بل السوق الاوربية كلها. ويبدو ان اتهاما من هذا النوع (الاتجار بالمخدرات لتمويل الجهاد) قد مس عصبا مهما لدى التنظيم مما دفعه للرد بهذه السرعة وهذه الصيغة، واذا كان النص حاضرا في كل مرة لتبرير اي من الجرائم التي يقدم عليها التنظيم ويجد لها المبررات الشرعية اللازمة، الا انه كان غائبا هذه المرة بصورة تامة، فجاءت الدفوعات والمبررات هشة وغير متماسكة. فالحقيقة القاسية التي يدركها التنظيم ان تصديق الناس لخبر الاتجار بالمخدرات لتمويل الجهاد سيؤدي حتما الى تشويه سمعة المجاهدين ويصد الناس عن (تلبية دعوة الحق). ولهذا وكخطوة اولى سنحاول اختبار المبررات التي قدمها التنظيم، ومدى وجاهة الحجة التي ساقها لاسقاط هذه التهمة المشينة.
اعتمد معد المقال على التحليلات التي تناولت خبر الاتجار بالمخدرات لتمويل الجهاد، والتي ذهبت في مجملها الى:
سبب اتهام داعش بالوقوف وراء هذه العملية هو لابعاد الشبهات عن رجال اعمال ومسؤولين نافذين في ايطاليا.
الضغوطات التي مارستها عصابات المافيا على الحكومة الايطالية لاخفاء مصدر البضاعة.
ان عصابات تابعة للنظام النصيري هي من أرسلت المخدرات الى اوروبا. باعتبار ان ميناء اللاذقية تحت سيطرة النظام السوري.
انها جزء من حملة صليبية على الدولة الاسلامية لتشوية سمعتها.
من اسباب الحملة الصليبية على خراسان وبقاء الجيوش الصليبية فيها هي ضمان انتاج الافيون والسيطرة على سوقه.
ثم ليستنتج كاتب المقال ان تغطية الحكومة الايطالية على النظام النصيري في الحادثة، تكشف عن طبيعة العلاقات السرية التي تربط الطواغيت الحاكمين لبلدان المسلمين بتلك الدول الصليبية، وتجمعهم شراكات في مشاريع كثيرة غير مكشوفة تتعلق بالسلاح والمخدرات وتبييض الاموال وما شابه من صفقات الاقتصاد الخفي.
الملاحظ في كل ما ورد اعلاه من تبريرات، ان معد المقال لم يات بشيء من داخل التنظيم لدفع التهمة، فلم نلمس في الرد اي اشارة ولو بصورة خفية للموقف الشرعي لداعش من التجارة بالمخدرات او تبييض الاموال، كما لم نشهد محاسبة أو تعزير لمتناولي حبوب الكبتاغون من مقاتلي داعش من قبل رجال الحسبة اثناء فترة التمكين ولو لمرة واحدة!!! في وقت اشارت فيه معلومات استخبارية عديدة الى ان اغلب من القي القبض عليهم من الانتحاريين كانوا تحت تاثير المخدرات. وفي نفس السياق لاحظنا في العام 2018 ، عندما اتهمت امريكا حزب الله اللبناني بالإتجار بالمخدرات جاء الرد من السيد حسن نصر الله حازما ومختصرا وقطعيا وكما يلي (أريد التذكير بشكل قاطع أن هذه افتراءات واتهامات ظالمة ولا تستند إلى أي وقائع وليس لها أي حقيقة وحزب الله له موقف شرعي وديني واضح جدا بأن الاتجار بالمخدرات ممنوع وحرام وهو من الكبائر أيضا ونحن نحرم الاتجار بالمخدرات حتى في مجتمعات العدو، أي المجتمع الاسرائيلي لأن أصل الاتجار ونشر المخدرات حرام). فلماذا اغفل معد المقال الموقف الشرعي للتنظيم من هذه القضية، في وقت تؤكد فيه اغلب الدلائل التصاق داعش بالنص وبالشريعة بصورة حادة؟!. وما قدم من مبررات لم تدعم الحجة كونها مجرد تحليلات اقتربت كثيرا من مغالطة (رجل القش)، أمام ادلة مادية وتوثيق عودتنا عليها الاجهزة الاستخبارية الخاصة بمتابعة عمليات الاتجار بالمخدرات وتبييض الاموال بعرض الحقائق والمعلومات الخاصة بالشبكات المتورطة (صورة وصوت)، تماما كما حصل مع مجموعة العمل التي كشفها “مشروع كاسندرا”، وهو اسم العملية الأمنية التي أدت إلى كشف الشبكة التابعة لحزب الله المتورطة في عمليات تهريب المخدرات إلى أمريكا وأوروبا. وهكذا فان افتتاحية النبأ لم تنجح في تفنيد الادعاءات بتورط داعش بتجارة المخدرات مما يجعل مصداقية التنظيم الشرعية محل شك عميق.