9 أبريل، 2024 4:08 ص
Search
Close this search box.

المخاطر الجسيمة للتلوث البيئي في العاصمة بغداد وأثره على الصحة العامة للمواطنين

Facebook
Twitter
LinkedIn

في البداية لا بد لنا من تعريف البيئة بشكل مبسط، فهي كل ما هو خارج عن كيان الإنسان، وكل ما يحيط به من موجودات، فالهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه، والأرض التي يسكن عليها ويزرعها، وما يحيط به من كائنات حية أو من جماد هي عناصر البيئة التي يعيش فيها، وهي الإطار الذي يمارس فيه نشاطاته المختلفة.
إن أهم ما يميز البيئة الطبيعية هو التوازن الدقيق القائم بين عناصرها المختلفة والذي يسمى بالتوازن البيئي، وإن أي تغيير غير مرغوب فيه لعناصر البيئة ناتج عن أنشطة الإنسان سيسبب ضرراً للصحة الإنسانية والكائنات الحية وبذلك يعد تلوثًا بيئيا.
إن أخطر أنواع التلوث هي تلوث الهواء والماء والتربة، يليها التلوث بالإشعاع الكهرومغناطيسي كالذي ينبعث من أبراج الهواتف النقالة.
ومن بين أنواع التلوث أعلاه يعتبر تلوث الماء من أوائل الموضوعات التي إهتم بها العلماء والمختصون بمجال التلوث، وليس من الغريب أن يكون حجم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أكبر من حجم تلك التي تناولت باقي فروع التلوث. ولعل السر في ذلك مرده إلى سببين :
الأول: أهمية الماء وضرورته، فهو يدخل في كل العمليات البايولوجية والصناعية، ولا يمكن لأي كائن حي مهما كان شكله أو نوعه أو حجمه أن يعيش بدونه.
الثاني: أن الماء يشغل أكبر حيز في الكرة الأرضية، وهو أكثر مادة منفردة موجودة به، إذ تبلغ مساحة السطح المائي حوالي 70.8% من مساحة الكرة الارضية. وبالتالي فإن تلوث الماء يؤدي إلى حدوث أضرار بالغة ذات أخطار جسيمة بالكائنات الحية، ويخل بالتوازن البيئي الذي لن يكون له معنى ولن تكون له قيمة إذا ما فسدت خواص المكون الرئيسي له وهو الماء.
ومن أهم ملوثات الماء في بغداد بشكل خاص هي مياه الصرف الصحي ومياه المجاري التي عند إنتقالها إلى الأنهار والتربة فإنها تسبب تلوثاً خطيراً يؤدي إلى ضرر كبير لا يحمد عقباه على الصحة العامة.
وكإختصاصي بالصحة البيئية، فقد قمت بزيارات لبعض مناطق العاصمة للكشف عن بؤر بيئية تمثل مواقع خطرة مخلة بالصحة العامة فوجدت على سبيل المثال لا الحصر أن هناك موقعين في العاصمة يعتبران من أسوأ بؤر الإخلال بالتوازن البيئي في بغداد وأخطرها على صحة الإنسان، وهي:

1. المبزل الواقع غرب بغداد (صورة رقم 1)، والذي يبدأ من منطقة العبيدي وينتهي ليصب بنهر دجلة عند صدر قناة الجيش حيث يعتبر بتقديري واحداً من أخطر بؤر التلوث البيئي والصحي في دول العالم الثالث، ذلك نظراً لإتساع رقعته الجغرافية حيث طوله بحدود 40 – 45 كلم ولأنه يمر في أكثر المناطق كثافة بالسكان في العاصمة، كما أنه يستعمل لتصريف المياه الثقيلة للدور السكنية التي يمر بها إضافة لرمي كل أشكال الأوساخ والقاذورات والحيوانات الميتة فيه.

ومن خلال عملي كمستشار بالصحة البيئية مع العديد من المنظمات الدولية، فقد زرت أكثر من 50 عاصمة من شرق الكرة الأرضية إلى غربها (دول في أمريكا اللاتينية وآسيا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، إضافة لدول حوض البحر المتوسط ومعظم دول أوربا الغربية)، فإني لم أجد أو أشاهد بؤرة تلوث بيئي/صحي تخل بالتوازن البيئي وتشكل خطراً كبيرا على الصحة العامة كالذي شاهدته في المبزل المذكور، كما أني لم أشاهد عاصمة أوسخ بيئياً من بغداد.

إضافة لذلك، فمن يمر بشوارع العاصمة وفي جميع مناطقها، بدون إستثناء، يرى أطناناً من النفايات المنزلية ترمى في أراضٍ متروكة داخل المناطق السكنية والتي لا يتم جمعها والتخلص منها بشكل دوري ومنظم، وهذا بحد ذاته عامل بيئي خطير للإخلال بالصحة العامة. لقد أصبح من المعروف والمؤكد علمياً ودون أي شك أن النفايات المنـزلية تحتوي على جراثيم عديدة مسببة للأمراض. ومن المؤلم أن العلماء يتوصلون باستمرار إلى تكنولوجيا جديدة، ومزيد من المواد الكيميائية، ومواد أشد مقاومة، دون أن يتوصلوا بعد إلى طريقة للتخلص من النفايات الناجمة عنها بنفس السهولة التي نشتريها ونستعملها. تداهمنا الإعلانات بسلع جديدة، وبعروض جديدة نسارع إلى استهلاكها. وبعد ذلك لا أحد كالعادة يريد أن يعرف شيئا عن النفايات الناجمة عن ذلك.

نحن أمام مشكلة لا تقتصر على النفايات وحدها بل وتمتد إلى وعي المواطن، على اعتبار أن المواطن هو الذي يصنع النفايات، أما في المنزل الذي يسكنه أو في المؤسسة التي يعمل فيها. لهذا يعتبر المواطن بطريقة أو بأخرى مصدرا للموارد التي تولد هذه المشاكل. عندما تتشكل النفايات يرفض الجميع تولي مسئوليتها، سواء على صعيد الأفراد أو الجماعات. مع أن الجميع يعون تماما وجود النفايات ويعون أنهم سبب وجودها.

2. محطة جمع وضخ مياه الصرف الصحي (صورة رقم 2) التي تقع وسط حي سكني من أحياء منطقة السبع إبكار (بغداد-الرصافة) والتي لم أرى مثل موقعها المؤثر سلباً على البيئة والصحة العامة في أي دولة من دول العالم التي عملت فيها أو زرتها، ولا أدري أي جهة نفذت بناء هذه المحطة وسط حي سكني ولا كيف فكر المسؤولون ببنائها هناك.

إن مياه المبزل الملوثة بمياه الصرف الصحي والأوساخ على إختلاف أنواعها والمياه الثقيلة التي تجمع في محطة السبع إبكار تضخ إلى محطة تقع في صدر قناة الجيش والتي بدورها تضح تلك المياه القذرة إلى نهر دجلة، وبهذا تتلوث مياه النهر ناقة ذلك التلوث من تلك المنطقة وحتى مصب النهر.

إنه بصراحة أخطر حالة تلوث للمياه في العالم بحيث أنه يؤثر ليس فقط على صحة البشر جنوب منطقة محطة الضخ في صدر قناة الجيش، بل على التربة وعلى كل المنتجات الزراعية التي تسقى من تلك المياه الملوثة لري الأراضي الزراعية منها وعلى إمتداد نهر دجلة.

العلاج
• تشكيل هيئة وطنية للصحة البيئية National Environmental Health Authority وتكون هذه هيئة رقابية تفتيشية، في العاصمة بالذات، مهمتها منع وتجريم أي إخلال بعوامل الحفاظ على بيئة صحية في بغداد.
• يضاف إلى ذلك حملة إعلامية تهتم بتنمية الوعي البيئي لدى المواطن بشكل جيد لاسيما أن البيئة تمثل أهميةً كبيرةً للإنسان، فهي المحيط الذي يعيش فيه، ويحصل منه على مقومات حياته من طعامٍ وشرابٍ وهواءٍ، وهي المحيط الذي يتفاعل معه ويمارس فيه علاقاته المختلفة مع غيره من الكائنات والمكونات.إضافة إلى توعية المواطن بأهمية البيئة لصحة المجتمع وسلامته من الأمراض، وخصوصا الخطرة منها.
• إعادة تصنيع/تدوير النفايات.
• يجب دراسة طرق الحد من تأثير الغبار على المواطن في العاصمة بالذات من خلال العودة وبشكل مكثف بإحاطة العاصمة بحزام أخضر وزرع الحشائش في الأرض غير المستغلة لأي غرض.
• يجب ردم مبزل غرب بغداد تماما كما تم ردم نهر الخر سابقا في عام 2002، وإيقاف العمل بمحطة جمع وضخ مياه الصرف الصحي في منطقة السبع إبكار ومن ثم ردمها والتخلي عنها تماماً. كما ننصح الجهات المسؤولة عن البيئة في العاصمة والمسؤولة عن التخلص من مياه الصرف الصحي فيها الإستفادة من الطرق الحديثة في معالجة مياه الصرف الصحي وكيفية الإستفادة منها بعد معالجتها.

كلي أمل أن تأخذ الجهات المهتمة بالبيئة هذا الموضوع محمل الجد والإهتمام وتباشر فورا بالتخلص من هذا الخطر البيئي الجسيم على صحة سكان العاصمة.

ويبقى السؤال المهم: هل سيبني العراق عاصمة إدارية جديدة له ونتخلص من الوساخة البيئية والبناء العشوائي لبغداد كما ستبني مصر عاصمة إدارية جديدة لها؟؟؟

* أستاذ متخصص بالفسلجة الطبية وخبير بالصحة البيئية
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب