رغم غياب الاحصاءات الرسمية الدقيقة عن عدد النازحين العراقيين من اماكن سكناهم الى اماكن اخرى مؤقتة , الا ان هناك مايشير بان عددهم يزيد عن مليونين ويستطيع المتتبع ان يقدر عددهم من خلال تخصيصات الحكومة للنازحين , فقد خصصت في البداية 500 مليار دينار ثم جعلت التخصيص ترليون ليوزع على العوائل النازحة بمعدل مليون دينار لكل عائلة , وهو مايعني ضمنا بان عدد العوائل هو بحدود مليون عائلة واذا افترضنا بان كل عائلة تتكون من 4 افراد فان العدد سيكون اربعة ملايين نازحا , ولكننا لانتوقع هذا العدد رغم ان هناك احداثا مهمة قد بدات مطلع العام الحالي وادت الى النزوح وهي كما معروف احداث الفلوجة والانبار والكرمة وتبعتها ابو غريب بعد الفيضان ثم احداث ما بعد 10/ 6 في الموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك وبعض مناطق حزام بغداد التي اضطر الجيش لاخلائها من السكان لمواجهة الجماعات المسلحة والارهاب .
وقد استطاعت العوائل الميسورة من التوجه الى خارج العراق او تحمل نفقات الاقامة في محافظات اقليم كردستان كما لجات عوائل اخرى الى محافظات العراق الامنة فستاجرت مساكن وانعمت بنوع من الاستقرار, وهذه اخذت تشعر بالضيق يوما بعد يوم لان الازمة اخذت تطول ولم تنفرج لحد الان مما افرغ بعض الجيوب , اما الغالبية العظمى وهم من الفقراء او ممن تحولوا الى فقراء بعد هدم منازلهم وسرقتها واجبارهم على الخروج بملابسهم فقط حتى من دون مستمسكات ثبوتية احيانا فقد رحلوا الى المجهول واقيمت لهم فيما بعد مخيمات في مناطق بعيدة عن المدن وتفتقر الى ابسط الخدمات والمتطلبات الانسانية , وقد بادرت بعض الجمعيات الانسانية الخيرية والجهات الدينية والرسمية الى ايجاد ملاذات امنة للنازحين فاسكنوهم بيوت الله من الجوامع والمساجد والحسينيات ولانها لم تسعهم فقد فتحت لهم المدارس والاقسام الداخلية في الكليات والمعاهد والجامعات كما تم استغلال القاعات واية امكنة للايواء رغم انها غير صالحة للسكن البشري .
وقد تم تكريس الجهد الوطني لخدمة النازحين ولكن هذا الجهد لم يتمكن من استيعاب الاعداد الكبيرة من النازحين لان البلد يعاني بالاساس من وجود نقص في الوحدات السكنية وازمة حقيقية في السكن كان من تداعياتها ارتفاع الايجارات واسعار العقارات , واذا وصلت منحة الحكومة البالغة مليون دينار لكل عائلة نازحة الى نسبة ضئيلة منهم فانها لاتداوي الجراحات لان هذا المبلغ غير قادر على سد جزءا بسيطا من الاحتياجات اليومية في ظل الارتفاع في الاسعار الذي ظهر بشكل واسع بعد الاحداث الاخيرة وتعدد الاحتياجات لتلك الاسر ابتداءا من الملابس الفردية , وحسب ما تصلنا من اخبار عن النازحين فان بعضهم تحولوا الى شبه متسولين لانهم ينتظرون الوجبات التي تصلهم من المتبرعين وبمناظر اشبه بالمجاعات التي تعرضها الشاشات عن الصومال , والمشكلة الاخرى التي تعترضهم هو عدم وجود جهود منظمة لانشاء قاعدة بيانات خاصة بهم نظرا لتعدد الجهات التي تغيثهم وعدم ارتباطها بجهة جامعة لتلك الجهود المباركة .
وفي ذاكرة النازحين من كل مناطق العراق الكثير من الاحزان والالام واشدها من تلعفر والطوز وسنجار وامرلي وبعشيقة والفلوجة والمنصورية وغيرها من مدننا العزيزة وتتخلل هذه الاحزان ذرف الدموع على ما فقدوه من الاهل والاعزاء والعيش في اوضاع ماساوية وضياع ما ادخروه طيلة حياتهم من اموال ومقتنيات تركوها لينعموا بحياة خالية من السعادة , ولكن الاكثر من هذه الهموم هو ما سيحل بهم خلال القادم من الايام , فالحسابات والحسبات البسيطة تدل ان العودة الى ما كانوا عليه سوف لايتحقق خلال سنة 2014 على الاقل , مما يعني اضطرار من يسكن المدارس والمؤسسات التعليمية لتركها بعد ايام لغرض استئناف الدراسة فيها كما ان الاقامة في المساجد ومدن الزائرين لابد وان ينتهي يوما لان موسم الزيارات والشعائر قادما بعد اسابيع , اما الساكنين في مخيمات الخازر وبعض المخيمات الاخرى التي انشات بطريقة الاضطرار فانهم سيواجهون مشكلات ومخاطر حقيقية عند قدوم موسم الشتاء حيث ان البرد لا يرحم شبه العراة كما ان الامطار في تلك المناطق لها قدرتها الالهية على جرف الترب وتحول المناطق التي يسكنونها لوضع يغاير اوضاع الصيف رغم صعوباتها الكبيرة في اشهر حزيران وتموز واب .
وحسب ما ينشر بوسائل الاعلام فان هناك اجراءات لتحويل بعض المناطق الى كرفانات لاسكان النازحين ولكن ما يعلن عنه لايمكن ان يستوعب 10% من مجموع النازحين في افضل الاحوال , دون ان نهمل مسالة مهمة وهي ان من بين النازحين اعداد كبيرة من الطلبة وبعضهم لم يكملوا امتحانات الدور الاول للعام الدراسي 2013/ 2014 وهم غير قادرين على اداء تلك الامتحانات في القادم من الايام بسبب فقدان مستلزماتهم الدراسية وعدم توفر اماكن بديلة لاداء الامتحانات وضعف الرغبة بسبب المعانات النفسية لهم ولعوائلهم , وصحيح ان وزارتي التربية والتعليم العالي قد وفرت بعض التسهيلات لهم لاكمال دراستهم ولكن اوضاع النازحين اللوجستية لا تسمح لهم باكمال دراستهم , وان اعتبار رسوبهم سنوات عدم رسوب سيضيع من فرص حياتهم , كما ان هناك معوقات اخرى تتعلق بالتحاق الموظفين والعاملين في الدولة من الالتحاق بوظائفهم لعدم توفر وظائف مشابهة في اماكن نزوحهم , ولعل المشكلة الاكبر هي التي تواجه العاملين في القطاع الخاص من النازحين نظرا لانقطاع مصادر عيشهم بالكامل .
وحين نتكلم عن نازحين باي شكل وفي اية منطقة فيجب عدم تصور الموضوع وكانه سفرة سياحية , فالقضية تحمل في طياتها الملايين من المعانات الانسانية والحرمان والعيش باحباط , فرب الاسرة لا يمتلك الادوات المناسبة لاعالة عائلته بما تقتضيه العادات والاعراف الاجتماعية والشرعية , كما ان الافراد لهم معاناتهم حتى في استخدام الحمامات للاغراض البايلوجية , وما يتم تقديمه من خدمات معيشية وصحية بعيدة كل البعد عن سد الحد المطلوب من الاحتياجات الفعلية , والاهم من ذلك كله هو ضياع الامل ونشوء صراعات نفسية من شانها ان تولد العديد من العقد والامراض , فالجوانب النفسية والعقلية دائما ما يتم اهمالها في البلدان النامية بعد الازمات لان اغلب الجهود تتركز على الجوانب المادية فحسب , وقد يعتقد البعض ان العراقيين الموجودين في تركيا او الاردن او غيرها افضلا حالا ولكن من يتصل بنا من هناك يخبرونا بان الجهات الاممية التي تهتم بموضوع الهجرة للخارج تعطيهم مواعيد لغاية سنة 2020 وتسقط حقهم في اللجوء الانساني عند العودة للعراق .
نحن نعلم ان هناك جهودا تبذل من قبل جهات محلية وخارجية لتقليل معانات النازحين سواء كانت حكومية او من قبل المراجع الدينية او منظمات المجتمع المدني او من قبل المتبرعين وغيرهم , ولكن مجمل هذه الجهود لا ترقى للايفاء بمتطلبات النازحين ليس قصورا او تقصيرا من تلك الجهات ولكن لان العدد كبير والقضية لم تتم معالحتها بجهود منظمة وعلى اساس قاعدة المعلومات التي اشرنا الى ضرورة وجودها وتكاملها , ودون ان يفسر كلامنا بالتشاؤم فان مشكلة النازحين العراقيين سوف لاتتم معالجتها حتى نهاية العام الحالي على الاقل لاسباب عسكرية وامنية , لان المعالجة تتطلب اعادة المناطق التي تستولي عليها الدواعش واخواتها واستتاب الامن واحداث الاستقرار بما يوفر الطمانينة للسكان لعودتهم , وحين يعودون سيجدون بان هناك العديد من المنازل المهدمة وان هناك حاجات كبيرة لاعادة الخدمات والبنى التحتية , وهي مهمات غاية في الصعوبة وتحتاج الى العديد من الامكانيات البشرية وغير البشرية لاعادتها الى وضعها السابق على الاقل , ونعتقد بانه ليس من المعيب او المخجل ان نبدا في التحرك على المجتمع الدولي فورا لغرض المساعدة في معالجة الوضع الحالي والقادم لكي يكونوا عونا للجهد الوطني بهذا الخصوص , فالنازحون هم اخواننا وابنائنا وشركائنا في الوطن ويجب ان نتكاتف جميعا لحل مشاكلهم باقل الخسائر لهم وهي مهمة وطنية وانسانية ولليست منة او صدقة من احد بغض النظر عن الانتماءات والمواقع والعناوين .