4 نوفمبر، 2024 11:57 م
Search
Close this search box.

المخابرات وسر داعش أولها مدافع وآخرها منافع

المخابرات وسر داعش أولها مدافع وآخرها منافع

من يقرأ تاريخ المخابرات ألأم . بتمعن وتأني سوف تتوضح له الكثير من حقائق الواقع التي تثير العجب بغموضها واسرارها . المعني في ذلك مخابرات الدول الاستعمارية الكبيرة , مثل المانيا وبريطانيا واميركا والاتحاد السوفيتي سابقاً و فرنسا وايطاليا . الدول صاحبة الامكانات العسكرية والاقتصادية والصناعية الضخمة . أجهزة مخابرات هذه الدول تختلف في مهامها وواجباتها عن الدول محدودة الامكانيات والفعاليات والتوجهات والطموحات الغير مشروعة والتي ليست لديها نوايا استعمارية شريرة غير مشروعة , من ذلك مخابرات الدول التي استقلت بعد الحرب العالمية الاولى والثانية  , المفهوم من ذلك أن عمل الاجهزة المخابراتية تتناسب تناسباً طردياً مع طموح وتطلعات الدول , ونستطيع القول ايضاً أن هناك ( مخابرات هجومية ومخابرات دفاعية ) مثلاً كانت المخابرات الالمانية ( الجستابو ) تقوم بأحتلال المواقع المطلوب احتلالها فعلياً قبل وصول الجيش وكذلك القيام بعمليات نوعية خارجة عن السياقات المعتاد العمل بها مثلاً أنقاذ (موسوليني) رئيس دولة ايطاليا في الحرب العالمية الثانية من سجنه بعد أسره من قبل ثوار ايطاليا , تماثلها مخابرات الدول الاخرى مثل اميركا وقيامها بعملية اغتيال ( جيفارا ) و التخطيط والتنفيذ لمعركة خليج الخنازير بينها وبين كوبا وايضاً تخطيط وتنفيذ عملية اغتيال ( بن لادن ) في الباكستان وكذلك التخطيط والسيطرة على قناة بنما وأعتقال ( نوريكا ) رئيس جمهورية بنما وغيرها الكثير ومن ابرز مهام مخابرات هذه الدول التي ذكرناها آنفاً الاستثنائية هو التاثير على سياسات الدول المُستهدَفة من خلال عمليات مختلفة ونوعية في التخطيط والتنفيذ مثل الاحتلال والاغتيالات والارباك في المجال العسكري والمدني والاقتصادي . لا اريد التوسع في هذا المجال القصد فقط إعطاء فكرة بسيطة للقارئ الكريم عن امكانات الدول ذات التطلعات الغير مشروعة وقدرتها العالية على خلق حالات غريبة واستخدام وسائل غير مطروقة وغير متوقعة تصل احياناً لخلق حكومات واحزاب وجيوش تسيّرها حسب هواها واطماعها وتطلعاتها .

هذا المذكور هومدخل لفهم ومعرفة ما يجري في العالم بشكل عام ومنطقتنا بشكل خاص ؛ محيطنا العربي والاسلامي ؛ الاحتلال الاميركي للعراق لم يكن مفاجئاً بل كان متوقع والتمهيد لهذا الاحتلال واعطاء الذرائع للتدخل بشؤون العراق والمنطقة كان مدروساً بعناية فائقة الدقة لأقناع الرأي العام العالمي في مشروعية الغزو والاحتلال ومن ثم القيام بالسيطرة والاستحواذ وابتزاز الآخرين .

نبدأ من بعد الاحتلال مباشرة . قامت الدولة الاستعمارية الكبيرة ( الولايات المتحدة الاميركية ) تساندها العديد من دول العالم التي تدور في فلكها بالعدوان على العراق وغزوه سنة 2003م بلغت 33 دولة , وابرز هذه الدول هي اسرائيل ايران بريطانيا وبعض الدول العربية أبرزها الكويت والسعودية ومصر بغية الحصول على الفائدة وتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب الشعب العراقي , كلٌ وما يسعى اليه بعضها طموح اقتصادي واخرى دفاعي ومثلهما أنتقامي , عوامل مختلفة جمعت دول ذات اشكال حكم مختلفة .

بعد ظهور وانبثاق المقاومة العراقية للأحتلال الاميركي { اسرع مقاومة في العالم } والتي كانت غير متوقعة من قبلهم وبهذه السرعة والقوة . أنبثقت المقاومة بعد شهر واحد فقط من الاحتلال وقوتها كانت تفوق تصور الاميركان بالرغم من انها أقتصرت على السنّة من دون الشيعة والاكراد , كانت هناك محاولة سطحية بسيطة ومحدودة من قبل التيار الصدري ثم ما اسرع ما انحسرت وسارت في ركاب الهيمنة الايرانية الموالية للأحتلال الاميركي الاستعماري , تقادم الزمن وايغال ايران في الانتقام وسيطرتها على مقاليد الامور في العراق من خلال اتباعها من الاحزاب الشيعية الموالية لها تحتم عليها وعلى دول الاحتلال البحث عن وسيلة قوية لضرب المقاومة العراقية فكان تأجيج الطائفية التي انبثقت مع الاحتلال لكن بشكل مستور بين السنة والشيعة والتي روّجت لها ايران والاحزاب الشيعية الموالية لها وبمباركة امريكية والتي ضربت بها عدة عصافير بحجر واحد وصلت ذروتها من سنة 2005 ـ 2006م , أعاقت المقاومة وجعلت العراقيين يأكلون بعضهم البعض سهلت لأيران الدخول بقوة للعراق من خلال احزابها المتواجدة فيه سكوت الشيعة مظطرين على التمدد الايراني والاشتراك مجتمعين في ضرب المقاومة أميركا وحلفائها الرئيسين . في هذه الاثناء وبعد القرار الاميركي بالانسحاب العسكري الذي انجزمهامه الاساسية في اسقاط النظام والسيطرة والاستحواذ على الثروة النفطية وحل الجيش العراقي وتمزيق النسيج الاجتماعي وتخريب البنية التحتية بالكامل وتسليم مفاتيح العراق لأيران واتباعها ظل الصراع قائماً بين السنة من جهة والحكومة واحزابها الموالية لأيران من جهة اخرى . نتيجة الممارسات الخاطئة للحكومة تجاه اهل السنة أغتيالات واعتقالات وتهميش والغاء حقوق وحجب خدمات والكثير من الامور السلبية . أدى ذلك الى قيام المحافظات السنية بالانتفاض والاعتصام رافضين الممارسات العدوانية تجاههم ومطالبين بحقوقهم المشروعة , من جانبها الحكومة بدل ان تلبي مطالب المعتصمين السنة المشروعة صعدت من اجرآتها التعسفية وقامت بفض الاعتصامات بالقوة المفرطة في كل من ساحة التحرير وسط بغداد  ومحافظة ديالى والانبار . في نهاية عام 2011 وصلت رياح التغيير ( الربيع العربي ) الى سوريا حليفة ايران وأحتمالية امتدادها الى كل الدول المجاورة مثل الاردن ولبنان ودول الخليج , فشكّل هذا الوضع مشكلة مركّبة ومعقّدة  في المنطقة وخاصة في سوريا والعراق , في هذه الاثناء المقاومة العراقية بدأت بالتبلور وتوحيد الجهود بشكل جديد ومختلف , جمع الفصائل السنية المعتدلة الثائرة تحت قيادة موحدة , مثل المجلس العسكري للثوار ( وهوالابرز ) و الجيش الاسلامي وجيش المجاهدين وكتائب ثورة العشرين وجيش رجال الطريقة النقشبندية وأنصار الاسلام . هنا دق ناقوس الخطر توحدت الفصائل المقاتلة ومتوقع لها النجاح في جهدها العسكري وقبولها الشعبي والعالمي بسبب مشروعية وعدالة قضيتها وأعتدالها , فكان لابد من الوقوف في وجه هذا الطوفان كله , ولكن كيف هنا تكمن العبرة .

خلق العفريت الذي يُرعِب الجميع . فقامت اميركا بخلق ( داعش ) مختصر الدولة الاسلامية لتحرير العراق والشام , هي ومن يشترك معها في المصلحة شرط ان يبقى المقود بيدها . أميركا لها تاريخ وباع طويل في هذه الصناعة قبلها صنعت كوريا الجنوبية و فيتنام الجنوبية وبريطانيا معها في صناعة دولة تايوان المقضومة من الصين واسرائيل , واستطاعت ان تقضي على النظام الشيوعي في العالم من خلال تقويضها لنظام الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو وأن تكسب ( الحرب الباردة ) لصالحها , من خلال عملائها الذين قادوا عملية التفكيك مثل ( غارباتشوف ) بحجة الاصلاح الاقتصادي وفق نظرية ( البيروترويسكا ) التي ابتدعوها وعميلهم ( يلتسن ) واخيراً ( بوتين ) المسؤول البارز والرئيسي لروسيا والذي كان يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات الروسية . المهم خلقت داعش بتعاون مجموعة من الدول تجمعهم مصالح مشتركة ويلتقون على نفس الاهداف . فكان اللقاء الاميركي الاسرائيلي الايراني والعربي الرجعي والعراقي السوري , تمخض عن خلق داعش .

ماهومردود الفائدة من خلق داعش .

أولاً داعش عطّلت الثورة في سوريا ضد نظام بشار وكانت بمثابة حبل نجاة لهُ . ثانياً عطلت الثورة في لعراق . ثالثاً أعطاء المشروعية للنظامين السوري والعراقي لضرب كل من يريدون ضربه بحجة داعش . رابعاً أعطاء المشروعية لأيران في التدخل بشؤون العراق وضرب الثوار و على وجه الخصوص في محافظة ديالى القريبة منها . خامساً قيام حكومتي العراق وسوريا بأستخدام القوة المفرطة ضد شعبيّ البلدين . سادساً أطلاق الحبل على الغارب للمليشيات الشيعية في قتل وتصفية اهل السنة ونهب دورهم ومساجدهم وحرقها وتفجير وتجريف بساتينهم واراضيهم الزراعية . بحجة انتمائهم لداعش او مساعدتهم لها . سابعاً الازاحة السكانية حيث تم تهجير اكثر من مليوني ونصف مواطن وابعادهم عن مناطق سكناهم  . ثامناً تخريب البنية التحتية من قبل الطرفين داعش والحكومة ومليشياتها من جسور ومدارس ومستشفيات ومباني حكومية وغيرها . تاسعاً اضعاف الجيش العراقي الحالي وتدمير معداته العسكرية و استهلاكها . عاشراً تخريب الاقتصاد العراقي من خلال تخريب البنية التحتية في مناطق الصراع المناطق السنية وتخصيص جانب كبير من الميزانية ما يقارب ربعها للشؤون الدفاعية عسكرية وامنية . أحد عشر الأساءة للأسلام والمسلمين من خلال الممارسات الخاطئة لداعش والمليشيات الشيعية  واعطاء صورة سيئة عنه . والقائمة تطول وكل هذا يدور في خدمة اميركا واسرائيل وايران والانظمة العربية المرتبطة بهما أذاً ( الذي يستفاد من داعش هو من خلق داعش ) كذلك من فوائد داعش لفت الانظار عن ماتقوم به اسرائيل من جرائم بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتدمير وخاصة مع اهل غزة . داعش بالنسبة لأميركا مثل عصاة موسى يتوكئ عليها ويهش بها على غنمه ولهُ فيها مآرب أُخر .

دوافع الانتماء لداعش مختلفة منها المادية والانتقام والتطرف واعتقاد الجهاد في سبيل الله . رب سائل يسأل كيف خلقوا داعش وكيف يقاتلونها . قتالهم لداعش قتال صورّي , فداعش مهما كانت قوية لم تكن اقوى من الجيش العراقي قبل الاحتلال والمساحة الجغرافية التي تسيطر عليها وتتواجد فيها لم تكن بقدر نصف مساحة العراق والدول المحيطة بها تمتلك من الامكانيات ما يفوق امكانيات داعش بمئات المرات أضافة لأفتقارها لسلاح الجو لو أرادت هذه الدول فعلا القضاء عليها لقضيَ عليها خلال اسابيع وليس سنين كما صرّح اوباما . نعم يستطيعون الاطباق عليها وأنهاء اسطورتها . فأميركا لا يهمها اذا قتلت قسم من هؤلاء فقتلهم فيه فائدة ايضاً لأميركا . هذا سر داعش وهؤلاء هم من خلق داعش . كان لي مقال سابق حول هذا الموضوع منشور تحت عنوان ( داعش ورقة جوكر رابحة بيد أميركا ) . أثناء كتابتي لهذا المقال تتوارد الاخبار من أن شخص يحتجزمجموعة من رواد احدى مقاهي أستراليا ويرفع علم داعش وهذه تمثيلية أخرى من تمثيليات هذه الدول لتخويف شعوب اوربا والعالم واضفاء طابع المشروعية للتدخل في شؤون الدول .

أحدث المقالات