شاهدتُ قبلٌ مدةٍ وجيزة، أحدُ الأساتذةِ القانونيين، في إحدى القنواتِ الفضائية، في تصريحٍ وبعصبيةٍ للمذيعِ الذي يحاوره، بأنهُ سوفَ يتوجهُ (شخصيا) إلى المحكمةِ الدوليةِ لقانونِ البحارِ (IGLOOS) منْ أجلِ إلغاءِ اتفاقيةِ تنظيمِ الملاحةِ البحريةِ في خورِ عبدِ اللهِ الموقعةِ بينَ العراقِ والكويتِ في العامِ 2012 والمصادقِ عليها في العامِ 2013، وإعادتها إلى السيادةِ العراقية، واللهُ كلامٌ جميل، يعبرَ عنْ روحِ الوطنيةِ ويثلجُ القلوب، ولكنَ المنطقَ الوطنيَ والعواطف، لا تكفي وحدها لمثلِ هكذا قضايا، بلْ يتطلبُ تعزيزَ ذلكَ بالمنطقِ الدولي، لأنهُ في مثلِ هكذا (اتفاقياتٌ دولية) فإن، القوانينُ الوطنيةُ لا تعيدُ الحقوقُ المغتصبةُ للدول، بلْ يتطلبُ إسنادها وتعزيزها بالقوانينِ الدولية، لارتباطِ الاتفاقيةِ المذكورة، بقضية، أكبر، اسمها ترسيمَ الحدودِ الدوليةِ بينَ العراقِ والكويتِ بموجبَ قرارَ مجلسِ الأمنِ 833 لسنةِ 1993، التي أسس لهذهِ الاتفاقيةِ.
لقدْ دفعني حبُ المعرفةِ والاطلاعِ وزيادةِ الثقافةِ القانونية، واستثمار تواجدي في برلين لزيارةِ المحكمةِ الدوليةِ لقانونِ البحارِ في مدينةِ مدينةٍ (هامبورغ) التي تبعدُ عنْ مدينةِ برلين بحدودِ ساعتينِ ونصف. توجهتْ فورَ وصولي للمدينةِ إلى مقرِ المحكمةِ الكائنِ في أطرافِ المدينة، عسى أنْ أحظى بلقاءِ بعضِ قضاتها، والاطلاعُ منْ كثبٍ عنْ جزءٍ منْ عملها، سيما، بعدُ أنْ عرفتْ بوجودِ قاضيينِ عرب، أحدهما لبناني، والثاني جزائريٌ ضمنَ تشكيلها الحالي، لكنني أصبتَ بخيمةِ أملٍ بعدَ أنْ وصلتها، بعدُ أنْ عرفتْ منْ كادرها الإداريِ الذي التقيتُ بهم، بأنَ المحكمةَ معطلة، وقضاتها لا يحضرون، إلا عندما تحصلُ دعاوى معروضة، واكتفيتْ بالتقاطِ بعضِ الصورِ للمحكمة، عسى أنْ تتحققَ لي زيارةٌ في المستقبلِ القريب، للاطلاعِ على أقسامها ودوائرها وعملها، وبموعدً مسبقٍ ضمنَ فرقٍ سياحية ، ينشرَ منْ قبلُ موقعِ المحكمةِ قبل مدةٍ للراغبينَ بزيارتها.
تعدّ المحكمةُ المذكورة، جهازا قضائيا متخصصا في تسويةِ النزاعاتِ المتعلقةِ بتفسيرِ وتطبيقِ اتفاقيةِ الأممِ المتحدةِ لقانونِ البحارِ لعامِ 1982، التي تتكونُ منْ (320) مادةٍ قانونيةٍ معَ (9) مرافق ملحقةٍ بها، دخلتْ حيزَ التنفيذِ عامَ 1994. التي توفرُ مضامينها إطارا قانونيا متكاملاً لآليةِ الانتفاعِ بمياهِ البحارِ والمحيطاتِ في العالم، وتضمنَ الحفاظُ على المواردِ البيئيةِ والبحريةِ والانتفاعِ العادلِ لتلكَ الموارد. وتعالجَ المسائلُ المتعلقةُ بسيادةِ الدولِ على البحارِ والمحيطاتِ وحقِ الانتفاعِ في المناطقِ البحريةِ والحقوقِ المتعلقةِ بالملاحة، تعدْ هذهِ المحكمةِ واحدةً منْ الخياراتِ المتاحةِ للدولِ الأطرافِ لتسويةِ نزاعاتها البحريةِ بشكلٍ ملزم، إلى جانبِ التحكيم، ومحكمةُ العدلِ الدولية.
وللعودةِ إلى ما بدأنا في بدايةِ مقالتنا، فقدْ نصتْ المادةُ (14) منْ اتفاقيةِ تنظيمِ الملاحةِ البحريةِ بينَ العراقِ والكويتِ (أيْ خلافٍ ينشأُ بينَ الطرفينِ حولَ تفسيرِ أوْ تطبيقِ هذهِ الاتفاقيةِ يتمُ تسويتهُ وديا، بينهما منْ خلالِ المشاوراتِ وفي حالِ عدمِ تمكنهما التوصلِ إلى اتفاقِ بشأنِ هذا الخلاف، فيتمُ إحالتهُ إلى المحكمةِ الدوليةِ لقانونِ البحارِ) ، وهذا، يجعلَ الإلغاءُ الأحاديُ غيرَ ممكنٍ دونَ مفاوضاتٍ أوْ تحكيمٍ دولي، بعدُ أنْ طرحتْ بعضَ الآراءِ منْ قبلِ بعضِ الأساتذة، بأنَ
المحكمة الدوليةِ لقانونِ البحار، هيَ الأنسبُ في طرحِ النزاعِ المذكور، لكونهِ يتعلقُ بالملاحةِ البحرية، لذلكَ يتطلبُ البحثُ عنْ البدائلِ الأخرى، لإعادةِ الحقوقِ المتعلقةِ بعائديةِ الممرِ المائي.
للمتخصصينَ في الشأنِ القانونيِ البحري، في ضرورةُ قراءة، (دليلُ إجراءاتِ الدعاوى المرفوعةِ أمامَ المحكمةِ الدوليةِ لقانونِ البحارِ ) ، الصادرَ عنْ المحكمةِ في العامِ 2016، والمكونَ (82) صفحة، الذي يغطي كافةَ الجوانبِ القانونيةِ للترافعِ أمامَ المحكمةِ المذكورة، الذي أعدَ خصيصا، لتزويدِ المحامينَ والوكلاءِ القضائيينَ والمستشارينَ القانونيينَ الحكوميينَ بمعلوماتِ عمليةٍ تشرحُ الطريقةُ التي يتمُ تحريكَ القضايا، وعرضها أمامَ المحكمةِ الدولية. ويقدمَ عرضا إيضاحيا وجيزا عنْ المحكمةِ الدولية، ويبينَ السماتِ الرئيسةَ لإجراءاتِ السيرِ في الدعاوى التنازعيهُ بناءٌ على أسسِ الدعوى الموضوعية، والدعاوى الفرعية، وعرائضُ طلبِ الإفراجِ السريع، وطلباتُ فرضِ تدابيرَ مؤقتة، والإجراءاتُ الاستشارية.
وتجوبهذا الشأن؛ فأنَ اللجوءَ إلى المحكمةِ متاحٌ للدولِ الأطرافِ في الاتفاقية، وكذلكَ متاحٌ للهيئاتِ والمنظماتِ الدولية، وذلكَ في كلِ حالةِ منصوصٍ عليها صراحةٌ في الجزءِ الحادي عشرَ منْ اتفاقيةِ قانونِ البحارِ أوْ في أيةِ قضيةٍ تحالُ إلى المحكمةِ وفقاً إلى اتفاقٍ آخرَ يمنحُ الاختصاصُ للمحكمةِ ويقبلهُ جميعُ الأطرافِ في تلكَ القضية.
نظرتْ المحكمةُ الدوليةُ لقانونِ البحارِ في العديدِ منْ القضايا الدولية، منها، نزاعُ السفينةِ سابغا بعدَ احتجازها في غينيا وتزويدها بالوقود، ونزاعاتُ ترسيمِ الحدودِ البحريةِ بينَ غانا وكوتْ ديفوار، وأزمةُ استصلاحِ الأراضي في مضيقِ جوهورْ بينَ ماليزيا وسنغافورة. والنزاعُ بينَ المملكةِ المتحدةِ وجمهورية إيرلندا بشأنِ مصنعِ فوكسْMOX، بالإضافةِ إلى قضايا تتعلقُ بإجراءاتِ الإفراجِ الفوريِ عنْ بعضِ السفنِ المحتجزة.