23 ديسمبر، 2024 11:03 ص

المحللون … و ستارالسياسة

المحللون … و ستارالسياسة

إن الكم الهائل من الاخبار والمعلومات التي ترد في كل يوم عن ملفات مختلفة في المنطقة والعالم يجعل من ان يوضع الانسان في مواقف و متاهات غامضة من الأحداث ويفقد بوصلة الاتجاه في كثير من الاحيان . التحليل السياسي كعلم اصبح لا يختلف عن الثقافات الاخرى في التمعن والاطلاع حول مجريات الاحداث ويتعمق فيها في بيان قدرته على التحليل الشامل والمتعدد الأبعاد للظروف الموضوعية والسياسية للحدث ، واستقراء مختلف المواقف وانتخاب الأفضل منها والتفكير النقدي هو جوهر السياسة الحقيقية التي تضع الفاعل السياسي وجها لوجه امام سنن الواقع السياسي وهذا من شانه ان يدفعه نحو الابتكار في السياسة ، ابتكارا يستند الى اشكال جديدة وخيارات متعددة كاساس لاتخاذ القرار السياسي ونموذج التحليل النظري ومنظوره يركز على محاولة معرفة توجه بوصلة القوة في سياق الظاهرة السياسية واللاعبين السياسيين والخطاب السياسي.

لاشك ان فكرة السياق امر جوهري في فهم الظاهرة والخطاب السياسي وان اي حدث سياسي لايمكن فهمه الا ضمن سياقه المعيين، فاذا اضفنا للتفكير النقدي عدسات التنظير السياسي فقد حاز الفاعل السياسي كما المحلل السياسي على عدته في الممارسة السياسية وفي التحليل السياسي وقدرته على التنبؤ بردود الأفعال والتأثيرات التي تحدثها المواقف والتصرفات السياسية ، حتى تتمكن هذه الأجهزة من إيجاد قنوات وأشكال لتحييد التأثيرات السلبية والسيئة التي تقف في الجانب المضاد لمصالح الدول .. وتتجلى قدرة الدول السياسية على التوافق والتوازن بين الإمكانات والقدرات المتوفرة والمتاحة لها، وأدوات التنفيذ والفعل السياسي والدبلوماسي .. والنظام السياسي الذي لا يتمكن من إيجاد وخلق توفيق دقيق يضيع بين الإمكانات ووسائل العمل السياسي.

من المنطق ان يعتمد المحلل السياسي على دراسة وتحليل المعلومات الواردة من جميع الاتجاهات ويحاول قراءة عالمها الغير اليقيني بعدسات الفقه السياسي المتطور والمتعدد في تخصصاته للوصول الى درجة من اليقين، والاحاطة بجميع اللاعبين المعنيين بأي ملف من الملفات التي يتناولها ويقوم بالبحث عن جذور وجوهر الموضوع وصياغة البدائل والاسباب والحلول وتحديد الفوائد واثارها وبيان الاسباب الايجابية والسلبية وزيادة الوعي العام ، ويقوم بتقطيعها وفق ما في حوزته من معلومات خاصة تكون متاحة ليخرج بالتالي بنظرة تكون دقيقة لمتابعة الأحداث على المدى القريب ،و المحلل السياسي الناجح في الكثير من الاحيان قد لا يتمكن أن يعطي رأيا قاطعا في اتجاه معين لأنه يعلم بأن رياح السياسة قد تتغير شرقاً او غرباً بين لحظة وأخرى.

من الامور المهمة والمهنية في العمل الاعلامي تقتضي الحاجة والضرورة لوجود أشخاص متخصصين من ذوي الكفاءة والخبرة من المحللين السياسيين يستطيعون تحليل الأحداث اليومية بصورة منضبطة وتصنيفها بشكل عملي رصين ليسهل على الناس تحليل المواقف وادراك الساحة السياسية وتفاعلاتها ، بمن فيهم صناع القرار في رصد وتوقع مآلاتها.. ولكن لم يعد الكثير من المحللين دخلوا مرحلة التطور الذي رافقت ثورة الاتصالات والمعلوماتية التي تتفاعل فيها عوامل عدة أسهمت في تطور أساليب الخبر ووسائل وطرائق إيصاله إلى الجمهوربعد ان اصبحت الساحة مفتوحة لكل من هب ودب ليجلس امام الكامرات وعلى الفضائيات كمحلل سياسي أو حتى استراتيجي ولكن ليس من اجل التوضيح للراي العام انما من اجل كسب المال فقط والظهور بلباس انيق و وفق ما تملى عليهم تلك الفضائية وحسب اجورها، دون أن يعير القائمون على الاعلام أي قيمة أو انتباه لحساسية هذه المهنة التي باتت تلعب دورا هاما في صناعة الوعي الجمعي وتحريك المواطن ،هكذا نجد العملية الاخبارية انها تمر بازمة فقدان المحلل الحقيقي في الكثير من الاحيان و كان لها التأثير بالصراعات المختلفة بشكل معاكس و من إيديولوجية ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية و في تطور أساليب الخبر ووسائل وطرائق إيصاله إلى الجمهور، و يقوم معظم القائمين على وسائل اإلعالم بترتيب أولويات اهتمام الجمهور بما يناسب مصالحهم،كما يعتمدون مبدأ نظرية الخبر الاول والاسبقية ، التي وإن كان تأثيرها قصير المدى، الا أنها قد تكون رصاصة سريعة في قدرتها على التاثيرالمباشر على الجمهور المستهدف ، وادوارها في زمن الحروب والازمات، حيث تكون هي من أهم معايير كتابة الخبر والقصة الصحفية، خاصة ضبابية الشائعات والاخبار الكاذبة والمبالغ بها، إذ أن الحقيقة والدقة يشكلان جوهر سمعة الصحفي في قدرته وصدقه ، فإذا لم يكن بمقدور القراء أو المستمعين أو المشاهدين أن يثقوا في تقديم دقيقة للحدث، فهذا يعني أنه لن ينجح حتى في تحقيق الحد الادنى الضروري من أساسيات رواية العمل، ويحتاج المحلل السياسي اذا ما كان موضوعيا منهجا استراتيجيا لحماية نفسه من الانتقادات،وتجنب المزالق.

التوصية ان ينتدب لهذه المهمة الجليلة في مراكز التحليل السياسي البحثي المتطور ليكسب منهجا مضمونا للاطلاع على القضايا السياسية العالمية وتحليلها وفق القواعد والأسس العلمية والتركيز على تطوير المهارات في دعم العمل السياسي، وتنمية قدراته في التعامل الإيجابي مع الواقع السياسي، و في مجال التحليل السياسي فتؤهله مع مختصين في التحليل السياسي وتضبط مسار الممارسة السياسية بضوابط علم الاجتماع ويكون له باب مفتوح بالاتجاهين بين مراكز التحليل من جهة وبينها وبين علوم السياسية وعالمها من جهة اخرى.