في الوقت الذي أثارت فيه تقارير عن احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، ردود فعل قوية، أثارت تلك المتعلقة بمذكرات بحق قادة حركة حماس، علامات استفهام بشأن كيفية تأثير ذلك عليهم، خاصة أن الحركة مصنفة إرهابية أصلا في عدد من الدول، وما إذا كانت البلدان التي تستضيف كبار قادتها، مثل قطر وتركيا، قد تطلب منهم المغادرة, وبعد انتشار نباء عن احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ومسؤولين إسرائيليين آخرين، تطرح تساؤلات عن جدوى هذه المذكرات وإمكانية اعتقالهم في حال سفرهم إلى الخارج
وتستمد المحكمة الجنائية الدولية قرار إصدار مذكرات الاعتقال من المادة 58 من نظام روما الأساسي للمحكمة، والتي استمدت منها صلاحيتها للنظر بالجرائم المنصوص عنها في المادة الخامسة والمتعلقة بجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب وجريمة العدوان”، وفقا للخبير في القانون ورئيس مؤسسة”JUSTICIA” الحقوقية في بيروت، بول مرقص, وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قد صرح في أكتوبر الماضي، بأن للمحكمة اختصاص النظر في أي جرائم حرب محتملة يرتكبها مسلحو حماس في إسرائيل، والقوات الإسرائيلية في قطاع غزة, وإسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية ولا تعترف بولايتها القضائية، لكن تم قبول الأراضي الفلسطينية كدولة عضو في 2015 وتتهم وتتهم هيئات تابعة للأمم المتحدة وجماعات حقوقية، إسرائيل، بانتهاك القانون الإنساني الدولي خلال عمليتها العسكرية في غزة، وهو ما تنفيه الأخيرة
وقد تعرّضت المحكمة الجنائية الدولية بشكل عام – وكذلك مدّعيها العام على وجه الخصوص – لانتقادات حادّة؛ لعدم فتح تحقيق فعّال ذي جدوى، وكذلك لعدم إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة متهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة، رغم توفر معطيات ودلائل ذات مصداقية (توفر الركن المعنوي من خلال تصريحات، وكذلك الركن المادي)، بخلاف السرعة اللافتة بملف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (مارس/ آذار 2023)، وكذلك ملف السودان، وإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير (مارس/ آذار 2009).
في خطوة لافتة أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن بلاده قررت الانضمام إلى جنوب أفريقيا في القضية التي رفعتها على إسرائيل في محكمة العدل الدولية , وجاء إعلان فيدان الانضمام إلى جنوب أفريقيا في أعقاب انتقادات حادة من المعارضة التركية التي لامت الحكومة لعدم مبادرتها برفع دعوى مماثلة ضد إسرائيل مستندة إلى أن تركيا بفاعلية استخدامها القانون الدولي يمكن أن تعزز سمعتها الدولية وتسهم بشكل مؤثر في تخفيف المعاناة بغزة, واضاف ان تركيا رحبت منذ اليوم الأول برفع جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل في محكمة العدل في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 على خلفية انتهاك التزاماتها في إطار “اتفاقية منع الابادة الجماعية في قطاع غزة ,وقدمت تركيا وثائق إلى المحكمة الدولية من شأنها التأثير على مسار القضية وتوثيق ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة إنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة , و تقدم 3061 محاميا تركيا بدعوى قضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تضمنت دلائل تثبت قيام إسرائيل بجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية وجرائم حرب في قطاع غزة, ورفعت مجموعة أخرى من المحامين الأتراك دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو تتهمه بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة, حيث تعيش إسرائيل حالة من “الارتباك”، وفقا لصحيفة هآرتس، في ظل احتمالية أن يواجه رئيس وزرائها، بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت، إضافة إلى رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي، أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة , وتعود الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية على فلسطين للعام 2014. وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قد زار – قبل نحو خمسة أشهر – معبر رفح, والشكوك التي تحيط بالمحكمة الجنائية الدولية كثيرة، وإن القضايا التي تناولتها (تركّزها الجغرافي في أفريقيا أو دول العالم الثالث، واستثناء قادة دول غربيين) تعزز هذه الشكوك. وإن المحكمة مطالبة اليوم بأن تثبت للرأي العام العالمي أنها هيئة قضائية محترمة جادة ومهنية, لو صدرت مذكرات اعتقال ضد قادة إسرائيلين، فسيكون ذلك هو الخبر الأهم على الإطلاق منذ قيام دولة إسرائيل, و تعتبر المحكمة الجنائية الدّولية التي بدأت عملها عام 2002 أداة قانونية مهمّة قادرة على محاسبة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم دولية خطيرة. لكن الإرادة الدولية التي أنشأت هذه المحكمة لم تتوفر بعد لتحقيق العدالة المرجوة. وإن فاعليتها تعتمد بشكل كبير على تعاون ودعم الدول الأطراف في نظام روما الأساسي لعام 1998
حذرت الحكومة الإسرائيلية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أنها ستتخذ إجراءات انتقامية تؤدي لانهيار السلطة الفلسطينية حال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين, ومع أن إسرائيل لا تلقي بالًا للقانون الدولي، ولا تحترم القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية المتعلقة بالحرب على غزة، فإن ثمة قلقًا إسرائيليًا، لدرجة الفزع، وأوضح موقع أكسيوس أن المسؤولين الإسرائيليين تزايد قلقهم, نقل عن مسؤولون أميركيون وإسرائيليون قولهم إن إسرائيل أبلغت إدارة بايدن أنه إذا صدرت مذكرات اعتقال، فإنها ستعتبر السلطة الفلسطينية مسؤولة وستنتقم بإجراء قوي قد يؤدي إلى انهيارها, ومن بين الإجراءات المحتملة تجميد تحويل عائدات الضرائب التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية، وبدون هذه الأموال، ستكون السلطة الفلسطينية مفلسة, وذكر موقع أكسيوس الأميركي أن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عقدوا اجتماعا افتراضيا مع كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية, وهدد المشرعون الجمهوريون بإصدار تشريع ضد المحكمة الجنائية الدولية إذا مضت قدما في إصدار مذكرات الاعتقال التي قالت إدارة بايدن إنها تعارضها, وطالب مكتب المدعي العام في للمحكمة الجنائية الدولية بالتوقف عما وصفه بترهيب العاملين في المحكمةــ واضاف المكتب إن مثل هذه التهديدات قد تشكل جريمة بحق المحكمة المختصة بجرائم الحرب , و إن كل محاولات عرقلة عمل الموظفين أو ترهيبهم أو التأثير عليهم بشكل غير لائق لا بد أن تتوقف فورا، مشيرا إلى أن نظام روما الأساسي، الذي يحدد هيكل المحكمة ومجالات اختصاصها، يمنع هذه التصرفات , وقال خبراء إن التصريحات التي تنتقد أداء المحكمة الجنائية تنتهك استقلال الأنظمة القضائية في العالم، متوقعين رغم ذلك استمرار الضغوط على المحكمة من طرف الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا
أن عدم احترام محكمة العدل الدولية له عواقب خطيرة، ومع أن أوامر المحكمة، التي تفصل في النزاعات بين الدول، ملزمة قانونا ونهائية، فإن المحكمة لا تملك وسائل لتنفيذها، وعليه فإن أكثر من 1.1 مليون من سكان غزة يواجهون وضع جوع كارثي” يقترب من المجاعة، وفقا للأمم المتحدة, فيجب ان تتحقق المساواة والديقراطية على كافة المستويات , واشنطن ولندن طالبا معاقبة جنوب أفريقيا بسبب الاختلاف في مجالات سياسية معينة, ودافعا عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة, كما رفضت المحكمة العليا في لندن دعوى لتعليق تصدير الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة والتي أسفرت عن عشرات الآلاف من الضحايا من المدنيين.