يوم أمس كنت قد طلبت من السيد عبد الستار البيرقدار الناطق الرسمي بسم القضاء الأعلى في العراق , وهو صديق لي على شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك , قراءة مقالي الموسوم ( المحكمة الاتحادية العليا أسم كبير وجسم صغير ) فكان ردّ السيد البيرقدار هو (( إنّ المحكمة الاتحادية لا تنقض قرار من تلقاء نفسها وإنما يجب أن يكون بناء على دعوى تقام من صاحب مصلحة , وهذه من أبسط بديهيات القانون )) .
وبالرغم من شكري البالغ للسيد البيرقدار على إجابته , لكنّي لم أجد نفسي مقتنعا بهذا الجواب , لأنّ الدستور العراقي في المادة (93) أولا قد حصر مهمة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة بالمحكمة الاتحادية العليا حصرا دون غيرها , والرقابة على دستورية القوانين والأنظمة لا يمكن أن تنحصر فقط في الدعاوى المقدّمة من قبل الجهات المتضررة من القانون المخالف للدستور , ففي هذه الحالة تكون رقابة المحكمة الاتحادية العليا , رقابة غير مباشرة ومحدودة وقاصرة بنتيجتها على الطعن المقدّم أمامها , أي بمعنى أنّ مهمة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة قد أختزلت فقط بالدعاوى والطعون التي يقدّمها المتضررون , وهذا مخالف من حيث المنطق لروح النص الدستوري الذي أناط مهمة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة للمحكمة الاتحادية العليا .
والحقيقة هو هذا الذي يحصل في العراق للأسف الشديد , فعند مراجعتي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا والتي نقضت بموجبها القوانين المخالفة للدستور , وجدت أنّ جميع هذه القرارات كانت بدعاوى وطعون مقدّمة من جهات متضررة , ولم أجد قانونا واحدا قد تمّ نقضه من غير دعوى , والحقيقة أنّ هذا الخلل في دور المحكمة الاتحادية العليا هو السبب في استمرار العمل بالقوانين المخالفة للدستور العراقي , ومنها مثلا استمرار العمل لسنوات بالقانون رقم (50) لسنة 2007 بالرغم من عدم دستوريته , وكذلك الاستمرار بالعمل بالقانون رقم (26) لسنة 2009 والمخالف للدستور حتى هذه اللحظة .
وعند سؤالي للسيد عبد الستار البيرقدار عن قانون الانتخابات الذي يناقش الآن في مجلس النوّاب الذي هو أيضا مقترح قانون مقدّم من اللجنة القانونية في مجلس النوّاب العراقي , فيما إذا سينقض من قبل المحكمة الاتحادية لمخالفته الدستور العراقي , فاعتذر عن الجواب و أجابني أنّ المحكمة الاتحادية العليا هي من سيجيب على هذا السؤال .
ولو افترضنا أنّ الكتل السياسية قد توافقت على هذا القانون المخالف للدستور وهذا متوقع جدا اليوم أو غدا , وتمّ تشريع هذا القانون , فهل ستنقض المحكمة الاتحادية هذا القانون اللادستوري ؟ أم أنّ الانتخابات القادمة ستجري بموجب قانون للانتخابات مخالف للدستور العراقي ؟ أسئلة مطروحة على المحكمة الاتحادية العليا الموّقرة , لأن الرقابة على دستورية القوانين في نظر الشعب تتمّثل في تعزيز أسس وأركان الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون ومنع أي تجاوز على الدستور باعتباره يمثل إرادة الشعب الذي أقرّ هذا الدستور .