23 ديسمبر، 2024 4:46 م

المحكمة الاتحادية العليا في العراق أسم كبير وجسم صغير – 1

المحكمة الاتحادية العليا في العراق أسم كبير وجسم صغير – 1

من يتمّعن جيدا بصلاحيات المحكمة الاتحادية العليا في العراق , سيجد أنّ الأولوية في هذه الصلاحيات هي للرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة , وفكرة الرقابة على دستورية القوانين جائت من أجل تعزيز أسس وأركان الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون , ومنع أي تجاوز على الدستور باعتباره القانون الأساس المنظم للقواعد الاساسية الواجبة الاحترام في الدولة , والدفاع عن إرادة الشعب الذي أقرّ هذا الدستور , ومن هنا تنعقد أهمية المحكمة الاتحادية العليا .
والدستور العراقي في المادة 93 قد منح المحكمة الاتحادية العليا صلاحيات وسلطات واسعة في النظر في دستورية القوانين والأنظمة التي تصدر من السلطتين التشريعية والتنفيذية , فأي قانون أو قرار يتعارض مع بنود الدستور , يصبح نقضه ورّده لزاما على المحكمة الاتحادية العليا , بمعنى أنّ القوانين التي تخالف بنود الدستور لا تحتاج إلى دعوة من أجل ردّها , بل من واجب المحكمة رد هذه القوانين لمجرد مخالفتها لبنود الدستور .
ومن هنا فليس من المنطق ردّ بعض هذه القوانين المخالفة لبنود الدستور وغض النظر عن قوانين أخرى هي مخالفة أيضا لبنود الدستور , مع علم المحكمة بعدم دستورية هذه القوانين , فمثلا القانون رقم 50 لسنة 2007 بقي معمولا به كل هذه السنين بالرغم من عدم دستوريته , حتى هبّ الشعب غاضبا لرواتب أعضاء البرلمان التقاعدية اللامعقولة واللامشروعة , حينها أدركت المحكمة الاتحادية العليا أنّ أصل هذا القانون غير دستوري لأنه جاء من مقترح قانون وليس من مشروع قانون مقدّم من السلطة التنفيذية المخولة تحديدا بتقديم مشاريع القوانين , مثل آخر نسوقه في هذا المجال وهو قانون رقم 26 لسنة 2009 والذي جرت بموجبه الانتخابات البرلمانية الماضية , فهذا القانون هو أيضا لم يكن دستوريا , لأنه كان أيضا مقترح قانون وليس مشروع قانون مقدّم من السلطة التنفيذية , وهذا يعني أنّ الانتخابات الماضية وما ترّتب عليها من نتائج كانت مخالفة للدستور العراقي .
وحتى هذا القانون الذي يجري النقاش والخلاف عليه في أروقة مجلس النواب , هو أيضا غير دستوري , لأنه أيضا مقترح قانون مقدّم من قبل اللجنة القانونية في مجلس النوّاب العراقي , ولم يكن مشروع قانون مقدّم من السلطة التنفيذية , ولا نعلم هل ستسكت المحكمة الاتحادية وتغض النظر كما غضّت النظر في المرة السابقة وتجري الانتخابات بموجب قانون جديد هو الآخر غير دستوري , أم أنها ستنقض هذا القانون وترده لمجلس النوّاب ؟ .
فماذا نستنتج من خلال هذه الامثلة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ؟ هل يمكن القول أنّ المحكمة الاتحادية تكيل بمكيالين في موضوع رقابتها على دستورية القوانين ؟ أم أنّ سبب ضعفها يعود لعدم تشريع قانون المحكمة الاتحادية حتى هذه اللحظة ؟ أم أنها ستنزع ثوب الخنوع للسلطة التنفيذية وتوقف التجاوزات على الدستور العراقي ؟ .
في الجزء الثاني سنكمل موقف المحكمة الاتحادية العليا من إقليم كردستان المنفلت على الدستور والقوانين .