23 ديسمبر، 2024 5:28 ص

المحكمات والمتشابهات في القرآن 2/5

المحكمات والمتشابهات في القرآن 2/5

نشرت باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
«هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ، مِنهُ آياتٌ مُّحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، فَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِهِ، وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ في العِلمِ؛ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا – وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُولُو الألبابِ -، رَبَّنا لاَ تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا، وَهَب لَنا مِن لَّدُنكَ رَحمَةً، إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ، رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ ليومٍ لّا رَيبَ فيهِ، إِنَّ اللهَ لاَ يُخلِفُ الميعادَ.»

أو على قراءة أخرى:

«[…] وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ. [وقف لازم] وَ[أَمَّا] الرّاسِخونَ في العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا […].»

والفرق – كما مر ذكره – بين القراءتين ليس في اختلاف في الكلمات أو طريقة اللفظ، بل هو اختلاف في قواعد الوقف والوصل، وما كان منهما لازما أو بالأولوية، فهناك قراءتان يؤثر الاختلاف بينهما على المعنى المقصود من هذا النص؛ إذ هناك قراءة تؤدي إلى معنى أن العالِمين بتأويل المتشابِهات هم (الراسخون في العلم) بعد الله، بقول «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ في العِلمِ؛ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا». بينما القراءة الأخرى تحصر علم تأويل المتشابِهات بالله وحده، حيث تفرض وقفا لازما بعد لفظ الجلالة، وتجعل ما بعدها جملة منفصلة جديدة، فتكون قراءة النص على هذا النحو: «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ.»، جملة تامة كاملة تنتهي بنقطة، أو بعلامة وقف لازم، ثم تليها جملة جديدة وهي: «وَالرّاسِخونَ في العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا»، فتكون كامل هذه الجملة المستقلة عن التي قبلها، معطوفة على سابقتها تلك بالواو، ولا يكون لفظ «الرّاسِخونَ في العِلمِ» كفاعل ثان لفعل «يَعلَمُ تَأويلَهُ» معطوفا على الفاعل الأول «اللهُ». إذن هناك فرق جوهري بين قول «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ في العِلمِ، [أولئك الذين] يَقولونَ: آمَنّا بِهِ، كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا»، وبين قول «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ [وحده، وأما] الرّاسِخونَ في العِلمِ [فليسوا ممن يشاركون الله في العلم بتأويل المتشابهات، بل يأخذونه على ما هو و] «يَقولونَ آمَنّا بِهِ، كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا [سواء كان محكَما ومفهوما من قبلنا، أو متشابِها ويحتاج إلى تأويل، نحن عاجزون عنه، لأن الله وحده الذي يعلم تأويله]»، فهم يتعبدون بالنص الإلهي، سواء فهموه أو لم يفهموه. وهذا هو التفسير السلفي أو الأشعري، الذي يستبعد العقل من الخوض في محاولة فهم ما لا نص فيه، أو ما هو على غير المعنى الظاهر للنص. وهو فهم واضح تهافته، لأننا إذا فرضنا أن هذا الكتاب مُنزَل من الله الحكيم، والمخاطَب به هو الإنسان، فهل من الحكمة أن يخاطب حكيمٌ مثلُ الله – وهو سيد الحكماء وأحكمهم – مخاطَبين بما لا يفهمونه، بل ولا يجدر لهم أن يحاولوا فهمه؟