يتطلع الجميع الى معرفة اذا ما كانت الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على ايران ستحقق أهدافها ام لا في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة ومدى تطابقها مع الرغبة الأميركية . الدول الأوروبية من جانبها ما زالت مصرة على موقفها الرافض من تلك العقوبات وتحاول تخفيف وطئتها على طهران بالسبل الممكنة ، وخصوصا في موضوع استيراد النفط الإيراني الذي تسعى العقوبات الأميركية الى إيقاف تصديره بشكل تام ، هناك ايضا كبار المستوردين من النفط الإيراني كالصين والهند الذين سيرفضون حتما الامتثال للأوامر الأميركية بشكل مطلق ، وسيسعون ايضا للحفاظ على هامش من العلاقات الاقتصادية مع طهران وبضمن ذَلِك ضمان حصولهم على جزء من صادرات ايران النفطية ، حتى وان كانت لا تمثل كامل الحصة السابقة التي كانوا يحصلون عليها من تلك الصادرات .
هذا الامر بمجمله بالاضافة الى تصميم طهران على إدامة صادراتها بكل الطرق الممكنة وبضمنها عمليات تهريب النفط التي يبرع الايرانيون في ادارتها في ظل تجاربهم السابقة للتعامل مع العقوبات الدولية سيحول دون إيقاف صادرات ايران النفطية بشكل كامل .
تشير التقارير الدولية ان سقف انتاج النفط الإيراني بعد إبرام الاتفاق النووي عام ٢٠١٥ وصل الى نحو ثمانية ملايين برميل يوميا ، تلك الزيادة قد يفسرها البعض في حينها بأنها محاولة للتغلب على انخفاض أسعار النفط خلال السنوات الماضية من خلال زيادة الانتاج ، غير ان هذا الامر لا ينفي ان الصادرات الإيرانية تسد نسبة لا يستهان بها من حاجة الاسواق العالمية للنفط ، وقد يصعب على باقي أعضاء الدول المصدرة للنفط ( أوبك ) تغطية حاجة السوق والتعويض عن غياب الصادرات الإيرانية دون تعريض احتياطيات النفط فيها الى الخطر .
وتعول الولايات المتحدة ربما على السعودية للتعويض عن نفط ايران في السوق العالمية فهي الحليف الأقرب لواشنطن والأكثر عداءا لإيران في المنطقة . لكن السؤال الأهم هنا هل ستكون السعودية قادرة على رفع إنتاجها الى الحد الذي تستطيع من خلاله التعويض عن النفط الإيراني ؟؟ التقارير الدولية تشير الى إمكانية حدوث ذلك ، لكن هذا الامر قد يواجه بالرفض من جانب دول اوبك ، اضافة الى إلحاق الضرر بالاحتياطي الستراتيجي من النفط للملكة الامر الذي يتطلب منها التفكير مليا قبل الخوض في التفاصيل .
اما في ايران فالعقوبات قد لا تكون ذات تأثير كبير على بنية النظام الإيراني ، وقد ينحصر التأثير المباشر على شرائح الشعب الإيراني من ذوي الدخول المتوسطة والمحدودة الذين سيعانون جراء ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملة الإيرانية . في حين ان النظام ومؤسساته سيحاولون التكيف مع شكل العقوبات المفروضة . ايران تعتمد على واردات النفط بنسبة أربعين بالمائة من اجمالي دخلها القومي ، اضافة الى ان موازنة البلاد أعدت من خلال احتساب سعر برميل النفط باقل من ستين دولارا في حين ان الأسعار الحالية لبرميل النفط وصلت الى ثمانين دولارا. الايرانيون يحاولون معادلة كفة الميزان عن طريق إيجاد مقاربة تسهم الى حد كبير بالاستفادة من ارتفاع سعر البرميل مقارنة بانخفاض كمية الصادرات .
في نهاية المطاف قد تكون ضارة ايران نافعة لغيرها ، فارتفاع الطلب على النفط جراء انحسار الصادرات الإيرانية قد يرفع أسعاره في الاسواق العالمية ويعود بالنفع على الدول المنتجة ، لكنه لن يكون ذَا فائدة للرئيس الميركي دونالد ترامب الذي اشتكى مرارا من ارتفاع الأسعار وتأثيراتها على الدول الأوروبية التي تشتري منتجاتها من مصدري الشرق الأوسط .