قالها سابقا الكبير ابن خلدون: ان المستعمر يقلد “سيده” المستعمر فى مأكله ومظهره وشكله… الخ وقد عمق المستعمر هذا الشعور بالنقص ليصبح نقصا على المستوى القومى, ولذلك تعرض لنا التلفزيونات المحلية يوميا النخبة العتيدة باجمل واغلى البدلات المستوردة, وترى وجوههم نظيفة لامعة من التدليك والمساج وازالة الشعر بالطريقة الشرقية. ان الذى يقضى ساعات طويلة فى تقديم مظهرة لا يمكن ان يكون جادا فى عمله, له الخبرة والمهاره والتخصص واخلاقيات العمل. لقد برهنوا بشكل قطعى منذ 2003 انهم اجسام متحركة خاوية العقل ومتخلفة فى التفكير وتصوراتها عن الدولة والمجتمع والحياة يقودنا الى القرون الوسطى قبل ان تتحرر اوربا من سيطرة الكنيسة ويبدا عصر النهضة والتنوير الذى فتح الابواب مشرعة نحو المستقبل.
ان الاوضاع البائسة التى يعيشها وطننا وشعبنا العزيز, يرجع الى درجة كبيرة الى ان نخبة 2003 التى جاءت بها الامريكان والايرانيين لم تمتلك القدرة والكفاءة والخبرة والشجاعة الادبية ان يكونوا ندا للامريكان ويقدموا تصورات ومطاليب تاهيل الصناعة والزراعة وتعيد شبكة البنى التحتية, وذلك لانهم لا يمتلكوا هذه الصفات. وبما ان الامريكان والايرانيين يعرفون ماضى هؤلاء وتاثيرهم عليهم, هذا بالاضافة الى الاستهتار ونهب المال العام والفوضى العارمة التى احلت بسبب القصور فى العمل من اجل البلد, انهم لا يمتلكوا القرار وبما ان الامور ليست فى ايديهم, فقد انصرفوا الى خلق حالة الفرهود فى عموم الدولة وتحولواا بشكل عنيف الى مافيات سطوا وارهاب واحتيال واصبحوا فى فترة قياسية من اصحاب مئات الملايين, بالاضافة الى الشركات والعقارات فى مختلف انحاء العالم.
ان الشخصية والتكوين الاجتماعى / الثقافى /النفسى للمسؤلين الغربين فى الدول الصناعية, بالرغم من انتمائهم الى دول غربية مختلفة, لكل منها تكوين شخصية وثقافة وطنية وقومية. تحمل اختلافات وفروقات فيما بينهم, فانهم يقفون على قاسم مشترك سواء ان كانوا امريكان ,انكليز فرنسيين او المان , انهم يعتمدون مبدا العقلانية, هذا يعنى استخدام العقل فى مختلف مجريات الحياة , هذا المبدا يوفر لم امكانية رصد الحالات والمقابل والتعرف على قدراته ومصداقية فى العمل والوظيفة التى مناط القيام بها. ويشكل العمل والاخلاص به والوفاء للمؤسسة او الدولة يعد من ارفع الواجبات. ان المبدأ
الاساسى الاخر هو عامل ” الندية” ان الامريكى والاوربى يكون ويبحث عن علاقات مع الاشخاص والجماعات التى تكون ندا له, فى الاخلاق والعمل والسلوك ومقدار مصداقية القول والسلوك. فى خلاف ذلك لا يجد ضرورة لتكوين علاقات, علاقات لا تحمل الاعجاب والثقة والاحترام للمقابل. ترى هل يجد المسؤلون الامريكان فى تعاملهم مع نخبة 2003 بعضا من الندية, وبالتالى بعضا من الاحترام. انها فعلا ازمة كبيرة لوطننا ان تكون النخبة التى تسلقت الى ارفع المناصب لاتجد احتراما من قبل المحتل, ان المحتل يجاملها يضحك معها لانه ما زال بحاجة لها, الا ان هذه الحاجة يمكن ان تنتهى بسرعة ويكون المصير شىء اخر.
فى فترة رئاسة بوش الاب جاء وزير الدفاع الامريكى الى دول الخليج فى حملة لبيع السلاح, وجاء الى الكويت ايضا وقدم للمسؤلين مختلف نماذج وانواع الاسلحة, كانت كما يبدواصناف من السلاح التى اعترض المختصين الكويتيين على بعضا منها بخجل وادب كبيرين وطلبوا اصناف اخرى لم تكن ضمن قائمة وزير الدفاع. الا ان الوزير الامريكى رد عليهم بكل صلف : ليس انتم من يقرر نوع السلاح الذى تحتاجون اليه, نحن اعرف بما يمكن ان تحتاجوا اليه. هذا الجواب يعنى, انكم فى موقع لا يسمح لكم بتقديم طلبات ووجهات نظر, انكم ليسوا مؤهلين لذلك!!, هذا علما بان الكويت لم تكن مستعمرة امريكية بالمفهوم التقليدى, ولم تكن القيادة الكويتية ولم تكن القيادة الكويتية صناعة امريكية, الا انهم يعرفون تماما كيف صعدت ال الصباح الى رئاسة المشيخه, بالاضافة انهم على بينة كبيرة بالنخبة الكويتية الحاكمة فى مختلف نشاطاتهم وعلاقاتهم ورغباتهم المعلنة والمخفية واوضاع الانا المقهورة المعذبة المكبوت’. الانا المكبوتة المقهورة. الا ان استمرارهم كدولة وقيادة, وشعب يتمتع بحبوحة العيش يرتبط بقوة امريكا الجبارة وتاثيرها فى السياسة العالمية, كما ان القيادة الكويتية كانت مرتاحة ومطمئنة الى هذه الحماية, حتى انها كانت تشعر بالقوة والمكانة المفضلة. ان والسؤال الذى يطرح نفسة بألحاح : ماعسى ان تفعل قيادة دولة لا يتجاوز عدد سكانها المليون وتكفى موارد النفط لشعب من 50 مليون نسمة, وهل يمكن ان تكون هذه الدولة الصغيرة مستقلة فى قراراتها كدولة مصدرة للبترول وتختار السلاح والطريق الذى تسير فيه كما تهوى ؟؟
ان الحالة اكثر خطورة واهمية حينما تكون النخبة الجديدة صناعة امريكية وجاء بهم الامريكان او احد الدول الغربية, او الشرقية الى الحكم. ما هى نوعية العلاقة والتعامل فيما بينهم. اذا اخذنا نخبة 2003 العراقية التى جاءت مع الامريكان , بعد ان حصلت الموافقة الاولية عليهم فى مؤتمرات ولقاءات”المعارضة ” التى عقدت فى صلاح الدين, لندن وواشنطن. السؤال يفرض نفسة من جوانب عديدة, هل يوجد اى نوع من التكافؤ فيما بينهم, سوى ان كان من ناحية الوظيفة والمكانة, “الرئيس والمرؤس, ” صاحب العمل والعامل الاجير”, “المرسل والمستقبل” فى اوضاع فى بلد يعيش فوضى عارمة ولم يبقى
لقوانين الحداثة التى طورتها البشرية فى مسيرتها اى استخدام. مع هذه الشخوص والجماعات المهاجرة التى كانت تعيش على حافة المجتمع فى اوربا وامريكا, فى ايران وسورية, تعتمد على التبرعات ومخصصات المخابرات وبدلات قوانين الرعاية الاجتماعية فى دول اوربا الغربية, لا تتوفر فيهم المقومات الشخصية لادارة وتكوين دولة, وذلك لانهم فاقدوا استقلالية القرار وانهم مسيرون , ينفذون ما تمليه عليهم القوى التى جاءت بهم ومنحتهم هذه السلطة والمكانة والامتيازات, واذا قدر لاحد منهم الرفض والممانعه والتمرد, فانه سوف لايخسر جميع هذه الامتيازات فحسب, وانما سوف ينظر اليه ناكرا للجميل, متخاذلا وحتى خائنا للعهود, وبذلك يمكن ان تتم تصفيته جسديا ويكون درسا بليغا للاخرين. ان التجربة العراقية المريرة منذ 2003 اصبحت محبطة للامال, خاصة عدم ظهور بضعة اشخاص او شخص واحد من النخبة الجديدة حالة من وخز الضمير, يقف مستدركا السنين الماضية وما قدمة من عمل فى بناء الوطن وتقدم شعبة ورفاهيتة, وانما على العكس من ذلك تماما, انهم يجتهدون فى سرقة واستباحة المال العام والافساد المتعمد لجميع المقومات والضوابط الاجتماعية, انهم يقومون بعملية تدمير معدة مسبقا.
فى الزيارات العديدة التى قام بها المالكى فى مرحلة رئاسته للوزارة العراقية لدورتين, واستقباله من قبل المرشد الاعلى , او من ينوب عنه من المسؤلين الايرانيين, لم يرفع العلم العراقى , كما هو متداول دبلوماسيا فى مثل هذه الزيارات الرسمية, وذلك لان المسؤلين الايرانيين لم يتعاملوا معه كرئيس الوزراء دولة مستقلة, وانما كاحد موظفيهم, والعاملين معهم ولديهم, شخصا نصبوه فى موقع رفيع جاء يقدم تقريراعن ما كان مكلف به , وزيارته لاتتعدى ان تكون كطلب احد الوزراء حضور احد رؤساء الاقسام فى وزارته لدراسة وتحليل نتائج العمل للفترة السابقة واستلام التصورات والخطط للمرحلة القادمة.
ان المالكى او اى شخص اخر من الموظفين والعاملين لدى ايران يجب ان يبدوا جدارتهم فى العمل والا فانهم سيقعون فى طائلة النسيان والابعاد, ومع السنين تكونت حالة من الاعتماد والعلاقة الشرطية المتبادلة, لايقوى احدا على المساس بها: وجود واستمرار احدهم يرتبط بوجود واستمرار الاخر.
ان العلاقة بين النخبة الجديدة والقيادة الامريكية اكثر قسوة واشد تأثيرا. ان السياسية الامريكية تعمد عند اختيار العملاء على الولاء التام, هذا يعنى استحالة قبول حالة الولاء المزدوج من قبل الامريكان. وكما هو معروف فان نسبة كبيرة من النخبة الجديدة قد قدمت ولائها لايران مسبقا ومنذ سنين قبل ان يبدا التفكير باحتلال العراق عام 2003. كانت وحدة المذهب تلعب دورا كبيرا فى بلورة هذا الولاء والذى اصبح احد المكونات الفكرية والايديولوجية لولاية الفقية والستراتيجية التى تعمل فى اطارها.
ان القيادة الامريكية تعلم جيدا بتاريخ وحيثيات النخبة الجديدة, اين كانوا وبماذا يفكروا واين هم الان والجرائم والفساد والفرهود الذى يمارسونه بمختلف الاشكال. هذه القيادة
لاتأخذ هذه النخبة محمل الجد, ليس فقط لانهم “خانوا العهد”, وانما لسطحيتهم وغبائهم فى الاستمرار فى الفساد والافساد دون التفكير بالفعل المعاكس الذى يمكن ان يتطور وينتهى بحرب شعواء تحرق الجميع, بالاضافة الى السياسة الطائفية المتطرفة. ان السرقات والتجاوز على المال العام كان يجب ان يرافقة بعض المنجزات التى تديم الحياة وتخفف من وطاة الفقر والعوز والبطالة, والا فان التناقضات المجتمعية سوف تندلع ويصبح من الصعب السيطرة عليها. ان هذه الحالة , خاصة فى ابعادها السياسة قد ادت الى تعميق الهوة بين التكوين المذهبى فى العراق والذى تحول مع الزمن الى حرب شعبية . ان هذا التطور لا يخدم المصالح الامريكية ويجعلها فى تخبط مستمر, وهو لايخدم مشروع (بايدن) لتقسيم العراق الذى كثر الكلام عنه فى اطار حرب شعبية لا توجد تصورات حول كيفية ومتى يمكن ان تنتهى لحد الان, بالاضافة الى انهيار الوضع الامني وخاصة فى العاصمة بغداد. هذه نتائج السياسة الرعناء التى قام بها التيار العراقى الايرانى من نخبة 2003, يعرقل المشروع الامريكى, الذى لم يكتمل بعد, لصالح الستراتيجية الايرانية, وعلى اى انه ليس فى كلا الحالتين ليس فى صالح العراق كدولة وشعب.
ان القيادات الامريكية بشكل عام تتعامل مع الذين يعملون معهم من النخب الجديدة كعملاء وخونه يشترون بالمال او باشكال اخرى, انهم يخونون اوطانهم, والذى يخون وطنه يكون مستعدا لبيعة, ويمكن ان يخون الذين جاؤا به ايضا, فى الوقت الذى يتفانى الامريكان فى خدمة بلدهم والاخلاص له والحفاظ علية والتفانى من اجله.
ان الصور المهيبه التى يقدمها التلفزيون حول يوميات كبار نخبة 2003 ,والاجتماع مع مبعوث الاتحاد الاوربى,او سكرتير وزارة التعاون اليابانى وحتى مقابلة وزير الخارجية الامريكية مقرونه بالصيغة المعهودة حول التداول فى الاوضاع الامنية وتحرير الموصل, لاتمثل سوى صور لممارسات بروتوكولية, يحمل الزائر معه تفاصيل عن هذه الشخصية “الرفيعة” وتاريخها وسلوكها المهين واستعدادها للبيع والشراء والاستجابة لما يعرض عليها بشرط ان تكون الصفقة له شخصيا وتتوافق مع التوقعات المعهودة.
كيف تحصل المباحثات بين كبار نخبة 2003 عند “المباحثات” مع السفير الاميركى او الايرانى اوسليمانى او احد الجنرالات الاتراك, هل ستكون عملية تبادل مشترك ام انها طريق ذو اتجاة واحد, هنا المرسل وذاك المستقبل. اذا قدر للمستقبل ان يدلوا بشىء فهى ملاحظات مكملة هنا وهناك, ويمكن ان يتغير الدور حينما يصبح المستقبل “ملكيا اكثر من الملكيين.” ويعود ذلك الى طموحات فشخصية قوية مريبة.
ان القيادة الامريكية وعلى كل مستوياتها وتدرجها لا يتعاملوا مع نخبة 2003 على مستوى من الجدية والاحترام , خاصة وهم على معرفة تامة بماضيهم البائس وحاضرهم المخجل, لقد اثبتوا جميعا على فشلهم المهنى المريع وقلة الخلق والدونية فى التعامل مع مستقبل الوطن والشعب . ان الامريكان لم يكونوا بحاجة الى اتقياء وعفيفين, وانما على
الاقل على جانب من المهنية والخبرة., من اجل ان لا تتحول البلد الى حالة عارمة من الارهاب والفوضى والفساد. نسمع ونرى ونقرا فى وسائل الاتصال من ان دول التحالف, والطائرات الامريكية بشكل خاص تصيب المدنيين وتجهز داعش بالسلاح من الجو, ترى ماذا عملت الحكومة, وهل تمتلك القدرة على المعارضة . لقد اشترينا طائرات اف 16 الامريكية الحجديثة,و وضعت مواصفاتها فى العقد, الاان عند استلامها كانت لا تتفق من بنود العقد, ترى هل يوجد مجال للمناورة او الرفض والاحتجاج من قبل المسؤلين العراقيين.
فى هذه النخبة الضعيفة المسلوبة القرار والاستقلالية سوف تستمر الفوضى والفرهود والارهاب الى اجل غير مسمى. وان عملية الاصلاح والتكنوقراط سوف لا تقدم شيئا. ان نخبة 2003 لا يمكن ان تعطى السلطة ولا تتنازل عنها, وبنفس الوقت سوف لا تحارب من اجل البقاء فيها والدفاع عنها, وانما سوف تهرب نحو العديد من الدول التى يمكن ان تستفيد من الثروات التى سرقوها. عندما تبلغ التناقضات اوجها وتتطور قوى وطنية اصيلة معارضة , تبعث الامل فى الجماهير لتغيير السلطة, وسوف يكون البلد لاهله