بالرغم من إن الموروث الثقافي والتاريخي الذي تحمله الشعوب العربية والإسلامية عموما تجاه أميركا قائم على أساس إنها دولة استعمارية استكبارية والحليف والداعم والمدافع الأول والرئيس والراعي لإسرائيل ويدها الضاربة، وأن شعار: “أمريكا عدوة الشعوب” يحفظه الصغار والكبار، إلا أن هذا المورث لم يستطيع أن يصمد أمام سطوة وقوة الفتاوى الدينية والرؤية والقراءة التي تعاملت بها الرموز الدينية والسياسية في العراق تجاه قضية الاحتلال الأمريكي، حيث تم إخراجه من هذا المعنى ومن الشيطان الأكبر إلى معاني أخرى لكي يتقبلها المجتمع العراقي، فتحول الاحتلال إلى تحرير وديمقراطية وازدهار، وصار المحتل صديقا وحليفا ومحررا ومنقذا ووليا،
وهكذا استطاعت الرموز الدينية والسياسية من تخدير الشعب العراقي وإخماد روح المقاومة والرفض التي يحركها ذلك الموروث، يوازي ذلك قمع كل صوت وطني يرفض الاحتلال ويدعوا إلى مقاومته، وفي طليعتها صوت المحقق الصرخي الذي صدح منذ البداية وحذَّر مما سيؤول إليه الوضع العراقي قائلا:
(منذ دخول الاحتلال قلت وكررت مراراً معنى أن العراق وشعبه وثرواته وتاريخه وحضارته وقعت كلها رهينة بيد الأعداء والحساد وأهل الحقد والضلال من كل الدول و الجهات … وصار العراق ساحة للنزاع والصراع وتصفية الحسابات وسيبقى الإرهاب ويستمر سيل الدماء ونهب الخيرات وتمزيق البلاد والعباد وترويع وتشريد وتطريد وتهجير الشيوخ والأطفال والنساء وتقتيل الرجال ..واقسم لكم واقسم واقسم بان الوضع سيؤول وينحدر إلى أسوأ وأسوأ وأسوأ… وسنرى الفتن ومضلات الفتن والمآسي والويلات ..مادام أهل الكذب والنفاق السراق الفاسدون المفسدون هم من يتسلط على الرقاب وهم أصحاب القرار .. ))
وبينما تُطلق الألقاب الرنانة على مَن مرَّر وشرع الاحتلال وسار في ركبه، وما نتج عنه من عملية سياسية فاشلة، وحكومات ظالمة فاسدة طائفية، تهاوى ويتهاوى بلد الرافدين وسار ويسير بخطى متسارعة نحو الأسوأ، حتى وقع في الهاوية، كل هذا من نِعَم الاحتلال، وبركة وحنكة مَن مرَّره ودعمه والشعب العراقي الذي يدفع الفاتورة لازال متمسكا بالرموز الدينية والسياسية التي دفعت به إلى الهلاك.
فكيف أقنعت تلك الرموز نفسها وجماهيرها بحسن النوايا الأمريكية ؟!!، وماذا كانت تترجى من أمريكا عدوة الشعوب ؟!!، وأي قدرة علمية أو حنكة سياسية تتمتع بها وقد جعلت من نفسها أداة لتنفيذ المخطط الأمريكي المشؤوم الذي تكشفت خيوطه رغم أنها كانت من البديهيات الواضحة؟!!،
فالي متى يبقى الشعب العراقي مسلوب الإرادة أسيرا لتلك الرموز التي ساقته من سيء إلى أسوأ تحركه وفقا لمصالحها الشخصية الضيقة ومصالح أسيادها؟!!، أما آن الأوان لكي يستفيق من مؤثرات الأفيون الذي سقته به تلك الرموز؟!!، فهذه هي حقيقة أمريكا التي صيرتها الرموز مُحررا وصديقا وحليفا ووليا ومنقذا واليوم تتمادى في غطرستها ووقاحتها وتضرب الجميع عرض الجدار تُهوِّد القدس أولى القبلتين وتستخدم حق النقض الفيتو ضد أي قرار يعارض ذلك .