19 ديسمبر، 2024 10:11 ص

المحامي والدفاع عن الارهابيين بين الشرع والقانون

المحامي والدفاع عن الارهابيين بين الشرع والقانون

ان المحامي او الوكيل بالخصومة جزء من المحكمة، ولا يتم القضاء الا بحضوره وذلك  استدعى التنظيم الكامل لهذه الصناعة الشريفة عند بعض الامم وبقيت في التنظيم القضائي الاسلامي عفوية ولا ناظم له وذلك لان الوكالة في الاصل طوعية مجانية وليست صناعة يرتزق منها فهي الى المروءات والاريحيات والنخوات اقرب وربما اعتبرت في حديث الرسول (r) ((صدقة )) لأنها لا تعدو كلمة خير يقولها الاخ عن اخيه او الوكيل عن موكله ثم اصبحت الوسيلة للارتزاق كبقية الصناعات الاخرى ونظمت في العصور الاخيرة.
ولأهمية مهنة (المحاماة) وقدسية رسالتها فقد تم وضع الانظمة لها واقيمت لها نقابات في جميع بلدان العالم والتي حددت انظمتها واهداف النقابة وشروط العضوية فيها ومجالس اداراتها وواجبات المحامي وحقوقه وغيرها، ومن هذه الشروط دفاعه عن الحق بالطرق المشروعة.
وبذلك يصبح الإحساس بالعدالة هو الأساس القوي الذي تنبني عليه المواطنة الصادقة وخير مؤشر على أن الوطن يسير في الطريق الصحيح، معرفته بالحقوق والواجبات وتحقيقه للعدالة والنزاهة.
هل يجوز للوكيل (المحامي) اذا عرف ان موكله مذنباً او ارهابيا او مجرما او ظالماً او على باطل ان يدافع عنه ويقوم بعرض ظروف مختلفة للجريمة او الواقعة وطمس للحقائق، من خلال العودة إلى ممارسات العدالة التقليدية والتطرف السياسي المدفوع بتوجهات دينية، وبعيدا عن إطار الحق وغرضه استهداف تحقيق العدالة بالمغالطة ويسعى للمطالبة بالبراءة او الافراج او استعمال الرأفة التي قد يكون المحامي مقتنعاً بها عن إخلاص ؟
وسأجيب عن هذا التساؤل من خلال مناقشة الموضوع من ناحية شرعية وقانونية، واضعا نصب عيني بعض الممارسات التي كنت اتابعها في المحكمة الجنائية المركزية(بصفتي رئيس غرفة المحامين السابق) والصادرة من بعض المحامين والمحاميات الذين يحرفون الوقائع ويقفزون على الحقائق، رعاع لا يعرفون للعهد معنى ولا للمسؤولية مضمون،  وعلى النحو الاتي :
مهما تغير نظام القضاء وتبدل واختلف في اجراءاته فإنما الهدف والمبدأ الشرعي والقانوني ثابت وواحد وهو احقاق الحق وجلب المصالح ودرء المفاسد وليس هذا التبدل والتغيير الا تبدل الوسائل والاساليب الموصلة الى غاية الشرع فان تلك الاساليب في الغالب لم تحددها الشريعة بل تركتها مطلقة لكي يختار منها كل ما هو اصلح في التنظيف نتاجاً وانجح في التقويم علاجاً.
يمكن استخلاص ابرز الدواعي لتوكيل المحامي ليتولى اجراءات الخصومة بكفاءة  دفاعا عن موكله ومرشداً له في صحة مسيرته في الخصومات، من ابرزها :
1. جهل اغلب الناس بأحكام الانظمة الوضعية المتشعبة في المجالات الجزائية والمدنية والمالية وغيرها امام المحاكم خصوصا الجزائية وخاصة بعد ان تنوعت تلك الدعاوى وتطورت تشريعاتها وكثرت الاجتهادات حولها ويتطلب الدفاع فيها براعة ودقة وعلما في مختلف درجات الدعوى.
2. عجز الكثيرين من المتخاصمين عن الدفاع عن مصالحهم ومناقشة خصومهم واثارة النقاط القانونية في منازعاتهم وايضاح المسوغات المخففة والاعذار الشرعية للمتهم وشرح ظروف الفعل الجنائي او الواقعة او اسباب الخلاف وتقديم البيانات المقيدة ومدى صلاحية المحاكم والاجراءات النظامية فيها واسلوب المراجعات والاجراءات التحقيقية والطعن في القرارات الصادرة مما لا يتسنى القيام به الا لرجل مختص في القانون .
3. ارتباط الكثير من المتخاصمين بوظائف رسمية او بشركات خاصة او مهن حرة يمنعه من متابعة  سير الدعوى وحضور جلساتها المتكررة، وتشتد الحاجة الى التوكيل عندما تكون الجهة المخاصمة جهة حكومية او شخصية اعتبارية حيث يتطلب حضور من يمثلها بصفة قانونية ولن يتحمل فيها احد مسؤولية الدفاع عن الجهة الموكلة ومتابعة سير الدعوى واجراءاتها وتقديم ادلتها الثبوتية الا من توفرت فيه المقدرة العلمية والخبرة الواسعة والصفة القانونية(المحامي) .
4. خوف احد طرفي النزاع من انحراف سير الدعوى ضد مصلحته ورغبته الملحة في وصوله الى حقه المشروع والدفاع عنه من خلال توكيل المحامي القادر على توجيه الدعوى الوجهة السليمة بما يملكه من قدرات عملية او خبرات طويلة في ميدان المحاماة او القضاء او بما يتمتع به من مكانة مرموقة وبذلك يطمئن الموكل على سلامة الدعوى لوجود من يعمل على تنبيه القاضي للوجهة الصحيحة قبل اصدار قراره باطلاعه على دفوعات اطراف النزاع وادلتهم ووجهة نظرهم فيها ومدى مطابقتها للأنظمة المعمول بها وبدراسة المناقشات القانونية التي تدور بين وكلاء الخصمين وهذا يحقق في الواقع نوعا من الرقابة الواعية على الدعوى من قبل المحامي الوكيل حيث يلفت النظر الى المواد القانونية والادلة الثبوتية ويرد على القرارات الصادرة من القاضي عند الاقتضاء وقد يحمله على التراجع عنها او يدعوه الى الرد على النقاط القانونية التي اثارها في دفاعه عند صدور القرار القضائي كما يمنع المحامي زميله المحامي الخصم من ممارسة الضغوط والتجاوزات غير القانونية التي توقع الضرر بموكله .
5. اعتماد القاضي في الدعاوى الجنائية على قناعته وضميره ثم خطورة قرار الادانة على الفرد نفسه وماله وسمعته، لذا من الضروري وجود محامي يرعى شؤون موكله القانونية،  اذ لا يكتفي القاضي في الدعاوى الجنائية بالأدلة الثبوتية التي يقدمها الخصوم وانما يسعى الى تحقيق وكشف الحقائق التي تكون قناعة الشخصية التي يطمئن اليها وبذلك تكثر في الدعاوى الجنائية المرافعات الشفوية والطلبات المتعددة للتأثير الوجداني على القاضي واقناعه بالقضية التي يدافع عنها المحامي.
6. يزداد شعور طرفي النزاع في الدعاوى الجنائية بالحاجة الى من يتولى الدفاع عنهم عندما يقرر القاضي اجراء المحاكمة بصورة سرية لأسباب امنية او خلقية فتفقد المحاكمة اهم ضماناتها الشرعية في اعلانيتها ومراقبة الجمهور لسيرها ولخطورة قرار الادانة في المحاكمة الجنائية، وتأكيد لحق الدفاع العادل، فقد اوجبت التشريعات الحديثة وجود المحامي فيها عند عجز المتهم عن تأمين من يدافع عنه في الدعاوى الجنائية الخطيرة وعن محاكمة الاحداث.
 واصبح من القواعد الاساسية التي اوجبها القانون ان تكون الاستعانة بالمحامي الزامية لكل متهم يمثل امام محكمة التحقيق وهذا ما اكدته المادة (123) من قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ وكذلك للمتهم بجناية واحيل على محكمة الجنايات حيث اوجبت المادة (144/أ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية انتداب محامي للمتهم؛ ان كان بدون محامي، حتى يكفل له دفاعا حقيقاً لا مجرد دفاع شكلي ولان الاتهام في جناية امر له خطره ولا تؤتي ثمرة هذا الضمان الا بحضور محام اثناء التحقيق والمحاكمة ليشهد اجراءاتها وليعاون المتهم مـعاونـة إيجابية بـكـل ما يرى تقديمه من وجوه الدفاع.
ويلزم المحامي بتحري الحق في وكالته ، ولا يتوكل فيما يعلم انه باطل وذلك لما للوكيل (المحامي) من دور خطير وفهم وتحصيل الحق والمساعدة على كشفه بما يلعبه من دور اثناء المرافعة وبما يهيئه من حجج وبراهين يقوي بها جانب الدعوى التي وكل للمرافعة فيها ليدحض بها جانب خصمه .
ومن هنا  كان على المحامي ان يلتزم جانب الحق ويتحراه في مهمته وعليه تجنب قصد ايقاع الظلم على الخصم فالوكيل حيث يعلم ان موكله مبطل في دعواه ولا اساس لادعائه الحق عليه ان لا يتوكل في هذه المواضيع مخافة المساهمة في ايقاع الظلم على شخص معه الحق، فلا يجوز التوكل عن المتهم لطمس هذا الحق .
والادلة على ذلك كثيرة منها:
1. قوله تعالى :  ]… ولا تكن للخائنين خصيماً …[ (سورة النساء) .
فقد ذكر القرطبي(رحمه الله تعالى) في تفسيرها : (( نهى الله عز وجل رسوله عن عضد اهل التهم والدفاع بما يقوله خصمهم من الحجة وفي هذا الدليل على ان النيابة عن المبطل والمتهم في الخصومة لا تجوز فلا يجوز لاحد ان يخاصم عن احد الا بعد ان يعلم انه محق )) . ( تفسير القرطبي ،6/377 ) .
2. عن ابن عمر y عن النبي r انه قال: ( من خاصم باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع). وجاء في بعض الروايات (من اعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله) (السجستاني، 2/305) .
لا ينبغي للمحامين ان يحيدوا عن جانب الحق والصواب ويطمعوا بعوض زائل مما يقدمه موكلهم ليصنعوا من الباطل حقاً ومن الحق باطل وليكن رائدهم احقاق الحق اينما كان جانبه وان لا يعينوا ظالماً في ظلمه ولا ينصروا مبطلاً في باطله وليتقوا دعوة المظلوم فانه ليس بينها الله حجاب . اما اذا شك ولم يترجح لديه شيء فمن باب المهنية الصادقة والاحتياط والورع الا يدافع عن المتهم واذا دافع فليس له ان يأتي بحجج عن المتهم او يصطنع دفاعاً له وذلك ان واجبه في مثل هذه الحالة يقتصر على ان يتقبل رواية المتهم على علاتها وان يحاول جهده الاستفادة منها وبقدر الامكان ويساعد موكله بالنصيحة لما يراه مناسباً عملا بما ورد في الحديث الشريف ( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) ويبحث له عن الظروف المخففة ومما لا يخالف الشرع.
واحذروا وكيلاً يريك الحق باطله                                     برقة بين تنميق وتحسين
ونؤكد ان المحامي ومثله الوكيل بالخصومة في الشريعة الاسلامية اذا اعتقد ان موكله او احد الشهود يفتري على  الحقيقة فأنه لا يجوز ان يشترك فيما يعتقد بأنه افتراء ويجب الا يسهم في افساد جو محاكم العدالة ويتذكر ان  واجبه ورسالته ان يقوم بالإخلاص نحو موكله ونحو المحكمة ونحو الهيئة الاجتماعية كلها، وان لا يعتقد ان حق الدفاع معناه الالتزام باستخدام اية وسيلة بما فيها التقدم بمرافعة يعلم انها كاذبة واذا كان اخلاصه كله جد عظيم فان التزامه المقدس باعتباره احد خدام العدالة الاعظم فهو لا يستطيع من الناحية الاخلاقية ولا يليق به ان يقوم بتقديم تأكيدات للمحكمة يعلم انها ملفقة فوظيفة المحامي بناءاً على قواعد وادأب المهنة التي تلتزمها نقابات المحامين في العالم لا تسمح له في سبيل مصلحة أي موكل ان يخرق القوانين او يستخدم أي طريق للخداع او الاحتيال وعليه ان يصغي لصوت ضميره هو لا ضمير موكله.
وللمحامي حق رفض الدعوى اذا تبين له بعد فحص جديد عدم صلاحيتها فقبوله الاول لا يقيده ولا يجوز للحياء الكاذب ان يلزمه بالاستمرار في دعوى باطلة لمجرد انه قبلها عند العرض الاول، ونفسية المحامي قد تتعرض لحالات في القضايا الجنائية كثيرة ومنها :
1. ان يكون مؤمناً ببراءة موكله وهو اسهل الحالات.
2. ان تبدو القضية موضع شك فالمحامي لم يستطع برغم دراسته الدقيقة لوقائع القضية وظروف المتهم ان يقطع برأي وفي هذه الحالة يملي القانون على المحامي واجبه وواجبه ان يبذل قصارى جهده ليحمل القضاة على ان يقروه على شكوكه لان القانون يحتم ان يستفيد المتهم من الشك فالبراءة عند الشك واجبة.
3. ان يكون متيقناً في ادانة موكله ومهمة المحامي ليست في ان يخدع قاضيه بمغالطات ماهرة بل يحاول ان يجد في ملابسات القضية ووقائعها اسبابا لتخفيف العقوبة اذا لم يكن فيها مخالفة شرعية بالنسبة للمحامي المسلم .
 ومن الخطأ الكبير ان يظن بعض الناس ان المحامي شخص قادر على تحقيق النصر لموكليه في ساحة القضاء بأية وسيلة فالمحامي الذي ينحدر الى الدناءة والخسة بغية احراز النصر لموكله وهو يعلم بطلانه؛ انما هو عار على المهنة فالمحامي خادم للعدالة وهو مطالب بأن ينزه نفسه عن الدنايا ويحسن سلوكه مراعياً كرامة وعزة المهنة التي يمارسها، وهكذا يجب على المحامي ان يفهم ماهي رسالته الحقيقة ليس كما يفهمها بعض المحامين الذين يعتقدون ان رسالتهم مقصورة على اداء الواجب نحو الموكل فقط .
دفاعاً عن المحاكمة العادلة
قرأت المادة الصحفية التي نشرتها صحيفة “الوطن” السعودية، والتي تتعلق بموقف المحامين السعوديين من مسألة الدفاع عن المتهمين بقضايا الإرهاب في السعودية خلال المحاكمات التي بدأت منذ أشهر, وخلاف المحامين السعوديين حول جواز الترافع عن هؤلاء من ناحية مهنية وأخلاقية وتخوف بعض المحامين من أن مثل هذا الموقف قد يضر بسمعته كمحام ويقدح في عدالته ووطنيته ونزاهته لما للموضوع من حساسية عالية إذ هو يتعلق بأناس اتهموا بارتكاب جرائم ارهابية،  لو تأملنا هذه القضية قليلاً, لوجدنا أن موقف المحامي هنا لا يلزم منه الدفاع عن الإرهاب ولا يلزم منه إقرار ما فعله موكله المتهم إن ثبت عليه أنه ارتكب جريمة ما فعلا, فترافع المحامي هنا هو “دفاع عن المحاكمة العادلة” وليس دفاعاً عن الجريمة نفسها, فالمحاكمة ذاتها هي عملية يراد منها تمحيص الحق وإظهار التفاصيل ومعرفة الجرم بدقة وتصوره بشكل دقيق بعد أن توجه المحكمة التهم للمتهم ثم يقوم المتهم من خلال محاميه بإظهار دفوعاته بأقصى ما يستطيع لنفي التهمة عن نفسه, فالمتهم لا يملك احترافية المحكمة والادعاء العام ولا معرفته بالقانون، وهنا جاءت الحاجة للمحامي, ثم بعد أن تتم هذه العملية وتستكمل جميع الإفادات واقوال الشهود والدفوعات والحجج يحكم القاضي وبسبب حكمه بعد أن استوفي الطرفان كل ما يمكن أن يقولاه, هنا تتكشف ضرورة وجود المحامي فليس كل متهم يفهم ويستوعب لغة القانون ولا أسباب الأحكام  التي يمكن أن تصدر وقد يوجد من لا يستطيع الإفصاح عن حجته ولا يمكن هنا أن نتصور حجم جريمته, إذن فوجود المحامي في تلك المحاكمات هو استيفاء لشروط العدالة وإكمال لنصاب المحاكمة العادلة وليس دفاعاً عن الارهابيين والمجرمين بقدر ما هو سعي لإظهار تفاصيل الحقيقة بكل دقة.
الأمر الآخر هو أن الادعاء على المتهم لا يعني ثبوت الجريمة وثبوت نسبتها إليه, فالقضية لا تحسم بمجرد الادعاء والمتهم بريء حتى تثبت إدانته, والإدانة الحقيقية إنما تكون على لسان المحكمة بصدور الحكم عليه ونطق المحكمة به, وقبل أن تنطق المحكمة بثبوت جريمة الإرهاب عليه هو ليس إرهابياً وإنما متهم بقضية إرهاب, والدفاع عن متهم أياً كان هو واجب أخلاقي لمن احترف هذه المهنة.
هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى أنه عندما يثبت على المتهم التورط في جريمة الإرهاب, فهناك درجات متفاوتة للجريمة من حيث عظمها ومدى ممارسة المتهم لها, إذ لا يمكن أن يعاملوا جميعاً بدرجة واحدة وعلى هذا التفاوت تصدر الأحكام بين الشدة والأقل شدة كل بحسب ما ارتكب ووجود الدفاع هو من سيصنع هذا التفريق الدقيق بين كل جريمة وأخرى بدلاً من أن يوضع الجميع في سلة واحدة.
مثول المتهم أمام قاض مختص بقضايا الإرهاب لا يكفي لتحقيق شرط المحاكمة العادلة, لأن القاضي المختص لا يعلم بما في نفس المتهم من دفوعات للتهمة إن كان هو من النوع العيي من البشر ومن لا يحسن التعبير والدفاع عن نفسه, وليس من واجب القاضي أن يدافع عنه أو يبحث له عن أعذار وإنما واجبه هو تصور الواقعة ثم الحكم بناء على ما سمع, يتبين من هذا أن شرط المحاكمة العادلة هو ” وجود المحامي “الذي لا شك أن وجوده في قاعة تلك المحاكمات ضرورة ملحة لتجلية الصورة ووضعها كاملة أمام القاضي بمسمياتها القانونية وتكييفها القانوني والفقهي, بصورة لا شك أن المتهم لن يستطيع أن يرسمه وحده.
لقد سررت بموقف المحامين السعوديين الذين أبدوا استعدادهم في الدفاع عن المحاكمة العادلة في هذا المضمار لأن موقفهم يدل على” وعي حقيقي” بمفهوم العدالة وعلامة رقي ونبل واستغربت موقف المحامين الذين عارضوهم وقالوا إن مثل هذا الموقف يقدح في “وطنية” المحامي الذي يتبناه, إذ كيف يُقدح في وطنية رجل القانون الذي لم يهدف إلا أن تتحقق العدالة بصورتها الكاملة بلا زيادة ولا نقصان ومهنه المحاماة تضيف إلى الأدلة والحجج وضوحاً وجلاء وتصبح القضية معلومة الإبعاد في جميع نواحيها وزواياه القانونية ومهنه المحاماة فيها الخائن والأمين والرفيع والوضيع والجاهل والعالم .
ان التشريع الجنائي الإسلامي لا يقف في وجه إي وسيلة أو أسلوب من شانه إظهار الحقيقة وتطبيق العدالة، ومثول المحامي مع المتهم يحقق الكثير من المقاصد والغايات النبيلة التي ينشدها القضاء، ولا يتعارض مع المبادئ الإسلامية، إلا إن بعض ممارسي المهنة في الساحة القضائية لا يتوخون الحق والعدل والإنصاف في ممارساتهم المهنية ومساندة المتهم المظلوم، وإنما ينبرون إلى حشد كافة المسوغات أمام القضاء المدعمة بالبراعة، والخبرة الحصيفة لانتزاع الأحكام القضائية لصالح المحامي ولصالح موكله، فقد اوجد ذلك حقا اتجاها نحو النفور الشديد من هذا النظام برمته ونبذه في كل الأحوال .
ويخطي من يعتقد إن وظيفة المحامي تتمثل في الدفاع عن موكله بالحق أو الباطل مقابل مبلغ من المال ، وما أكثر هذا الصنف من المحامين الذين يجهلون أو يتجاهلون إن المحامي مكلف بالدفاع عن الحق والعدل أو مساعدة أصحاب الحقوق في الحصول على حقوقهم تحقيقا للعدالة، وهناك بعض الادعاءات التي اطلقت بحق مهنة المحاماة منها شرعية واخرى قانونية سنحاول بإيجاز، مناقشة اهمها، مناقشة موضوعية، وبهدوء دون المساس بعلمائنا الإجلاء الذين كانوا يردون الخير دون شك والحيطة، وخاصة بعد انتشار أخبار المحامين الذين يمارسون هذه المهنة ممن لا يملكون أخلاقيات وآداب هذه المهنة النبيلة إذا أديت كما ينبغي من محامين ملتزمين بأدب الدين وخلقه ثم أدب وأخلاق هذه المهنة ((ومن يريد التوسع في ذلك عليه الرجوع الى كتابي ( المحاماة والمحامي في العراق) ففيه تفصيل واسع لذلك))، وكما مدون في ادناه:
الادعاء الاول:
ادعاؤهم بان عمل المحامي وكسبه محرم شرعاً لأنه يتولى الدفاع عن موكله بالحق أو بالباطل ويعمل جاهداً على جمع الأدلة لكسب هذه القضية ولو بالحيل أو بالخداع وتشويه الحقائق ويعمد لعرقلة سير الدعوى وتأخيرها.
يقول العالم الباكستاني (المودودي) في هذا الادعاء ((ولا يهم المحامي، في قليل ولا كثير ما أن كان موكله على حق أو الباطل مجرماً أو غير مجرم يريد أن ينال مظلمته أو أن يهضم حق غيره ولا يهمه أن كانت قضية موكله صحيحة أو غير صحيحة، وإنما الذي يهمه قبل كل شيء وبعده أن يكون موكله قد أدى إليه قيمة أتعابه، فعليه أن لا يترك حيلة دون أن يأتيها في المرافعة عنه، فهو يستلم القضية ويجعلها موافقة لصورة القانون الظاهرية، يوازي ما فيها من وجوه الضعف ويبرز ما فيها من وجوه الموافقة للقانون ولا يألو جهداً في ان يلتقط من معالمها وشهاداتها ما يؤيد حجة موكله ويكسب له القضية، ويراود الشهود عن خصمه حتى لا ينكشف الغطاء عن وجه الحقائق، أن كانت تُضعفُ حجة موكله أو تشتبه هذه الحقائق على الأقل، ويحاول المحامي أن يضلل القاضي ويقدم إليه تعبير القانون على ما يوافقه، ويدلل عليه بكل ما يصل إليه ذهنه من نصوص القانون، حتى يجري قلم القاضي بما يبرئ موكله من المؤاخذة لا بما يوافق الإنصاف ويفي بمقتضيات العدالة، فهذا كل ما يهم المحامي ويشغل باله وهو لا يبالي بعده أن يصير المجرم بريئا والبريء مجرما، لأنه لا يحترف بحرفة المحاماة لحماية الحق ونصرة المظلوم ولا غاية له منها إلا المال والمال فقط فكل من أعطاه المال من الخصمين فهو على حق في نظره))، ويرى بعضهم :
(وقد دخل فيها المحامون الذين يصنعون الدعاوى، ويحبون أن تتصل الخصومة ولا تنفصم، وعلى اثر هذا التعليل والتحليل وصرف المال في سبيل اتصال الدعوى، سئم الناس منها واشتد بُغضهم لها، وصار صاحب الحق يتخلى عن حقه الواضح، استبقاء لراحته وتوفيراً لماليته).
الجواب
ونقول بأن هذه الشبهة ادعاء ينقصها الدقة وتحري الصدق في الحكم وتعميمها، وإذا صح هذا القول في بعض المحامين فلا ينطبق على الجميع فيجب إلا يكون هذا القول على الإطلاق والتعميم الوارد.
ووجدنا اتفاقاً بين العلماء في مشروعية الوكالة بالخصومة(المحامي)، ووجدنا في كتب الفقه الإسلامي أحوال بعض الوكلاء ونجد ايضا صوراً من بعض المحامين الذي خرجوا عن جادة الحق وكانوا من الغاوين فلا يقاس عليهم كل المحامين في العالم لان المحاماة في حقيقتها مهنة الدفاع عن الحق، والقيام بإقرار العدل ونشره بين الناس من خلال تجليه الوقائع وبحثها وتكييفها القانوني الصحيح وإعداد أدلتها وأسانيدها بما ينير السبيل أمام القضاء .
 وكل خصومة أو نزاع أو مشكلة، فيها حق وفيها باطل، سواء كان الحق في ناحية والباطل في الناحية الأخرى، أو كان هناك بعض الحق وبعض الباطل، وهناك بعض الحق وبعض الباطل، ولكن من طبيعة المتخاصمين إن يظن كل واحد منهما انه على الحق الكامل وخصمه على الباطل الكامل، وبهذا يثور النزاع ويصل إلى القضاء، فالأصل إن المحامي لا يقبل الدفاع إلا عن الحق لا الباطل، فإذا عرضت عليه قضية درسها، فان وجدها على الحق قبلها وان وجدها على الباطل رفضها وينصح صاحبها، وهذا ما يطبقه كل محام ملتزم بدينه .
وأما إن بعض المحامين يسيء التصرف ويخالف أصول المحاماة فهذا شيء وارد وصحيح ويقع في كل المهن الأخرى، ولكن لا يجوز أن ينسحب اثر هذه التصرفات والأخطاء على المهنة ذاتها او على الملتزمين بأصولها وآدابها وأخلاقياتها؛ لأننا لو قلنا بتحريم المهنة ذاتها لجرنا هذا إلى تحريم المهن كافة التي ينحرف بعض محترفيها، ولأننا نجد في كل المهن الأمين والخائن ونجد فيها الرفيع والوضيع وفيها الجاهل والعالم .
أما شبهة إن المحامي يُعقد سير الدعوى ويؤخرها فنرد عليه، ان الحقيقة هي إن المحامي حينما يعبر عن وجهة نظر موكله فانه يضيف إليها الأدلة والحجج التي يعجز موكله عن الإدلاء بها؛ فتظهر القضية وقد غدت أكثر تعقيداً، ولكنها في الحقيقة ازدادت وضوحاً وجلاءً وأصبحت معلومة الأبعاد في جميع نواحيها وزواياها القانونية وبالتالي فان الفصل بها يكون اقرب إلى العدالة والقانون.
الادعاء الثاني:  
عمل المحامي فيه تشويه للحقائق من اجل الكسب المادي ويضعون اهتماماً لإتعابهم أكثر من مصلحة موكليهم فقال المودودي :
((إن المحامي يأخذه محله في السوق ببضاعة مهارته في القانون وهو دوماً على قدم وساق ليستغل ما عنده من قوة الذهن في استخراج النكات القانونية بحق كل من كان من الخصمين راجعه في قضية وعلى استعداد لأداء أجرة ذهنه وقيمة أتعابه))
ونقول :
لا يجوز ن ينسحب اثر هذه التصرفات والأخطاء على المهنة بذاتها أو على الملتزمين بأصولها، وآدابها واخلاقياتها، فالمحاماة مهنة قضائية تساهم في إحقاق الحق وتنير الطريق أمام القضاء في تطبيق الأحكام والأنظمة، فهي تساهم مساهمة أساسية في سير العدالة، فإذا صح القول بأن القضاء تجارة، فعندئذ يصح القول: إن المحاماة تجارة؛ لأنه من المؤكد إن هناك بعض الإساءات في الاستعمال أو التصرف كما يقع في أية مهنة أخرى، وهذه الإساءات يمكن أن تزداد في الأوقات التي تكون فيها النقود صاحبة السيادة، وخاصة حيث تكون الحاجات المادية قد تعددت بشكل عجزت عن إشباعها الوسائل المحددة.
وبعضهم احتج بقوله تعالى ((وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ….)) سورة هود الآية 113
فالجواب نقول إن الآية الكريمة ليست على إطلاقها، فمهنة المحاماة إذا كانت لجلب مصلحة أو دفع مفسدة، فهي مخصصة بالأدلة الدالة على مشروعية جلب المصالح ودفع المفاسد، والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .
الادعاء الثالث
ادعاؤهم بان التوكيل لدفع حد من حدود الله عن المتهم لا يصح، وبالتالي لا يجوز فيها المحاماة لان الوكيل شفيع أو التوكيل في الحدود إذا ثبتت وبلغت الحاكم او القاضي لا يجوز .
والمعروف في الشريعة الإسلامية إن القاضي بقدر الإمكان عليه أن يحاول إلا يوقع عقوبة الحد على المتهم، وحتى لو اقر المتهم بما يوجب الحد، المقر للزنا مثلا يجوز له أن يرجع عن إقراره، ولقد قال رسول الله (r): (ادرءوا الحدود بالشبهات))
ويجب أن نفرق بين المتهم الذي لم يثبت عليه الحد، وبين من حكم عليه بالحد، فالمحكوم عليه بالحكم النهائي لا مجال للمحاماة عنه، ولا يجوز طلب شفاعة له؛ لان الأحكام القطعية بعد أن تصدر يجب احترامها وتطبيقها على المحكوم عليهم، ولا فرق بين كبير وصغير، أما قبل الحكم فيجوز للمتهم أن يدافع عن نفسه بكل وسيلة مشروعة، وحتى قبل صدور الحكم إذا ظهر ما يدعو لذلك.
والحقيقة إن المحاماة جائزة في كل القضايا بل واجبة في الخطير منها، ومن ذلك قضايا الحدود لا على أساس أنها شفاعة، أنما لأنها تساعد القاضي في تبيين وجه الحق في كل أطراف الموضوع، وبيان دفاع المتهم التوضيحي المبني على  بيان الصواب من الخطأ في عقوبة من اخطر العقوبات التي ستلحقه، ولو لم يكن للمتهم محام لعينت له المحكمة محامياً في القانون والفقه .
فيمكن القول باطمئنان بأن الدولة الإسلامية في العصر الحديث لو ارتكب شخص فيها فعلاً يستحق عليه العقاب، حداً أو تعزيراً أو قصاصاً، فأنه لا يتصور ولا يكون مقبولاً أن يقوم رجل الشرطة أو عامة الناس بجر المتهم الى القاضي مباشرة لتوقيع العقاب، دون إجراء التحقيق وسماع الشهود نفياً أو اثباتاً وجمع البيانات والأدلة ثم تحديد التهمة تحديداً موقعياً دقيقاً بإعطائها الوصف الصحيح وتقديمها للقاضي مشفوعة بأدلتها، ويقوم بهذه المهمة رجال تخصصوا في هذا العلم والممارسة وهؤلاء هم القائمين بالتحقيق والمحكمة، الذين يقفون بهذه المثابة من المتهم موقف الخصم القوي المزود بالعلم والخبرة، وهي تدافع عن حقوق الله او حقوق الناس والمجتمع ضد هذا المتهم، الذي يغلب عليه في هذه الحالة الجهل بالأحكام الشرعية وشروط العقاب، وهنا لابد له من مدافع يساعده في بيان وجه الحق في الموضوع، ويكون الآمر في ساحة القضاء سجالاً مشروعا ًبين الادعاء والدفاع في مجال بيان الحق وحده، مع افتراض قيام الخطأ في الفهم أو الدراسة أو حقيقية الواقع، سواء من جانب الادعاء أو الدفاع أو حتى القاضي .
لقد أجمع الفقهاء على أن الحدود تدرأ بالشبهات والحديث المروي في ذلك متفق عليه، تلقته الأئمة بالقبول: (من ذلك أن امرأة رفعت إلى عمر بن الخطاب(رض)وقد زنت فسألها عن ذلك فقالت:
نعم يا أمير المؤمنين وأعادت ذلك وأيدته، فقال الامام علي(عليه السلام): أنها لتستهل به استهلال من لا يعلم أنه حرام ، فدرأ عنها الحد).
    فالمحامي يستطيع أن يتأكد من حقيقة الشبهة ومدى مسؤولية موكله تجاهها ثم يحاول أن يجد ما يخفف الحكم عن موكله إذا كان مقتنعاً أن هناك ظروفاً توجب ذلك، ولكن ليس من حقّه بل لا يجوز له أن يحاول تبرئة موكله من التهمة الموجهة إليه وهو يعلم أن الحقيقة خلاف ذلك .
إن من حق المتهم أن يبعد عن نفسه التهم وإن الغالب في المتهمين إذا دخل دوامة الاتهام يقع تحت ضغط نفسي وعصبي لا يتمكن معه من تجميع أفكاره وإيرادها بالتسلسل وبالوجه الصحيح، وهنا يأتي دور المحامي فيدرس القضية ويهيئها ويهيئ الحجج والبراهين والمستندات اللازمة وكل الأدلة والقرائن  الحقيقية لأجل براءة المتهم ومنع وقوع الحد، فإن الشرع الحنيف(ولله الحمد) لا يتعطش إلى إقامة الحدود أبداً .
وبعد هذا هل يمكن أن ندعي بأن المحاماة ما هي إلا شفاعة في الحدود لكي يترك المتهم تحت سطوة التهمة وعظمة بلواها بحيث لا يستطيع أن يدافع عن نفسه بحكم الكرب الذي وقع فيه، أما المحامي بحكم علمه واطلاعه وبعده عن هذا الكرب، يستطيع أن يجمع الأدلة ويعد الدفوع للدفاع عن المتهم لإقناع القاضي ببراءته من التهمة الموجهة إليه وحتى يكفل للمتهم دفاعا حقيقيا لا مجرد دفاعا شكليا ولان الاتهام في جناية أمر له خطره ولا تؤتى ثمرة هذا الضمان إلا بحضور محام أثناء المحاكمة أو التحقيق ليشهد إجراءاتها وليعاون المتهم معاونة ايجابية بكل ما يرى تقديمه من وجوه الدفاع، والمحاماة مهنة تهدف إلى إعلاء سيادة القانون وأداء رسالة العدالة وهي تشكل جزءا من مرفق العدل فان المحامين غير ملتزمين بإتباع تعليمات موكليهم إلا بقدر ائتلافها والضمير، وحكم القانون ومصلحة الموكل، والمحامي عون للعدالة وليس وبالا عليها كما يراه البعض .
فنتساءل بحق؛ هل يمكن القول بعد ذلك إن المحاماة لا تجوز في قضايا الحدود الجنائية لأنها مجرد شفاعة، ونترك المتهم بضعفه أمام سلطة الادعاء القوي أو المحكمة، مع افتراض الخطأ حتى بحسن نية من جانب المدعي، وندخل على القاضي الاقتناع من جانب واحد مع سكوت الجانب الأخر أو عجزه عن البيان والرد ؟
وحقاً ما جرى به القول إن من أهم حقوق الإنسان حقه في الدفاع عن نفسه، سواء بنفسه أو بوكيل عنه، ونقول باطمئنان ان المحامي رجل القضاء غير الرسمي، وتعتبر المحاماة جزءا مكملا للنظام القضائي، والمحاماة بحسب الجواز الشرعي أصبحت صناعة شريفة في بلاد المسلمين تخصص فيها القضاة وعلماء النفس إذ لا يخفي ما فيها إذا روعي حقها من الثواب من الله تعالى لأنها في نفس الأمر تعاون على إحقاق الحق وإبطال الباطل .
ان تشابك المصالح وتعدد المنازعات وتعقدها، ومع كثرة القوانين واللوائح والنظم في العصر الحديث، أصبحت ملحة لإيجاد عناصر تقوم بمساعدة الخصوم في المحاكم على تجهيز دفاعهم وترتيب حججهم وتنسيق مستنداتهم، وإجراء البحوث القانونية والشرعية  والتي تؤيد الحق لا الباطل في كل دعوى بشرط أن تكون هذه العناصر من الأشخاص المثقفين ثقافة شرعية وقانونية عالية. ممن صلحت أخلاقهم واستوي صلاحهم، وان يكون هدفهم خدمة الحق وإظهاره ودحض الباطل وإنكاره في كل قضية، وهؤلاء هم المحامون وبغير مساعدة هؤلاء سيغم الأمر على القضاء وتضيع حقوق الناس خصوصاً في العصر الحديث. والقاضي بشر يخطئ ويصيب، وقد يغم عليه الأمر، وخير الهدي هدى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وعلى ألاه وصحبه وسلم، إذ يقول في قضائه ما مبناه ومعناه ((تختصمون إليّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فاقضي له)) وإذا كان هذا هو حال الرسول المصطفي(r)، وفي زمان كانت المنازعات فيه بسيطة، وسبل حلها كانت ميسرة وكانت الأخلاق في قمتها فما، بالنا بحال الناس اليوم ؟
وبهذا نكون قد أتينا على بعض الادعاءات التي اطلعنا عليها والصواب هو في مشروعية مهنة المحاماة؛ إذا تحقق القواعد والشروط التي ذكرها العلماء الإجلاء في هذا الشأن .
واخيرا نقول، ان بعض المحامين قد يسيء التصرف، ولا تدان المهنة كلها بذلك، وللنجاح في المحاماة شروط كثيرة، كعلم واسع في القانون والمهارة في استنباط الأدلة وسردها والمقدرة الخطابية والصدق والالتزام بأخلاقيات وآداب المهنة، لذلك فان الدراسة تُطمئنُ الذين يرون حرمة هذه المهنة، بان الذين أفتوا بمشروعيتها يضعون قيوداً وشروطاً على من يتولها، فإذا لم تتوافر تلك القيود والشروط فان الشرع لا يبيح له امتهان المحاماة، لا لأن المهنة حرام ولكن العيب في المحامي في هذه الحالة، مثل الطبيب الذي يخالف قواعد المهنة، فانه يتخذ ضده إجراءات تقررها نقابة الأطباء، والأمر كذلك بالنسبة للمحامي الذي يخالف آداب وضوابط المحاماة، ويضاف بالنسبة للمحامي والمسلم الالتزام بقواعد الشرع والموافقة بما جاء في الشريعة الإسلامية نصاً وروحا فيما يدافع عنه من قضايا .

أحدث المقالات

أحدث المقالات