23 ديسمبر، 2024 10:10 ص

المحامي بين الالتزام الشرعي وصوت المال

المحامي بين الالتزام الشرعي وصوت المال

المحامي هو لقب يطلق على من أجيز له ممارسة مهنة المحاماة بناءً على القوانين المعمول بها، أمّا مهمّته الأساسيّة، فتتمثل في التّمثيل والدّفاع والمساعدة القانونيّة لمن يطلب ذلك مقابل مبلغ ماليّ أو تطوّعاً.
ولعلّ الإشكاليّة الأبرز عندما تتحدّث عن مهنة المحاماة هي: هل يستطيع المحامي أن يخوض تجربة العمل في مهنة المحاماة، دون أن تضطرّه التجربة إلى التخلّي عن التزامه الدّينيّ او الشرعي؟
ان المحامي الذي اختار المحاماة عن سابق تصور وتصميم يكون الأفق أمامه واسع ورحب، على الرّغم من وجود معوّقات وتحدّيات، وصّعوبات ستواجهه في هذه المهنة فعلى المحامي الاندفاع في مهنة المحاماة متسلّحاً بإيمانه وقناعته الرّاسخة بأنّ القوانين وجدت لتنظم الحياة البشرية، إلى جانب رغبته في إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وعلى المحامي ان يحسم خياره منذ انطلاقته في عالم المحاماة، بأن لا يترافع في قضايا من شأنها الإساءة إلى التزامه الدّينيّ، كقضايا المخدّرات والعمالة والدّعارة، وما إلى ذلك.
 فقرار قبول الدّعوى يتطلّب الكثير من الدّرس والتأنّي عند المحامي الملتزم مهنيا وشرعيا.
الضّوابط الشّرعيّة
أنَّ قانون تنظيم مهنة المحاماة، يراعي جملةً من الضَّوابط الّتي يفترض أن يتقيَّد بها المحامي، وأن تصون هذه المهنة وتنظّمها، باعتبارها مهنةً رساليّةً تدافع عن الحقّ، وتدين الظّلم، وتسعى لإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، أنّ الالتزام يعطي المحامي قيمةً مضافةً في عمله، فيصبح اختياره للدّعاوى دقيقاً، وقد يضطرّ غالباً للتخلّي عن العديد من القضايا، خوفاً من الوقوع في الشّبهة والإشكالات الشرعيَّة، او قد تكون هناك مسؤولية مهنية (تأديبية، مدنية، جزائية).
هناك مقولة معروفة تقول إنّ خصم المحامي هو موكّله، فالموكّل عادة يخفي العديد من التّفاصيل من أجل إقناع المحامي بمظلوميّته، إلا أنّ المحامي يستطيع عند اكتشاف ذلك، والتنحّي عن مرافعته في القضيّة.
والدّين يعزّز تجربة المحامي، وعلى المحامي، أنّ يلجأ إلى الاستفسار دائماً عن رأي الشّرع حول الحدود الّتي يمكن أن يتحرّك فيها، ولا سيَّما في طبيعة الكلمات الّتي يمكن أن يستخدمها في مرافعاته وخلال عمله.
إنّ ما يشغل بال المحامي الملتزم، هو خوفه من الوقوع في الخطأ، حتّى لا يكون السّبب في ظلم أيّ إنسان، ومهنة المحاماة تفتح آفاقاً كثيرة، وتتيح المجال للتّواصل مع مختلف شرائح المجتمع.
لا تضارب بين القانون والشّريعة الإسلاميّة
لا وجود لأيّ تضارب بين مهنة المحاماة والدّين، لأنّ مهنة المحاماة ليست بجوهرها بعيدة عن الشّريعة الإسلامية، إذ إنّ هناك العديد من التّشريعات القانونيّة مستمدّة روحيّتها من الشّريعة الإسلاميّة الّتي تعتبر أحد مصادر النّصوص الّتي يعمل فيها داخل القوانين العراقية وفي منطقة الشّرق الأوسط بشكلٍ عام.
الدّفاع عن الموكل
“العامل الأساس في قبول أيّ قضيّة، هو الإحساس بمظلوميّة الشّخص الّذي سأدافع عنه”، وهناك عدة قضايا كانت للمحامي فيها صولة وجولة استطاع فيها أن ينقذ موكله من احكام قاسية ويثبت براءته، إيماناً منه بمظلوميّته.
مهنة المبادئ
يتحدّث المحامون غالبا، عن إشكاليّة المواءمة بين الدّين والمحاماة، ونؤكّد بأهميّة الالتزام الديني والأخلاق في أيّ مهنة يمارسها الإنسان في الحياة، ولا سيّما في مهنة المحاماة الّتي يتصدّى فيها المحامي لنصرة المظلوم، وإعطاء الحقوق لأصحابها، إلى جانب تبيان الحقّ من الباطل.
التحدّي الأكبر عند المحامي، يكمن في قدرته على الحفاظ على الضّوابط الشرعيّة من جهة، وإثبات جدارته المهنيّة من جهة أخرى، واني لاحظت من خلال التجربة الميدانية ان غالبية المحامين القدامى حرصوا في تجاربهم الشخصيّة المهنية على مدى سنين طوال، على مراعاة الضّوابط الأخلاقيّة والدّينيّة، فالمحامي عليه أن يكون حريصاً على سمعته في مهنة المحاماة كحرصه على دينه.
المحامي صاحب القرار
وإذا أردنا التحدث بواقعيَّة عن تجربة المحاماة الّتي تمثِّل الاختبار للمحامي كإنسان قبل كونه محامياً يمارس مهنة المحاماة، وخصوصاً أنّ هذه المهنة مليئة بالمغريات والعروضات الّتي يدفع ضريبتها المحامي عادةً من حساب سمعته أو قناعاته، وخصوصاً عندما يترافع عن شخص وهو غير مقتنع ببراءته.
المحامي صاحب القرار، وهو يختار القضيَّة الّتي يترافع عنها، فهو يقبل الدعوى أو يرفضها، على الرّغم من أنّ الأمور لا تكون واضحةً منذ البداية، وخصوصاً أنّ معظم الموكّلين يسعون لإقناع المحامي ببراءتهم، وفي هذه الحالة، نود ان نوضح، أنّ الاعتذار عن إستكمال الملفّ هو خيار وارد عند المحامي في أيّ لحظة يكتشف فيها أنّ الموكّل غير بريء، مذكرين، أنّ تجربة المحامي ونظرته في الأمور، تجعله قادراً على تشخيص الأمور والتحكّم بالملفّات بشكل دقيق وواضح.
النّجاح والتميّز سمة المحامي الملتزم دينيّاً، وهو يحظى بإحترام مجتمعه والعاملين في مهنة المحاماة.
ولا بد من الاشارة، هناك أهميّة للتّجربة الّتي تجمع الالتزام الديني والالتزام بمبادئ المهنة، الّتي تقوم على الأخلاق وتحقيق العدالة في المجتمع، فوجود محامين ملتزمين دينيّاً، قد يكون ضرورةً في مجتمعنا، ليس فقط لشخص المحامي، بل لتأكيد فكرة أنّ الشّريعة الإسلاميّة وجدت، كما القوانين الوضعيّة، لتحقق العدالة الإنسانيّة، وهي لا تتناقض بروحيّتها عنها. لذلك نجد أنّ النّجاح والتميّز سمة المحامي الملتزم دينيّاً، وهو يحظى باحترام مجتمعه والعاملين في مهنة المحاماة.
وكل ما عليك لكي تكون محاميا مهنيا وشرعيا: ـ
1-      أن تجعل الله نصب عينيك في كل ما يعرض عليك من أمور ولا تجعل الشيطان يزين لك ماتسول لك به نفسك من قبول أمر مخالف لإمر الله لأنه سيجنى عليك كثيراً من المال أو مزيداً من الشهرة، فكل هذا زائل ولا يبقى إلا العمل الصالح فلن ينفع المال ولن تفيد الشهرة وأعلم أن الرزق الحلال الذي قسمه الله لك فيه الخير والبركة.
2-      لا تقبل أي دعوى قبل أن تحققها فإن رأيت الحق بجانب صاحبها فاقبلها وتوكل فيها وجاهد مهنيا واخلاقيا في سبيل الوصول به إلى اقتضاء حقه، ودافع عن موكلك بشرف وامانة ونزاهة ولا تخرق نصوص قانون المحاماة، وكن دائما في صف المظلوم ولا تعاضد الظالم أو تساعده فسيجنى هو ثمار ظلمك وستجنى أنت الآثام والذنوب.
3-      قل الحق ولو كان مراً ولا تكذب واستخدم علمك وخبرتك المهنية كما ينبغى أن يكون للبناء لا الهدم ولا تعمل على الإضرار بالناس أو الوقيعة بينهم من أجل عرض زائل ولا تحرم الفقير من حقه في علمك من اجل الاتعاب، فقف بجانب المحتاج حتى ولو لم يملك ما يعطيه لك فللعلم زكاة مثل المال .
4-      لا تغالى في أتعاب المحاماة وقدرها وفق الاستطاعة ووفق ما تقوم به من مجهود ولا تجعل المال هو أساسك في العمل ولا تجعل بؤس الناس تجارة رابحة لك، وطبق القاعدة التي تحكم عمل مهنة المحاماة بان المحامي عليه بذل العناية وغير ملزم بتحقيق نتيجة، وابتعد عن اعطاء احكام مسبقة لموكلك لاجل التوكل في الدعوى واخذ الاتعاب، (علما انه في بعض الاحيان المحامي يعلم ان نسب نجاح دعوى زبونه غير مشجعة لكنه يؤكد لزبونه نجاح الدعوى).    
5-      عامل الناس بالرفق واللين فلا تقسو عليهم بالكلام وأزرع الطمأنينة في قلوبهم، وصارحهم دائما وابدا بحقيقة مجريات ووقائع الدعوى وبكل شفافية، ودائما ذكرهم بأن الحكم يرجع لله والقانون وما على المرء إلا أن يتجه إلى الله الذي لا يظلم أحداً ثم الى القضاء.
6-      أتبع طريق السلم والمودة في الإصلاح بين المتخاصمين قبل الخصومة وأبتعد عن أن تكون داعى شر وكن محضر خير، وإذا سارت الدعوى ووجدت في الطريق ثمة فرصة للإصلاح بين الأطراف فلا تتركها وأستثمرها وقرب بينهم وسيكافئك الله من عنده، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.
7-      حافظ دائما على وضع خط فاصل بين كونك وكيل خصومة وبين الانغماس في الخصومة الى حد جعلها شخصيه لأنك إن وصلت لهذا الأمر فإنك حتما سوف تصل لمرحلة العناد والكبر ومحاولة القصاص لنفسك وما يجرك هذا الى سلوك كل السبل وصولاً الى كسب الدعوى ولوكان ذلك على حساب الحق أو باستعمالك لكافة الطرق سواء كانت شرعية ام غير ذلك وما اقسى هذا السلوك وأقبحه لدى النفس التي تعلم ان الحق هو الأولى والأجدر من أي مجد دنيوي.
8-       الحق نسبى وليس مطلقا وبالأخص، اذا كان في أمور الدنيا وبعيدا عن الثوابت الربانية الإيمانية والعقائدية، لكن هذا الأمر لا يعطيك الحق في قبول كل ما يعرض عليك إرتكانا لهذه القاعدة ولكن عليك تحرى الدقة والتثبت والتماس بشائر الحق فإن رأيت الحق أقرب فتوكل على الله وأقبل على الدفاع وإن شعرت إن الحق بعيد فابعد أنت ايضا.
9-       تعفف عن المال الحرام فإن نجحت في ذلك سيرزقك الله إياه حلالاً طيباً فرزقك وأجلك أمران قدرهما الخالق.
10- أخلص النية لله وأطلب منه أن يعينك على حمل الأمانة لأن رسالة المحاماة رسالة العدل وملاذ المظلوم ومهنة العقل الراجح، فهي لاشك ثقيلة، فإن أحسنت صونها والعمل عليها بحق ربحت راحة النفس والضمير ومن قبل رضا المولى عز وجل.
واختتم مقالتي طالبا من زملائي والقراء الكرام، ان لا يجتهدوا ويطلقوا السهام، تحت عنوان، اني اصبحت متصوفا في الدين بسبب قضيتي، لكني اردت فقط التأشير على بعض السلبيات التي باتت تهدد كيان مهنة المحاماة لما عاصرته ميدانيا وما نسمعه لاحقا، من انتهاكات خطيرة لقواعد السلوك المهني وقبلها نصوص قانون المحاماة من بعض المحامين الذين اصبحوا فاكهة مجالس ومقاهي ولقاءات واجتماعات عديدة.